الجزء الثاني: من ثورة إلى حرب على الإرهاب - المثنى حمزة حجي

  • 3/20/2016
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

كان بشار الأسد - تيمورلنك الثاني - قد ورث الحكم من والده حافظ الأسد الذي سيطر على الدولة بعد انقلاب عسكري عام 1970 ثم أحكم سيطرته على البلد عبر مزيج من الإرهاب و العنف المفرط وبواسطة الذراع الطائفية والحزبية الذي امتد إلى جميع مفاصل الدولة بفروعها المدنية والعسكرية ومفاصل الاقتصاد وورث بشار بالتالي حاكمية الطائفة العلوية التي استمر بالعمل بسياسة والده باختطافها وتسخيرها لاستمرار الحكم عبر عشيرته وعشائر أخرى، من ضمن الطائفة، شكلت مراكز القوى الحليفة وتعرض المعارضون له من نفس الطائفة إلى تصفيات وسجون لا تقل عما تعرض له الخصوم الآخرون بالتالي لا يمكن توجيه الاتهام لكافة أبناء الطائفة كذلك ان بعضهم أعضاء في المعارضة الوطنية السورية ضد نظام بشار الأسد. يناقش بعضهم انه ربما لم تكن لبشار الأسد القدرة على تجنب ما قام به لأن القرارات اليومية الخاصة بالدولة والطائفة يمكن أن تتخذها عائلة الأسد، أما القرارات التي لها علاقة بمصير الطائفة التي تمثل مصلحة بقاء عشيرته في السلطة فإن قرار بهذا الحجم تساهم فيه عموم الطائفة عبر مراكز القوى الممثلة بشيوخ العشائر ومتنفذيها وكبار ضباطها العسكريين والأمنيين وتجارها ومراكز القوى في الدولة الذين قرروا خوض الحرب دفاعاً عما يعتقدونه حق الأقلية في السلطة، والطائفة ربما لم تكن لتسمح لبشار باتخاد قرار يهدد وجودها أو سلطتها المطلقة مثل الانتقال إلى حالة ديموقراطية وتأسيس أحزاب سياسية معارضة وحرية إعلام تُظهر فساد وجرائم النظام ضد الشعب عبر تاريخ حكمه بحيث تنتهي بسقوط نظام الأقلية عبر انتخابات بل ربما سيتعرض هو شخصياً للتصفية أو انقلاب على يد أحد الجنرالات لو اتخذ قرار الانصياع لمطالب الثورة وتطبيق الديموقراطية التي طالب بها الشعب، لكن الذي يدحض هذا الادعاء أن بشار الأسد اعترف بنفسه في مقابلة صحفية انه هو من اتخذ قرار الاستخدام الواسع للسلاح ضد المدنيين وأبدى ندمه على بداية المذبحة، لكن عليه إقناع نصف الشعب السوري الذي مات أو تشرد ومجمل الشعب بأسباب تدمير حلم الوطن الذي ضاع لمئات السنين القادمة. لجأ بشار وقبله نوري المالكي في العراق إلى فتح باب السجون لخروج إرهابيين معروفين من سجون النظام السوري والعراقي وتركهم يصولون ويجولون ويستقدمون متطوعين من الخارج لتشكيل جماعات إرهابية تعمل لتحقيق هدفه الرئيسي بالادعاء أن النظام يحارب جماعات إرهابية وليس ثورة شعبية لجأت للسلاح بسبب العنف المسلح الذي استخدمه النظام. خلال فترة الحرب يلاحظ أن كلا من النظام السوري والجماعات الإرهابية مثل داعش نادراً ما تقاتلا إلا بشكل عرضي وأغلب التدمير الذي يقوم بها النظام هو ضد مناطق الجماعات الثورية المعتدلة التي يمكن أن تكون بديلاً سياسياً للنظام حتى لا يبقى على الساحة إلا نظام بشار الأسد والجماعات الإرهابية لإجبار العالم على الاعتماد على النظام كبديل وحيد وابتزاز الدول الغربية ودول المنطقة، أما بالنسبة لداعش فقد ركزت عملياتها وتوسعها الجغرافي على مناطق الجيش الحر والجماعات الثورية المعتدلة التي رفضت مبايعة خليفة داعش وذلك وفق مبدأ ان (المسلم المرتد أولى بالقتال من الكافر الأصلي) وهو مبدأ مرعب أدى لتركيز الجماعات الإرهابية لجهدها الحربي على الجماعات الثورية الوطنية باعتبارها جماعات مرتدة بدلا من التكاتف معها لإسقاط النظام مما أدى إلى تشتيت جهد الثورة وإضعافها وفقدانها لأراض واسعة كانت قد حررتها من الجيش النظامي. لا يمكن تخيل نجاح أي حل يؤدي إلى خروج بشار الأسد فقط إلا بتغيير النظام بالكامل لكون المشكلة هي منظومة الحكم واستبدال بشار بشخصية أخرى من نفس الفئة السكانية سيحاول استخدام بعض الشعارات الوطنية التي لن تقنع أحداً ثم يعود للقتل والتهميش لأغلبية الشعب خاصة أن الشعب دفع ثمناً مروعاً لحريته وأشك أن يقبل باستبدال الوجه فقط. من ناحية أخرى تبدو الخطة البديلة لبشار الأسد في حالة فشله في استعادة السيطرة على الدولة، حتى لو في شكل خرائب، هي تقسيم سوريا والاستيلاء على المدن الرئيسية والساحل الذي تتركز فيه الطائفة والغني بالغاز أو ما أسماه بسوريا المفيدة وترك المناطق الداخلية لباقي الشعب. الذي يطالب ببقاء بشار الأسد على الأمد الطويل يعيش في وهم لا يمكن تحقيقه إلا بالتغلب على عدد من العوائق التي لا يمكن التغلب عليها ومنها: 1) الجانب المعنوي والاجتماعي: كيف يمكن إعادة بناء السلم الاجتماعي بين الأغلبية الكبرى من الشعب صاحبة الحق السيادي والتاريخي الأعظم في البلاد وبين الأقليات المتورطة في هذه المجازر؟ 2) الجانب العسكري:كيف يمكن إقناع عشرات آلاف الثوار ممن ذُبح أقاربهم ودمرت بيوتهم وقراهم بإلقاء السلاح أو قبول بقاء بشار الأسد الذي تسبب لهم ولبلدهم في كارثة سيتذكرونها لمئات السنين القادمة؟ 3) جانب التقبل الإقليمي والدولي: كيف يمكن إقناع الدول المحيطة بسوريا بإبقاء التهديد الأمني إذا ما ظل بشار في السلطة مرتبطاً بأنبوب الأكسجين الدائم من إيران وروسيا وتحول إلى بؤرة تخريب وانتقام؟ والأخطر كيف يمكن إقناع القوة الإقليمية العظمى في المنطقة وهي السعودية ببقاء بشار الأسد وهو الركن الأهم في إستراتيجية إيران لتنفيذ الهلال الصفوي الذي يهدف في النهاية إلى تهديد استقرار كبرى الدول العربية؟ كيف يمكن تخيل إعادة علاقات نظام بشار مع العرب والعالم الذي لا يمكنه التعامل مع شخص بمستوى من الجريمة تساوي الجرائم المروعة لتيمورلنك وپول پوت؟ كما أن خوف دول الغرب من داعش يجب ألا يفسر لصالح فكرة أن الغرب يمكنه التعامل مع بشار الأسد مرة أخرى بشكل طبيعي خاصة أن الغرب يعلم أن وجود بشار هو استمرار لاستقطاب ونمو الإرهاب في المنطقة. 4) الجانب الاقتصادي وإعادة البناء: من سيدفع تكاليف إعادة بناء سوريا التي تصل إلى 200 بليون دولار المتوقع تكون دول الخليج من ضمن المساهمين فيها إذا ظل النظام الذي يهدد الجميع؟ المشكلة أن القرار الدولي الأخير رقم 2254 وضع إطارا عاما للحل يقوم على وقف إطلاق النار ثم مفاوضات وتشكيل حكومة ثم إقامة انتخابات خلال فترة وجيزة الا أن هناك كما كبيرا من الأسئلة التي تم تأجيل الإجابة عنها. منطقياً العمر الافتراضي لبشار الأسد انتهى لكنه قرر في مراحله الأخيرة (الاستعانة بصديق) وجاء المُخرج الروسي فلاديمير بوتين لمنع انهيار سريع لنظامه واستيلاء قوى غير مرغوب فيها على السلطة ويفترض أن يتولى إخراج مسرحية خروج بشار بشكل مناسب وإعادة بناء نظام جديد يحظى بقبول إقليمي ودولي بشكل يناسب مصالح المنطقة وكذاك مصالح روسيا التي تقتضي الاحتفاظ بسوريا كقاعدة مصالح روسية مطلة على طريق الحرير القادم من مكامن وخطوط نقل غاز طبيعي في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط التي ستكون منطقة تقاطع لصادرات الغاز من عدة دول في منطقة شرق البحر المتوسط وروسيا وبحر قزوين وستمثل رافداً أساسياً لاحتياجات القارة الأوروبية في المستقبل والسيطرة عليها خطوة مهمة على رقعة الشطرنج الكبرى. مقالات أخرى للكاتب الجزء الأول: التاريخ يكرر نفسه إعادة تصويب العلاقة مع لبنان تركيا ورحلة العودة إلى الجذور

مشاركة :