د. قاسم بن محمد الصالحي الممكنات أكثر من المستحيلات، وكل مستحيل يُحيط به ألف ممكن، فلابد من تجربة ما لم يجربه غيرنا، وأن نكون مرنين حتى مع ما يعترضنا من صعاب أو مشكلات، عندما نحاسب النفس لا يعني من أجل إصدار أحكام إدانة أو براءة عليها، وإنما لتحسينها وتطويرها؛ إذ إن جميعنا دون استثناء، عندما نواجه مشكلة ما تجدنا نفكر فيها إلى درجة التأثير على ذاتنا، وفي غالب الأحيان لا نصل إلى حل لها، لماذا؟ لأننا نتوجه فورًا بالتفكير في أساس المشكلة، ونعيش داخلها إلى أن نصبح جزءًا منها، في حين أن هناك فرقًا كبيرًا بين أن نركز في المشكلة والسعي في إيجاد حل لها، رغم أن الحل دائما أمامنا، ولكننا نكثر التركيز في المشكلة، ونضخمها، فتصبح الحلول القريبة بعيدة عنا، بل أحيانا لا نراها، في حين لو حاسبنا أنفسنا، وفكرنا لحظة واحدة بموضوعية، سنجد الحل داخل المشكلة نفسها. على الفرد منا ألا يكون كمن يجلس على جانب الطريق، وقد وضع بجانبه لوحة مكتوب عليها أنا أعمى أرجوكم ساعدوني، ولم يكن أحد من المارة يضع أي نقود في الصندوق الصغير الموجود بجواره، ينتظر أحد المارة ليفكر نيابة عنه في تغيير ما هو مكتوب على اللوحة الموجودة أمامه، ثم يلاحظ بعد حين أن هناك زيادة في النقود التي في الصندوق الذي وضعه بجانبه، وأن الناس يتوقفون عنده، وكان قد شعر بحركة بجانبه بجوار اللوحة، فنادى أحد المارة قائلا كانت هناك لوحة بجانبي، هل هي موجودة، فيرد عليه، نعم موجودة، ومكتوب عليها "نحن في فصل الربيع ولكن لا أستطيع أن استمتع بجماله"! العبرة- إذن- تكمن في ضرورة التغيير في وسائلنا عندما تكون الحياة على غير ما يرام، وأن لا نركز في أساس المشكلة التي تواجهنا بل علينا التركيز في الحل، لأن مهارة الحياة تكمن في قدراتنا المكتسبة والإجراءات التي نتخذها، والاستعانة بما لدينا من إمكانيات وخبرات سابقة وتجارب مشابهة، ومعرفة ما سبق لنا تعلمه في مجال السيطرة على المواقف الجديدة بكل حيثياتها ومعطياتها لأجل الوصول إلى الحل المناسب أو للحد من أي تأثير سلبي يتركه هذا الموقف الذي سبب لنا الضرر، فالحل يعتمد بشكل رئيس على ردة فعلنا تجاه أي مشكلة وكيفية التعامل معها لإيقاف تبعاتها السلبية والوصول لمرحلة التوازن، لأن المشكلة هي موقف غامض أو سؤال محير يستدعي الفهم والحل، ولا يمكن الإجابة عليه بردة فعل متعجلة، غير محسوبة؛ بل يجب أن تكون استجابتنا عملًا إيجابيًا يستهدف حل الغموض أو اللبس الذي يتضمنه الموقف. يعتقد الكثير أننا لا بُد أن نتجنب المشاكل أو الفشل أو السلبية دائمًا، وأن لا نتذكرها أبدًا، وهذه النظرة جيدة فهي محفزة، لكن مهلًا، هل حُلّت المشكلة؟ وللإجابة علينا أن نطرح على أنفسنا أولا سؤالًا آخر "هل المشكلة حقيقية"؟، والابتعاد عن المشاكل لا يعني الضعف؛ بل يعني أننا أكثر قدرة على الاستمتاع بالحياة، لذا سنجد فعلا من يؤيد الابتعاد عن المشاكل التي لا تؤثر على مجريات الحياة ولا تسبب لنا عقبات - مشاكل غير حقيقية - والتي يجب تجنبها فعلا، إما المشاكل الحقيقية والتي يجب مواجهتها والوقوف عند أسبابها وعلاجها، فيجب أن ننظر إلى حلولها لا أن ننظر فيها، حيث إن بعد الفشل يأتي النجاح، وإذا تركنا علاج الفشل وأسبابه سيزداد استفحالاً إلى درجة يصعب السيطرة عليه فيما بعد. إذن.. لنحدد أبعاد المشكلة والتأثير الذي أحدثته سواء على الصعيد الآني أو المستقبلي، ومدى علاقتها بالمشاكل الأخرى إن وجدت، مستذكرين الأحداث التي كانت جزءًا أو كلا في حدوثها، ومن ثم استحضار آليات الحل، واضعين التقييم المناسب للحل ودراسته للحصول على مسار أفضل وأسرع وأكثر أمانا من خلال العصف الذهني، بأقل جهد لطرق الحل، ومن ثم نبدأ في تنفيذ الحل الذي وضعناه للحصول على النتائج، بحيث يصاحب ذلك كله الثقة بالنفس، والمرونة، والشجاعة لاختيار الأفضل، على أن نرمي المشكلة خلف ظهورنا دون أن ننساها كأنها لم تحدث لأن تذكرها يساعد في الاستفادة منها مستقبلا، لكن علينا تجاوزها وعدم الاستمرار بلوم أنفسنا على الفشل، وأن لا نبقى عالقين في دائرة غير قادرين على تجاوزها وتخطي آثارها، ونضعف ثقتنا بأنفسنا إلى درجة التعرض للاكتئاب، والعزلة، وعدم تقدير الذات.
مشاركة :