أكد الخبير الاقتصادي المصري وليد جاب الله أن السياسة النقدية الأمريكية تسبب مشكلات كبيرة للدول النامية والعالم أجمع، مبينا أن رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة عمق جراح الاقتصاد العالمي. ورفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة 11 مرة متتالية منذ مارس 2022 حتى وصلت إلى نطاق يتراوح بين 5.25% و5.50% حاليا، لتسجل بذلك أعلى مستوياتها منذ نحو 22 عاما. ورغم أن كل هذه الزيادات كان الهدف منها هو كبح التضخم، لا يزال معدل التضخم في الولايات المتحدة، والذي استقر في شهر سبتمبر الماضي عند 3.7% على أساس سنوي، أعلى بكثير من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. وأوضح رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن البنك المركزي الأمريكي مستعد "لزيادة أسعار الفائدة إذا لزم الأمر"، وأنه سيواصل سياسته النقدية المتشددة إلى أن يتحرك التضخم نحو الهدف المحدد. وقال جاب الله، وهو عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، في مقابلة خاصة جرت مع وكالة أنباء ((شينخوا))، إن "استمرار الولايات المتحدة في رفع أسعار الفائدة يسبب مشكلات كبيرة ليس فقط للدول النامية ولكن للعالم أجمع". وأضاف الخبير المصري أن مثل هذه السياسة النقدية يمكنها بالفعل أن تحتوي التضخم الناتج عن زيادة المعروض النقدي لكنها لا تستطيع امتصاص التضخم الناتج عن ارتفاع تكلفة عناصر الإنتاج، مبينا أن توجه الفيدرالي الأمريكي نحو رفع الفائدة نجح بصورة جزئية في خفض التضخم، إلا أنه لن ينجح بصورة مطلقة لأن ما تبقى من تضخم مرتفع في الولايات المتحدة ناتج عن ارتفاع أسعار النفط والغاز وغيرها من عناصر الإنتاج. وتابع أن "تركيز واشنطن على السياسة النقدية وحدها لاحتواء التضخم دون اتخاذ ما يلزم من أجل خفض تكلفة عناصر الإنتاج هو أمر غير صحيح، حيث لن تجدي محاولات السياسية النقدية الأمريكية لامتصاص التضخم في ظل ارتفاع تكلفة الإنتاج". وشدد جاب الله على أن "السياسة النقدية الأمريكية في هذه المرحلة تسبب الكثير من المشكلات لدول العالم، حيث أدى رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة إلى انسحاب الأموال الساخنة (الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومية) من الاقتصادات الناشئة لتتجه صوب أمريكا للاستفادة من نسبة الفائدة المرتفعة". وذكر أن "نسبة الفائدة المرتفعة لا تتيح حصول المستثمرين في الولايات المتحدة والأسواق الأخرى على تمويل معتدل التكلفة يساعدهم على الاستثمار، مما جعلهم يترددون في توسع أنشطتهم الاستثمارية، وهذا يؤثر على حجم المعروض في الأسواق العالمية ويخلق صعوبة كبيرة ويرفع معدلات التضخم في دول العالم ويعمق جراح الاقتصاد العالمي". ورأى الخبير الاقتصادي أن "الولايات المتحدة تقبل من خلال سياستها الاقتصادية بأن تفقد إحدى ساقيها مقابل أن يفقد الآخرون الساقين معا، وواشنطن بسياستها الاقتصادية تريد إنهاك الآخرين حتى تستمر هي في القيادة حتى لو كان ذلك يتضمن تحملها صعوبات مقابل تحمل الآخرين أضرار أكبر". وتابع أن مصر على سبيل المثال تضررت من رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، وتسبب ذلك في خروج حجم كبير من الاستثمارات في الدين الحكومي من مصر. واستطرد قائلا "لقد كان لخروج هذه الأموال تأثير صعب على الاقتصاد المصري، الذي امتص مع الوقت هذه الصدمة". ودعا جاب الله الدول النامية إلى إنشاء نظم إنذار مبكر للحد من نمو بعض القطاعات في الاقتصاد المالي بصورة تتجاوز حجم الاقتصاد الحقيقي مما يسبب أزمة، مضيفا أنه يجب أن يكون هناك دور للسياسات الاقتصادية المحلية في التنبؤ بالأزمات النقدية ومعالجتها قبل الحدوث.
مشاركة :