الملل خطيئة أم فضيلة؟

  • 10/28/2023
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ما‭ ‬أجمل‭ ‬أن‭ ‬تختلي‭ ‬بنفسك‭ ‬بعد‭ ‬عناء‭ ‬يوم‭ ‬طويل،‭ ‬ولعلك‭ ‬تحدق‭ ‬في‭ ‬المروحة‭ ‬أو‭ ‬سقف‭ ‬الغرفة‭ ‬حين‭ ‬تمدد‭ ‬قدميك‭ ‬المتعبتين‭ ‬باحثًا‭ ‬عن‭ ‬حلم‭ ‬يقظة‭ ‬ينتشلك‭ ‬من‭ ‬واقعك‭ ‬المرير،‭ ‬والتعب‭ ‬الذي‭ ‬أرهق‭ ‬قلبك‭ ‬قبل‭ ‬جسدك‭.‬ شئت‭ ‬أم‭ ‬أبيت‭ ‬سينتابك‭ ‬يومًا‭ ‬ما‭ ‬ذلك‭ ‬الشعورُ‭ ‬المريع‭ ‬بالملل‭ ‬والسأم،‭ ‬ستلجأ‭ ‬إلى‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الحمل‭ ‬الثقيل‭ ‬الذي‭ ‬جثم‭ ‬على‭ ‬صدرك‭ ‬كصقر‭ ‬ينقض‭ ‬على‭ ‬فريسته؛‭ ‬ليسلبها‭ ‬آخر‭ ‬رمق‭ ‬من‭ ‬الحياة‭.‬ لقد‭ ‬فقدَت‭ ‬الحياة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬معانيها‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬‮«‬البحث‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬للحياة‮»‬‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬أسمَى‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬سعى‭ ‬الإنسان‭ ‬وراء‭ ‬تحقيقها‭ ‬منذ‭ ‬فجر‭ ‬الخليقة،‭ ‬فتحول‭ ‬الإنسان‭ ‬المعاصر‭ ‬إلى‭ ‬آلة‭ ‬تسير‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬مظلم‭ ‬معبّد‭ ‬بالروتين،‭ ‬وأضحَت‭ ‬الرتابة‭ ‬تخنقنا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أوكسيد‭ ‬الكربون‭.‬ أجل،‭ ‬لم‭ ‬يفقد‭ ‬الملل‭ ‬مكانته‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬البشر،‭ ‬ولكن‭ ‬الفلاسفة‭ ‬اختلفوا‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬وتحليله‭.‬ قال‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الدنماركي‭ ‬سورين‭ ‬كيركاغارد‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الملل‭ ‬جذر‭ ‬وأصل‭ ‬كل‭ ‬الشرور‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬برز‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬أسيدياacedia‭ ‬‮»‬‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬وفي‭ ‬العصور‭ ‬الأولى‭ ‬للديانة‭ ‬المسيحية‭ ‬كتعبير‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬الخواء‭ ‬والفتور‭ ‬الروحيّ‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬صاحبه‭ ‬إلى‭ ‬التكاسل‭ ‬عن‭ ‬أداء‭ ‬الصلوات‭ ‬والتنسك‭ ‬وكأنّ‭ ‬‮«‬شيطانًا‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تلبّس‭ ‬بجسده‭ ‬وسلب‭ ‬عقله‭.‬ لا‭ ‬أجد‭ ‬أن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الملل‭ ‬كخطيئة‭ ‬لا‭ ‬تغتفر‭ ‬أو‭ ‬ذنب‭ ‬من‭ ‬الذنوب‭ ‬الكاردينالية‭ ‬المميتة‭ ‬السَبع‭ ‬أمر‭ ‬صائب،‭ ‬فعقلكَ‭ ‬بحاجةٍ‭ ‬ماسّة‭ ‬إلى‭ ‬أخذ‭ ‬جرعات‭ ‬تقوّض‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬الدوبامين؛‭ ‬ليهدأ‭ ‬تارة‭ ‬وينهض‭ ‬من‭ ‬سباته‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭. ‬التنوع‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬الأنشطة‭ ‬الحياتية‭ ‬يدفع‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬والإبداع،‭ ‬فلا‭ ‬يضمر‭ ‬عقله‭ ‬أبدًا‭.‬ خلقنا‭ ‬كبشر‭ ‬وفي‭ ‬أعماقنا‭ ‬جانب‭ ‬روحيّ‭ ‬يميزنا‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬الكائنات،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخطايا‭ ‬والرذائل‭ ‬قد‭ ‬ارتكبت‭ ‬بسبب‭ ‬حماقة‭ ‬أصحابها‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬‮«‬كسر‭ ‬الروتين‮»‬‭ ‬وخوفًا‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬الملل‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬باستطاعتنا‭ ‬توظيف‭ ‬هذه‭ ‬المشاعر‭ ‬بشكل‭ ‬إيجابي‭ ‬نحو‭ ‬إذكاء‭ ‬مَلَكة‭ ‬الصَبر‭ ‬والتجلّد،‭ ‬فالصبر‭ ‬أمام‭ ‬كومة‭ ‬الفراغ‭ ‬هذه‭ ‬مهارة‭ ‬مهمة‭ ‬إن‭ ‬غابت‭ ‬فستحدث‭ ‬الكارثة،‭ ‬وستسود‭ ‬الجريمة‭ ‬وإن‭ ‬حاول‭ ‬البعض‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬حدتها‭ ‬وطمس‭ ‬ملامحها‭ ‬تحت‭ ‬عناوين‭ ‬الجنون‭ ‬أو‭ ‬المجون،‭ ‬فهذا‭ ‬لا‭ ‬يغير‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬شناعة‭ ‬الجريمة‭ ‬شيئًا‭ ‬ولا‭ ‬يبرر‭ ‬لأصحابها‭ ‬ما‭ ‬اقترفوه‭. ‬حين‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬الإنسان‭ ‬شيئًا‭ ‬نافعًا‭ ‬يقدمه‭ ‬ويفعله‭ ‬للبشرية،‭ ‬فسيفعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭! ‬لإرضاء‭ ‬غروره‭ ‬الداخلي‭ ‬وخوائه‭ ‬المعرفي‭. ‬ كل‭ ‬تجربة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوجود‭ ‬مهمة‭ ‬وعميقة‭ ‬إن‭ ‬دفعتنا‭ ‬إلى‭ ‬التبصر‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الوجود،‭ ‬والتحليق‭ ‬بعيدًا‭ ‬خارج‭ ‬رحم‭ ‬الجماعات‭ ‬والقطيع‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬السلوان‭ ‬والسكون‭.‬

مشاركة :