الشارقة (الاتحاد) في حفل التكريم الذي نظم له، مساء أمس الأول، في إطار الدورة السادسة والعشرين لأيام الشارقة المسرحية، وأداره الفنان عبد الله صالح بقصر الثقافة، قدم الفنان الإماراتي عمر غباش شهادة حول تجربته، تطرق خلالها إلى مراحل تكوينه الأولى، وعلاقته بالعائلة وبمحيط مدرسته وبالمكتبة وما إلى ذلك، وفيما يلي مقتطفات منها: لن أتحدث اليوم عن تجربتي في المسرح لأنكم تعرفونها، بل سأتحدث عن حكايات أخرى، لا يعرف عنها أحد إلا الله وأنا وبعض أهلي وأصدقائي. حكايات نسجت طفولتي ومخيلتي. نشأت في منطقة الراس (أو فريج الراس) الذي حمل الإرهاصات الأولى لشغفي بالتراث والثقافة والفن. ولأني عشت في تلك المنطقة التي كانت تضم معظم العوائل والأسر العربية المعروفة في دبي، فقد كنت محظوظاً بأن التقيت بشخصيات ذات أهمية كبيرة في تكوين دبي الحديثة. ولأن والدي عبيد صقر بن غباش رحمه الله، كان من الرعيل الأول الذي درس في مدرسة الأحمدية، وكان يدعو الشعراء والمثقفين إلى مجلسه في أحيانٍ كثيرة كما كان يأخذني معه في زيارات لأعيان البلاد، فقد التقيت بشخصيات مثل المرحوم الشيخ عمرعبيد الماجد والمرحوم الشيخ عبد الجبار عبيد الماجد والمرحوم الدكتور الشاعر أحمد أمين والمرحوم، حمد بن ماجد الفطيم، والسيد ماجد الفطيم، والسيد عبدالله الفطيم والسيد عبدالله الغرير، والمرحوم عمي حميد بن صقر بن غباش (الذي كان يجيد «الهذر» أو تقليد الشخصيات وبشكلٍ ساخر) وكثيرون تغيب عني أسماؤهم الآن إلا أنهم شكلوا لي ذاكرة من الشخوص الوطنية المخلصة لتراب هذه الأرض. وكان لمجالستي لوالدي رحمه الله أثر كبير في تكوين شخصيتي وارتباطي بالثقافة والكتابة، كما كان لمكتبته القديمة وأشعاره نقشاً في القلب لا يمكن مسحه. كذلك كان للمكان والمجتمع الذي عشت فيه في الذاكرة ما لا يمكن نسيانه، فالسكيك شكل لدي أبعاد السينوغرافيا المكانية حينما كبرت وتعلقت بفن المسرح. كما أن أصوات الآذان وتلاوة القرآن الكريم شكلت لدي مخزوناً من المفردات، إلى جانب مخزون الفنون الشعبية مثل: العيالة والمالد والليوا والتي كنت أتابعها بشغف في الأعراس والمناسبات الوطنية. وفي سياقٍ متصل كان للخراريف (أو الحكايات الشعبية الأسطورية) التي كانت تقصها عليَّ جدتي قبل النوم أثرٌ في إثراء خيالي وتعلقي بالأبطال الشعبيين. والحكاية تمتد، حيث كان لدراجتي الهوائية (السيكل) دور في تعرفي على المناطق القريبة من منزلنا وعلى الناس. فقد كانت بمثابة الحصان الذي أمتطيه بشكلٍ شبه يومي لأتعرف على معالم خور دبي القريب، والعبرة، وسوق الظلام أو المناظر كما كان يطلق عليه أحياناً، وسوق الدويات (أو العطارين) وسوق الذهب وسوق السمك. كل هذه الأسواق شكلت جزءاً من ذاكرتي؛ فلا زلت أذكر الشخصيات التي كانت تعيش في تلك الفترة، وكيف يتحدثون وماذا يقولون في الأسواق: زعفرانه بائعة السمك وصديقة العائلة بل كانت جزءاً من أسرتنا، ووالدتها غريبة التي ربتني، وزوجها بوحلوم وكل أسرتهم، سالم بائع الحلوى العمانية، المؤذن مسعود، الإمام محمد بن سالم بوغنيم، جمعه العور صاحب الدكان الذي كان يبيع علينا النامليت، محمد بن كمادي الذي كان فاكهة الفريج بنكاته ومقالب الناس معه، جمعة العضب الشخصية الغامضة والذي كان يشتهر بتربيته للحمام، جارتنا شما التي كانت تصطحبني إليها جدتي والتي كتبت عنها مسرحية شما. وشخصيات عديدة لا يتسع المجال لذكرها هنا. وكما أن للشخوص نقش في ذاكرتي فلرائحة المطر عندما كان ينزل بغزارة ويملأ السكيك ببرك الماء رائحة عطرة لا تنسى. ولسوق الدويات أو العطارين، ولخربشات المارين في السكيك ورسوماتهم بالفحم والطباشير على جدران البيوت، ومدرسة الأحمدية نقش لا يزال في الذاكرة. كما أننا كنا نقضي وقت الصيف أو المقيض في منطقة البراحة حيث كانت كثير من الأسر تبني بيوتاً من العريش أو سعف النخيل لقضاء الصيف الحار بعيداً عن سخونة المدينة. أما ليالي رمضان فكانت ساحة ساحرة للألعاب الشعبية. وعندما أنشئت مدرسة الأحمدية الحديثة، كنت من الأجيال الأولى التي انضمت للدراسة النظامية فيها، وكنت محظوظاً بمعايشة جيل من المدرسين العرب الذين استقدموا ليشرفوا على بناء جيلٍ متعلم... ثم كان لتأسيس الاتحاد أثره العميق في روحي ونفسي، ومشاهد الاحتفال به ما تزال خضلة في الذاكرة.
مشاركة :