الاستثمار في قطاع النفط والغاز آخذ في الارتفاع، مدعوما بتوقعات استمرار نمو الطلب، تحقيق أرباح قياسية، عمليات الاستحواذ الضخمة، الانضباط الصارم لرأس المال، إعادة شراء الأسهم، وزيادة توزيعات الأرباح. مع ذلك، النقص المزمن في الاستثمار العالمي في الإمدادات الجديدة يهدد أمن الطاقة في المستقبل. يبدو أن المستثمرين متمسكون الآن باستثماراتهم في مجال النفط والغاز على الرغم من تحذيرات البنوك من أن دورة الانتعاش الأخيرة في الصناعة قد تقترب من نهايتها، مع احتمال أن تبدأ العوائد بالانخفاض. لكن، ربما البنوك لم تستوعب بعد حقيقة أن النفط والغاز عادا بقوة مرة أخرى. في هذا الجانب، أظهر تحليل حديث أجرته صحيفة "فاينانشيال تايمز"، أن شركات النفط والغاز الصغيرة في الولايات المتحدة تمكنت من استعادة ثقة المستثمرين في أسواق الأسهم والسندات. وبدأت تلك الأسواق تستجيب بحماس لفرصة تمويل الشركات النفطية التي تم انتقادها سابقا باعتبارها المعوق أمام تحول الطاقة. في العام الماضي، شركات النفط الكبرى أزعجت حكوماتها من خلال تحقيق أرباح قياسية على خلفية ارتفاع أسعار النفط والغاز. وكان السبب في ذلك هو تجاوز الطلب للعرض على الهيدروكربونات والتوترات الجيوسياسية. بالفعل، حققت "إكسون موبيل" العام الماضي أرباحا صافية بلغت 56 مليار دولار. وفي هذا العام، تدرس صفقة للاستحواذ على شركة الموارد الطبيعية الرائدة مقابل 60 مليار دولار. وبعد أسبوعين، قالت شركة شيفرون، التي أعلنت زيادة في أرباحها بمقدار الضعف العام الماضي، إنها ستستحوذ على نظيرتها "هيس" مقابل 53 مليار دولار. من التالي؟ في هذا الجانب، قال الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، إن عمليتي الاستحواذ اللتين نفذتهما شركتا النفط الأمريكيتان العملاقتان "إكسون موبيل" و"شيفرون" على منافستين أصغر بقيمة وصلت إلى مليارات الدولارات تظهر أن الهيدروكربونات "موجودة لتبقى". وذكر خلال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار السنوي في الرياض "إكسون وشيفرون لم تشتريا لأنهما تريدان الاحتفاظ بأصول عالقة". وأضاف "نحن نستثمر ليس لإنشاء أصول عالقة". موضحا أن السعودية لم تكن لتستثمر في رفع طاقتها الإنتاجية لو كانت تعتقد أنه لن يكون هناك طلب على الإنتاج الإضافي. بالفعل، قالت منظمة أوبك، في أحدث توقعاتها، إن الطلب على النفط سيستمر في النمو حتى 2045 على الأقل. تجدر الإشارة هنا إلى أن المملكة تستثمر بكثافة في زيادة طاقتها الإنتاجية من النفط بمقدار مليون برميل يوميا إلى 13 مليون برميل يوميا بحلول 2027. إضافة إلى ذلك، أسهم التركيز بصورة كبيرة على انضباط رأس المال، إعادة شراء الأسهم، وزيادة توزيعات الأرباح في عودة الاستثمار إلى قطاع النفط والغاز. وبفضل هذا التركيز، يبدو أن المستثمرين قد اطمأنوا إلى أن أيام الإنفاق المفرط قد انتهت إلى الأبد. ويشمل هذا الاتجاه أيضا شركات الخدمات النفطية، التي شكلت الأعوام الأخيرة لها تحديا خاصا في الحصول على التمويل. بالفعل، تحافظ الشركات على تركيزها على عوائد المساهمين، وتتخذ القرارات الصحيحة من خلال توزيع أرباح الأسهم وإعادة شراء الأسهم. وهذا هو سبب عودة المستثمرين إلى هذا القطاع. ويبدو أن هذا الاتجاه يشير أيضا إلى أن الاستثمار البيئي والاجتماعي والحوكمة ليست موجودة في كل مكان. وتم تعزيز هذا الاقتراح هذا العام من خلال التدفقات القياسية الخارجة من صناديق الاستثمار التي تركز على هذا التوجه. حيث، شهد الربع الثالث وحده تدفقات خارجة بقيمة 1.4 مليار دولار وسط ضعف أداء الشركات والتحديات الخارجية. إذن، ما يحدث في عالم الاستثمار هو أنه في الوقت الذي يتخلى المستثمرون عن منافسي النفط والغاز، يعود كثيرون إلى هذا القطاع للتمتع بأرباح مستقرة وسخية، حيث قد تصل أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل. وشركات النفط والغاز تتعامل بذكاء بشأن هذا الأمر. لكن، حتى مع الاتجاهات الإيجابية في الولايات المتحدة، إلا أن وضع الاستثمار النفطي العالمي لا يزال هشا. وحذرت "أوبك" مرارا وتكرارا من استمرار نقص الاستثمار في إنتاج النفط والغاز الجديد. لكن، الضغوط السياسية في الغرب، حيث تتمركز أكبر شركات النفط العالمية، لا تزال تعصف بالمرحلة الانتقالية المناسبة. والضغط على الصناعة يتصاعد. وجاء التحذير الأخير من الرئيسة التنفيذية لمجلس الطاقة، التي قالت إن الاستثمار على وشك أن يصبح نقطة ضعف مميتة في صناعة النفط والغاز، ما يؤدي إلى نقص مزمن في الاستثمار. وحذرت من أنه على الرغم من أن هذا الاتجاه من المرجح أن يتفاقم، إلا أن زيادة التمويل من الشرق الأوسط وآسيا، الحلول الإبداعية، وربط المشاريع بأهداف تحول الطاقة، كلها توفر مسارات لتحقيق النجاح. وقالت "أوبك" أخيرا في تقريرها السنوي عن آفاق النفط العالمية 2023، إن الصناعة العالمية تحتاج إلى استثمارات بقيمة 14 تريليون دولار بحلول 2045 لتأمين إمدادات كافية من الهيدروكربونات السائلة للعالم. وقالت المنظمة إن ذلك يرجع إلى أن الطلب على النفط سيستمر في الارتفاع في الأعوام والعقود المقبلة، ليصل إلى 116 مليون برميل يوميا بحلول ذلك العام. إن إعادة الاستثمار إلى قطاع النفط الأمريكي يمكن أن تقطع شوطا طويلا لضمان إمدادات كافية في المستقبل، حيث تعد البلاد بالفعل أكبر منتج للنفط ومصدرا متناميا. مع ذلك، الولايات المتحدة وحدها لن تكون كافية. يجب أن يعود الاستثمار إلى مشاريع في أجزاء أخرى من العالم. في الواقع، إنها تعود، فقط اللاعبون هم المختلفون. في إفريقيا، تتدخل البنوك الصينية والمحلية لتحل محل البنوك الغربية، خاصة الأوروبية، التي تتجنب تطوير النفط والغاز في القارة. كما أن شركات النفط الكبرى موجودة هناك، كما هي الحال في الشرق الأوسط، ولديها الأموال اللازمة لإنفاقها على المشاريع الجديدة بغض النظر عن الأجندة السياسية. بالفعل، استثمارات النفط والغاز تعود. ربما يكون هذا هو الاختبار الواقعي الأكثر وضوحا للتحول الذي شهد معاناة شركات طاقة الرياح والطاقة الشمسية وصانعي السيارات الكهربائية هذا العام لتحقيق الربح على الرغم من ارتفاع الطلب على منتجاتهم بسبب السياسات الحكومية. فقط لأن الأسواق ذكّرت تلك الصناعات بأنه لا يوجد شيء اسمه أسعار ثابتة للمواد الخام.
مشاركة :