هناك أمر استثنائي من نوعه يحدث بعالم كرة القدم.. أمر ينافي المنطق.. أمر أشبه بالسحر.. أمر يجعلني مفعمًا بالمشاعر الفياضة لأن هذا أمر يتعلق بالنادي الذي أشجعه منذ سنوات عمري الأولى. لقد سبق وأن شاهدت ليستر سيتي يخسر في نهائي بطولة كأس الاتحاد الإنجليزي عام 1969، برفقة والدي وجدي، ولم يكن عمري يتجاوز وقتها الثامنة. وفي ذلك اليوم، ظللت أبكي طوال طريق العودة إلى المنزل. وقد شاهدت ليستر سيتي وهو يصعد للدوري الممتاز ويهبط منه. وشاركت في صفوفه لمدة ثماني سنوات، بل وحظيت بمجموعة من المشجعين والأصدقاء أصحاب التوجهات ذاتها وشكلنا مجموعة لإنقاذ النادي عندما شرع في تصفية أعماله. ورغم كل ما سبق، لم أعايش في حياتي مثل هذه اللحظة. في الواقع، إن لحظات كتلك التي أعايشها الآن لا تمر عادة بتاريخ أندية مثل هذا الذي أحظى بشرف تشجيعه. قبل مباراة ليستر سيتي ونيوكاسل يونايتد، مساء الاثنين الماضي، كان الأول متصدرًا الدوري الممتاز. في الواقع، لم يكن ليستر سيتي متصدرًا البطولة فحسب، وإنما أيضًا بفارق نقطتين، بجانب مباراة مؤجلة له. أما المثير حقًا أن هذا المستوى لم يصل له النادي في سبتمبر (أيلول)، وإنما أكتوبر (تشرين الأول)! أي أن الوضع ليس في بداية الموسم. والعجيب بالأمر أن هذا هو الفريق ذاته، مع اختلافات طفيفة، الذي كان في مثل ذلك الوقت من الموسم الماضي يخوض معاناة مريرة في قاع جدول ترتيب أندية المسابقة. أما ما حدث بالنادي منذ ذلك الوقت، فيفوق قدرة العقل البشري على التصديق. جاءت أولى المفاجآت مع تمكن الفريق بقيادة نايجل بيرسون، من تحقيق سلسلة من النتائج المعجزة مكنته من الإفلات من شبح الهبوط والاستمرار في الدوري الممتاز. ومع ذلك، تعرض بيرسون بعد ذلك للطرد، الأمر الذي أصاب الغالبية الكاسحة من مشجعي ليستر سيتي بإحباط كبير. أما السبب فكان السلوك المشين الذي أتى به ثلاثة من لاعبي النادي الشباب خلال إحدى الجولات، أحدهم نجل المدرب. بطبيعة الحال، خلف هذا القرار حالة من الفوضى، وأصبح النادي في حاجة ماسة لمدرب جديد على وجه السرعة. وهنا ظهر كلاوديو رانييري. عند هذه النقطة، يتعين علي الاعتراف صراحة أنني، مثل كثيرين آخرين، شعرت بأن هذا الاختيار غير موفق، خاصة وأنه خلال عمله الأخير في التدريب، تولى رانييري تدريب الفريق الوطني اليوناني الذي خسر أمام جزر فارو. وحتى إذا حاولت التملص من هذا الاعتراف، فإن حسابي عبر «تويتر» لن يترك لي مجالاً للقيام بذلك. والآن، اتضح لي كم كنت مخطئًا.. وكم كان هذا الخطأ رائعا! ويتفق معي في ذلك الخبراء الرياضيون، الذين سبق وأن رأوا أن ليستر سيتي المرشح الأول للهبوط، فكيف كان بمقدور أي شخص تخيل حجم التحول الذي حدث؟! إن ما نعايشه الآن، حال نجاح ليستر سيتي بالفعل في المضي قدمًا وحصد البطولة، قد يكون أقل الانتصارات احتمالاً في تاريخ أندية كرة القدم، ذلك أن مجموعة من اللاعبين أخفقت في الفوز بمباراة منذ عام مضى تحولت الآن إلى قوة لا تهزم، وفريق يتمتع بمستوى قلما يتكرر من الروح القتالية ووحدة الصف. ويعمل الجميع تحت قيادة المدرب الرائع، رانييري. إذن، كيف يمكننا فك طلاسم هذا اللغز؟ لا يمكن أن تكون الإجابة، مثلما اقترح البعض همسًا، أن السر يكمن في حقيقة أن الملك ريتشارد الثالث أعيد دفنه في ليستر في وقت قريب من فترة انطلاق صحوة ليستر سيتي - هل يعقل ذلك؟! حسنًا، دعونا نتناول الأسباب الحقيقية. الواضح أن اللاعبين الذين عانوا في محاولتهم التأقلم خلال موسمهم الأول بالدوري الممتاز، شعروا أخيرا بالجرأة والشجاعة، خاصة في ظل الجو العام المذهل الذي صاحبهم الموسم الجديد. من جهته، بدأ جيمي فاردي تسجيل أهداف وإبداء سرعته الهائلة وقدراته الضخمة. أما رياض محرز، العبقري صاحب القدم الساحرة، فقد أظهر قدراته السحرية في أسبوع، وأخفاها في أسبوع آخر. وكان من شأن ضم نيغولو كانتي الذي يبدو قادرًا على الوجود بمختلف أرجاء الملعب، إلى جوار داني درينكووتر، صاحب اللياقة البدنية المرتفعة، أن أمد خط الوسط بثنائي لا مثيل له بأي ناد آخر بالدوري الممتاز خلال هذا الموسم. علاوة على ذلك، هناك طاقة كبيرة يبثها في أداء الفريق لاعبون أمثال مارك ألبرايتون وشينغي أوكازاكي وجيف شلاب. كما نجح كاسبر شمايكل في تقديم أداء متميز في الذود عن مرماه، وأبدى خصال قيادية واضحة ربما انتقلت له عن طريق الوراثة. أما الجانب الأكثر إثارة في هذا الفريق المزيج الدفاعي من أربعة لاعبين نجحوا معًا في رفع شعار «لن تمر» في وجه لاعبي الخصوم، وقدموا أداء رفيعًا بدا متعذرًا عليهم في بداية الموسم. ويتميز هذا الرباعي في خط الظهر بعنصري الخبرة ورباطة الجأش. الملاحظ أن هذا الفريق لا يميل للاستحواذ كثيرًا على الكرة، وإنما ينصب اهتمامه على كسر استحواذ الخصم عليها. كما يتمتع بمستوى ممتاز من التنظيم وروح تنافسية رائعة والقدرة على مواجهة الخصم بذكاء متقد. باختصار إنهم فريق رائع على نحو استثنائي. من ناحية أخرى، فإن الأيام القادمة وحدها من يملك الإجابة عن تساؤل ما إذا كان ليستر سينجح بالفعل في المضي في طريقه وصولاً إلى درع البطولة، فلا تزال احتمالية سقوطه خلال المباريات القادمة قائمة. ولا يزال من الممكن أن ينقلب أكثر الأحلام استحالة إلى واقع تعس. من جانبي، آمل بالتأكيد ألا يحدث ذلك. لا أظن أنني سبق وأن شعرت بهذه الرغبة العارمة في تحقق شيء بمجال الرياضة قط من قبل. إنها لتجربة رائعة بكل المقاييس متابعة الفرحة التي تغمر أطفالي الثلاثة الذين يشجعون ليستر سيتي، مثل أبيهم. وحتى ابني الأكبر الذي شجع طيلة حياته مانشستر يونايتد، يشعر بالحماس حيال ما يحققه ليستر سيتي الآن. أما والدي، فقد كب عبر «تويتر» مؤخرًا: «لقد انتظرت طوال 70 عامًا لأعاين هذه اللحظة». في الحقيقة، أشعر أن مشجعي كرة القدم بمختلف أرجاء العالم يسيطر عليهم الشعور ذاته. والمؤكد أن الضغوط ستتفاقم مع كل أسبوع يمر من الدوري. ومع تنامي التوقعات، يتزايد الخطر. إلا أن لاعبي ليستر سيتي لم يبد عليهم أي شعور بالخوف حتى الآن، ولم يبد عليهم أدنى تردد أمام ضخامة الإنجاز الذي يوشكون على تحقيقه. إنهم يقفون على أعتاب حفر أسمائهم في عالم الخلود. ومن جانبي أقول لهم: يا فريقي الرائع، لا تخشوا شيئًا. ومثلما تساءل شاعرنا الأعظم شيكسبير على لسان ريتشارد الثالث: «ماذا أخاف؟ نفسي؟»
مشاركة :