من خلال تأكيده على تبني إرث مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك وأن ما تحقق كان نسجا على منواله، أعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إحياء مشروعه الخاص “قرن تركيا” في المئوية الثانية للجمهورية. ولعل تعليق صور تظهر أردوغان جنبا إلى جنب مع أتاتورك يروّج لذلك. إسطنبول - خيمت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحادة تجاه إسرائيل والغرب بسبب حرب غزة على الاحتفالات بمئوية تأسيس الجمهورية، إذ يسعى أردوغان لتقديم نفسه “بطل اليوم” على أنقاض إرث المؤسس مصطفى كمال أتاتورك. وقال الرئيس التركي، الأحد، إنه “بالإلهام الذي نستمده من تاريخنا العميق وقيمنا القديمة، نسعى جاهدين لتعزيز جمهوريتنا وإعدادها للقرن الجديد”. وأضاف “اليوم، نشهد حماسة وفخر إدراك الذكرى المئوية لتأسيس جمهوريتنا”. كما أعرب أردوغان عن امتنانه لجميع الأبطال المساهمين في تأسيس الجمهورية، وفي مقدمتهم الغازي مصطفى كمال أتاتورك، مترحّما على أرواحهم. وقال إن “جمهورية تركيا التي نحتفل اليوم بالذكرى المئوية لتأسيسها بحماس كبير، آخر دولة أسسناها فوق هذه الأراضي”. وبيّن أن الجمهورية ورثت الدول السابقة التي أسسها الشعب التركي في المنطقة من الدولة السلجوقية انتهاء بالدولة العثمانية. الاحتفالات تركز على رسالة مفادها أن أردوغان فعل في عشرين عاما أكثر مما فعله الآخرون خلال مئة عام وشدد أردوغان على أن أهم واجب له “العمل على استمرار الجمهورية، التي ولدت وحيدة بلا داعم، بحسب تعبير الغازي مصطفى كمال أتاتورك، إلى الأبد”. وأضاف “وانطلاقا من هذا المفهوم، قدنا بلادنا من نجاح إلى نجاح ومن نصر إلى نصر في الأعوام الـ22 الماضية”. وأكد عزم بلاده على إنشاء “قرن تركيا” في المئوية الثانية للجمهورية. و”قرن تركيا” رؤية أعلنها الرئيس أردوغان أواخر 2022، وتتضمن برامج وأهداف الجمهورية التركية في مئويتها الثانية التي دخلتها البلاد في 29 أكتوبر 2023. لكن منتقدي أردوغان يرون أنه يريد “تركيا جديدة”، أكثر محافظة وتديناً. وتقول مديرة معهد إسطنبول للأبحاث السياسية سيرين سيلفين كوركماز “منذ تأسيسه، سعى حزب العدالة والتنمية إلى بناء هوية وسرديات بديلة للجمهورية”. وتضيف أن “الاستقطاب في تركيا امتد حتى إلى الاحتفالات بالذكرى المئوية: فحزب العدالة والتنمية يتحدث عن ‘قرن تركيا’، وآخرون عن ‘القرن الثاني’ للجمهورية”. ويشير المحلل السياسي بارسين ينانج إلى أنه “بدلاً من تسليط الضوء على إنجازات الجمهورية، تركز احتفالات 29 أكتوبر على رسالة مفادها أن أردوغان فعل في عشرين عاما أكثر مما فعله الآخرون خلال مئة عام”. مع دخول الجمهورية التركية قرنها الثاني، يبقى السؤال: في أي اتجاه يحاول #أردوغان توجيه البلاد، وهل سينجح في ذلك في نهاية المطاف؟ وعشية الذكرى التاريخية، انضم أردوغان السبت إلى تجمع ضخم نظمه حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه “دعما لفلسطين” في مطار أتاتورك القديم في إسطنبول. وألقى خطابا ناريا أمام حشد بشري غفير قدره هو نفسه بمليون ونصف مليون شخص كانوا يلوّحون بأعلام تركية وفلسطينية، فندد بالغرب الذي اتهمه بأنه “المذنب الرئيسي في مجازر غزة” وبأنه يسعى لتوفير “جو جديد من الحملات الصليبية”. وقال “بكيتم على الأطفال في أوكرانيا، لمَ هذا الصمت إزاء الأطفال القتلى في غزة؟”، حاملا على إسرائيل بالقول “أنتم محتلون وغزاة”. وفي اليوم الثاني والعشرين من القصف الإسرائيلي المدمر على قطاع غزة ردا على هجوم غير مسبوق لحركة حماس على الأراضي الإسرائيلية في السابع من أكتوبر، قال أردوغان متوجها إلى الدولة العبرية “نعلن أمام العالم بأسره أنك مجرمة حرب”. ولفت بيرم بالجي الباحث في معهد العلوم السياسية في باريس إلى أن شدة النبرة تتعارض مع اكتفاء أردوغان بالدعوة إلى ضبط النفس في الأيام الأولى من الحرب، في وقت كانت تركيا عاودت للتو علاقاتها مع إسرائيل. ورأى بالجي أن “حياده بات مستحيلا بسبب الموقف التقليدي لأنقرة ولحزبه العدالة والتنمية المؤيد للقضية الفلسطينية”، مذكّرا بقرب الحزب الرئاسي من جماعة الإخوان المسلمين التي انبثقت عنها حركة حماس عند تأسيسها، وعلاقات تركيا التاريخية بالقدس التي ظلت على مدى أربعة قرون تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية. وكذلك اتهم أردوغان إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” بعد القصف على مستشفى الأهلي العربي في غزة الذي أوقع المئات من القتلى ونسبه على غرار حكومة حماس في القطاع إلى الدولة العبرية، فيما نفت إسرائيل مسؤوليتها مؤكدة أن الضربة ناتجة عن صاروخ أطلقته حركة الجهاد الإسلامي وحاد عن مساره. Thumbnail وتتسق تصريحات أردوغان الأكثر حدة وعداء بشأن غزة مع مساعيه لتصوير نفسه على أنه “بطل اليوم”، في وقت يتهمه منتقدوه بأنه سعى منذ بداية حكمه لتقويض إرث أتاتورك العلماني وهو ما ينفيه الأخير. ولا يزال البعض يعتقد ذلك، إلا أن محللين يرون أن المخاوف لا أساس لها من الصحة. وأمضى أردوغان في السلطة عقدين من الزمن، أي أطول من أتاتورك، لتدمير النظام العلماني في تركيا، ورغم أنها كانت خطته منذ البداية، إلا أنه قام فقط بتفكيك أجزاء من إرث أتاتورك، لكنه احتضنه وأعاد تعريفه أيضًا وربما كان إرث أتاتورك قد شمله واحتضنه أيضًا. ويشير المحللون إلى أن ذكرى أتاتورك هي القضية السياسية الأكثر قيمة والأكثر استغلالًا في تركيا، فالسياسيون من اليمين واليسار، بما في ذلك حزبا المعارضة الرئيسيان في تركيا بالإضافة إلى حلفاء أردوغان السياسيين، حزب الحركة القومية وحزب الوطن، يزعمون جميعًا أنهم يسيرون على خطى أتاتورك وهم كذلك، وكان أردوغان في سنواته الأولى في السلطة أكثر انتقادًا بشكل علني للزعيم التركي أتاتورك، وذهب ذات مرة إلى حد الإشارة إليه وإلى خليفته على أنهما “سكيران”. لكن في العقد الماضي، بعد خسارة دعم الليبراليين الأتراك والأكراد وحركة الخدمة، والانضمام بدلاً من ذلك إلى القوميين الذين كان الكثير منهم منخرطين في الجيش والشرطة، احتضن أردوغان أتاتورك كرمز لسلطته. ومع دخول الجمهورية التركية قرنها الثاني، يبقى السؤال: في أي اتجاه يحاول أردوغان توجيه البلاد، وهل سينجح في ذلك في نهاية المطاف؟ ويقول بيرك إيسن الأستاذ بجامعة سابانجي في إسطنبول “يدفع أردوغان باتجاه جمهورية ثانية أكثر تحفظا وأكثر إسلامية تنأى بنفسها عن الغرب”. وأضاف أنه يحاول “أن يترك بصمته على جميع المجالات السياسية المهمة، وعلى كافة المشروعات”. انشرWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :