معلومات متناقضة تنفي ذاتها .. بيان العمل الإسلامي نموذجا

  • 10/25/2023
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تستوقفك الكثير من المفارقات التي تصل حدّ المغالطات عند قراءة البيان الذي صدر عن “لجنة الحريات العامة وحقوق الانسان في حزب جبهة العمل الإسلامي" بشأن المسيرات التي يشهدها الشارع الأردني تضامنا مع غزة هاشم والحرب المدمرة التي تشنها عليها قوات الاحتلال الإسرائيلي، يوم الأحد الثاني والعشرين من تشرين الأول الحالي، لحجم الاتهامات التي ازدحم بها التقرير يقابلها معلومات إيجابية ومشاركة واسعة من قبل فئات المجتمع واطيافه كافة، ما يجعلها اتهامات غير محقة وتنافي الحقائق جملة وتفصيلات!!.. تفاصيل كثيرة تناولها البيان، يفاجئك جزء كبير منها عندما يتضمن معلومات بمشاركة الحزب بمئات الآلاف من المعتصمين ومن ثم يتحدث عن استهداف لعدد من المشاركين، ويكمن عنصر المفاجئة ومجافاة الحقيقة هنا ويفرض سؤالا برسم الإجابة كيف لهذه الأعداد المشاركة والسماح لها بذلك، في حين يحمل البيان اتهامات بوجود ملاحقات واستهداف للمتظاهرين ومنعهم من ممارسة حقهم في التعبير عن الرأي، ولو كان كلّ هذا يحدث فكيف يسمح لهذه الأعداد بالتظاهر إلا بطبيعة الحال إذا كان هؤلاء قد جنحوا إلى العنف والاعتداء على رجال الأمن العام والممتلكات العامة والخاصة، وخرجوا عن السلمية، وحتما هنا نقف أمام حالة مرفوضة حتى من حزب جبهة العمل الإسلامي أنفسهم الذين يأبون ويرفضون أن يطال الوطن أي أذى أو جنوح عن السلم وسلمية التعبير. حتى فيما يخص الصور والفيديوهات المنتشرة والتي تنقل صورة لتعرض المتظاهرين والمعتصمين لقوة غير مبررة وفق وصف البيان، لم تنقل أي صورة أو فيديو منها تعرض التظاهر السلمي والتعبير مهما على سقفه بالغضب الذي تنسجم به كل أجهزة الدولة رسمية وشعبية، ذلك أن هناك من بين المتظاهرين وهم بعشرات الآلاف من تم توقيف بضع عشرات كلهم من الشباب الذي أصروا ولساعات طويلة على رمي الحجارة والزجاجات الحارقة والألعاب النارية تجاه المواطنين، واتلاف ممتلكاتهم ما يصل حدّ الاعتداء على سيارات قاطني بعض المناطق وأسوار منازلهم. ورغم حالة الانسجام الكبيرة والاستثنائية في الشارع المحلي من جهات رسمية وشعبية، إلاّ أن البيان تحدث عن استدعاءات وملاحقات للمعتصمين لمناصرتهم غزة، وفي ذلك عودة للتأكيد على حالة الانسجام ليس هذا فحسب، إنما بذلك ما يناقض موقف الدولة التي تسيّر الحملات الإغاثية لأهل غزة، والأردن كان من أوائل الدول التي أرسلت مساعدات، وبقيت الشاحنات لأكثر من أسبوع في رفح بانتظار دخولها للأراضي الفلسطينية، ولم تتوقف هذه المساعدات المستمرة والتي لن تتوقف، وهناك شاحنات أردنية تحمل مواد إغاثة وتقف بكل ما أوتيت من قوة سياسياً لدعمهم ولوقف الحرب على القطاع، كما أن البيان نفسه أعلن مشاركة مئات الآلاف من الأردنيين بالفعاليات، ما يجعلنا نتساءل كيف يستوي القولان (التضييق، ومشاركة مئات الآلاف)!! وهل تستطيع الدولة ملاحقة مئات الآلاف من المعتصمين؟. وفرض البيان جانبا هاما بضرورة تعريف التجاوزات التي يعنيها، أيّا كانت فردية او جماعية، فالتجاوزات هي ذاتها بالقانون، كونه استنكر أي تجاوزات فيما اعتبرها فردية أو من قلة محل إدانة، وبذلك تقف العين في هذا الموضع، حيث لم يُتبع البيان هذه الإدانة بالإجراء الذي يجب أن يتبع التجاوزات، فالإدانة لا تحقق العدالة وهو يقرّ بوجود التجاوزات ولا تحقق تطبيق القانون، أليست الآلية بتطبيق القانون وبملاحقة المتجاوزين؟ فالدولة الأردنية مختلفة بهذا الجانب عن أي دولة في العالم، كونها تحمل على عاتقها حماية المسيرات والمشاركين بها وبعزل هذه الفئة القليلة وفق البيان لتجنيب التظاهرات المندسين والمعتدين والإبقاء على الحراك سلمي، فلم يقم الأمن بتوقيف أي فرد لم يرتكب تجاوزاً، وإذا كان لدى الحزب وصفة لوقف هذه التجاوزات فالجميع سيكون ممتنا له، وحتما سيغلق باب ما أسماه بالملاحقات. ويوجّه البيان اتهاما للحكومة بتعميمها لهذه التجاوزات، التي وصفها بالفردية وأقرّ بها "البيان"، وهذا يجعلنا جميعا نتساءل هنا هل من دليل واحد سواء أكان تصريحاً أم تلميحاً يؤشر على حديث رسمي يتهم جموع الأردنيين، للأسف هذا الادعاء لا يليق أن يصدر عن حزب سياسي يجب أن يتمتع بأعلى درجات المصداقية حينما يخاطب الجمهور العام. وما يمكن حسمه بهذا الجانب أن رجال الأمن نشامى الأردن الذين يواصلون الليل بالنهار ومنهم من لم يعد لمنزله منذ قرابة الشهر سعيا لحماية المواطنين والمتظاهرين تعرضوا للأذى والإساءة، والاعتداء، الذي على ما يبدو غفل عنه البيان، عندما تحدث بأن كرامة الأردنيين بكافة مواقع عملهم كرامة واحدة لا تفريق فيها بين أردني وآخر، ولا تهاون في التعامل مع المعتدي عليها بغض النظر عن صفته ومكانته، ولا ندري هنا إذ قصد بذلك في عدم التهاون بحق المعتصم الذي يلجأ إلى العنف والاعتداء؟ أم يقصدون رجال الأمن؟!.. أغفل البيان حقائق كثيرة عاشها الأردنيون خلال الأيام الماضية ومنذ بدء الحرب المدمرة على الأهل غزة، ومن أبرزها أن الحكومة لم تقيد فعالية ولم تمنعها ولم تحصر مواقع إقامة الفعاليات بأماكن محددة، بل أنها حصرت المواقع غير المسموح بإقامة الفعاليات بها، فكل ما طُلب من الجميع الابتعاد عن مناطق محدودة عُدّدت بالاسم، وأما باقي الساحات والمواقع فهي مفتوحة للتظاهر والاحتجاج. ويبدو واضحا اعتماد البيان على مبدأ التهويل لبعض الإجراءات المتخذة بحق فئة قليلة من المتظاهرين المتجاوزة على القانون، وهذا على خلاف تام لما شهده الشارع الأردني وشارك به عشرات الآلاف من فعاليات وصلت إلى أكثر من 600 فعالية، ظهر فيها رجال الأمن بانضباطية عالية، وما الصور المتداولة إلا شاهدة على ذلك، وشارك بالفعاليات الآلاف من المواطنين، تجمعوا في الساحات والشوارع وحملوا اللافتات ورددوا الهتافات واستمروا لساعات متأخرة في ليالي متواصلة، وطوال هذا الوقت وفّر لهم رجال الأمن العام الحماية وخدمات الإسعاف (من قبل طواقم الدفاع المدني). وكل من شارك بهذه الوقفات والمظاهرات وحتى وسائل الإعلام الداخلية والخارجية رأى الجميع أنه في الوقت الذي كان فيه رجال الأمن العام يوزعون الماء على المتظاهرين ويشاركونهم أداء الصلاة وهم يحملون على صدورهم علمي الاردن وفلسطين ويتحدثون مع المواطنين بكل احترام، وكانت الاغلبية منهم تمارس حقها في التعبير بطريقة سلمية، وجه البعض خطابه لرجال الأمن العام بطريقة مسيئة جداً ونعتوهم بأوصاف لا تليق بهم وهم الذين قدموا التضحيات والشهداء على تراب الأردن وفلسطين، ورغم هذا تم استيعابهم والصبر على اساءاتهم تقديراً للموقف. لست مع عرض إنجازات نشامى الأمن العام، فدورهم أكبر من اللغة العربية بكل ما فيها من بلاغة، وما يقومون به بحجم إنسانية هذه الدنيا، لكن واجب علينا جميعا ناقلين الحقائق ومن نعيشها أن نؤكد أن الأمن العام أظهر ضبطاً كبيراً للنفس ازاء الكثير من المضايقات التي وصلت لحد الاعتداء والشتم، ولم يتم توقيف أي شخص إلا من مناطق شهدت بالفعل شغباً واضحاً وبعد محاولات كبيرة لثني مثيري الشغب عن تجاوزاتهم، علما بأن جميع من تم توقيفهم حاولوا الاعتداء على ممتلكات عامة أو خاصة، وقاموا بإضرام حرائق ورمي الزجاجات الحارقة، ومنهم من اعتدى على آليات الأمن العام بقصد الإضرار بها وإيذاء رجال الامن العام، وهو أمر لا يرتضيه أي أردني، وعدم اتخاذ إجراء قانوني بحقهم قد يقود إلى انفلات لا تحمد عقباه ولا يليق بصورة وسمعة بالأردن. وهنا أيضا يجب التأكيد على أن مديرية الأمن العام عاملت جميع الموقوفين بطريقة قانونية سليمة وتم تحويلهم إلى المرجعيات القضائية والإدارية المختصة، فيما أخلي سبيل عدد من اشتبه بهم ممن كانوا بمحيط أعمال شغب، فتم تركهم وشأنهم ولم يحولوا للقضاء بعد ثبوت عدم قيامهم بأفعال تقتضي توقيفهم، فكان يجدر بالجهة التي تصدر بياناً تدافع به عن الموقوفين أن ترفع صوتها ولو بكلمة لإدانة أعمال التخريب أو أقلها لتوجيه النصح والتوعية وتوجيه المشاركين بالوقفات لضرورة احترام الممتلكات والمقدرات والحفاظ على أمن الأردن الذي نفتديه بأرواحنا، فلا يستقيم الحال بأن نطالب بالحرية لفلسطين، وننسى الأردن ولا نطلب حفظ أمنه وأمانه ولو بكلمة، فالأردن القوي هو السند القوي لفلسطين. وتناسى البيان ومن خطّ كل هذه الاتهامات أن مديرية الأمن العام والدولة الأردنية تحمي حق التعبير عن الرأي لكنها بذات الوقت تحمي حقوق المواطنين من أصحاب الممتلكات التي يتم الاعتداء عليها، أو ممن يملكون الحق في استخدام الطريق دون اعتراض أو إغلاق، والبعض عانى من عدم مقدرته للوصول للمستشفيات بسبب محاولة البعض إغلاق طرق وإثارة شغب، وقد عملت مديرية الأمن العام قبل أي تجمع على استباق الأحداث ببث رسائل إعلامية توعوية وتؤكد حق المواطنين في التجمع القانوني والتعبير عن الرأي، وهذه الفعاليات مستمرة في جميع أنحاء المملكة إلى اليوم، وخلال اليومين الماضيين لم يحدث أي توقيف نتيجة لالتزام المشاركين في هذه الوقفات. يبدو واضحا أن البيان خطّته يد تبحث عن شعبوية وافتعال واقع ليس موجودا، وبدا ذلك بالاقرار بوجود تجاوزات عن القانون، وأدانه لذلك، لكن الإدانة لا تكفي لحماية الوطن والمواطنين، ونشامى الأمن العام الذين تعرضوا لأشكال مرفوضة من الاعتداءات والاساءات، مرفوضة من كل أردني باحث عن أمن وطنه، وبقائه قويا ففي قوة الأردن قوة لفلسطين وبقاء الحياة في قضيتها التي لم يغمض الأردن عينه عنها يوما، بل دفع الكثير نتيجة لمواقفه الداعمة لفلسطين وغزة هاشم، لسنا في محل أن نتحدث عن مواقف الأردن تجاه القضية المركزية فلسطين وغزة، فمن لا يراها لم يقرأ التاريخ والحاضر، بل لا يعرف ما هو التاريخ والحاضر بقراءة حقيقية وعملية ومنطقية. "الدستور"

مشاركة :