الجزائر تحاور الأديبة الفلسطينية حنان عوّاد

  • 11/3/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

حوار الشهر في الجزائر، أجرت مجلة عربية حرة، مجلة المرأة في العالم العربي، حوارا شاملا ضمن بابها (حوار الشهر)، مع الأديبة الفلسطينية د. حنان عواد، تحت عنوان (وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر) قالت فيه: “لي الشرف المعتق بروح الحب والاكبار لمجلة الحرة وللجزائر الحبيبة، ان تشرق كلماتي على صفحات هذه المجلة الرائدة المميزة.” الحوار أجرته سهام.ف— وتعيد نشره (آسيا) إن لأهميته، خاصة في ظل ما يعانيه الشعب الفلسطيني هذه الأيام. حدثينا عن نفسك، من هي حنان عواد؟ الحديث عن ماهية النفس، واستحضار عمق الذات، برسوم متقدة الوضوح في حروف سفر التكوين، بظلال وقود التجربة، وعلاماتها ودلالاتها بوحدات زمنية متفاوتة، مهمة غير سهلة لأنها تطوف في أعماق الروح، وتسافر في لحظات عشق التسامي في باكورة حضور وجودي على أرض ولدت بها وحملت رسالتها وطفت بها في أركان الكون بأناقة تجربة الفكر المحكم المعتق بها، وبصيرورة حضورها ونضالها الذي لم يتنه. أنا تلك الطفلة التي تفتح وعيها في ظل عائلة مناضلة واسعة الثقافة، واستقت من والديها معيار نبل الحياة، وقيمة الكرامة ورسالة النضال المعنون بالكلمة. فتح لي والدي المرحوم المهندس ورجل الأعمال وسيد الثقافة، أبواب المعرفة على مصراعيها ومنحني الحرية الاستثنائية في الاختيار، وأغدق علي لأدرس في كبرى الجامعات، وشجع كلماتي على صفحات الجرائد والدوريات، الى أن تشكل حضوري أمام الجماهير الفلسطينية، ثم امتد الى العالم. أنهيت حضوري المعرفي في الجامعات، وتابعت فلسفة المعرفة في الحياة وفي السياسة وفي النضال، بالتحاقي بالثورة الفلسطينية العملاقة وامتداد النضال في مطلق القيم العليا، ورسم الكلمات نصوصا ترتقي بالثورة الفلسطينية وتمثلها في كبرى المحافل وتحقيق البعد الأممي وإطلاق القرار السياسي المعزز بفلسطين لتكون اصداراتي الاثنا عشر منها، واليها في رحلة الكلمة العاشقة في رحلة وطن وهوية. هكذا أنا، بوصف النقاد عاشقة الوطن وسفيرة الانتفاضة ورابعة الفلسطينية، وبوصف نفسي: أنا تلك الفلسطينية المتيمة بالعشق، واثقة الخطى بالنصر، صاحبة الكلمة والموقف الذي لا يكسر، وبقلبي فيض من الحب والانتماء لروح الانسان، وأحمل مطلق مبادئ الحرية والعدالة والأخوة وصدق الانتماء. أكملت دراستك في مدرسة القدس، ماذا تعني لك هذه المرحلة الدراسية في فصول حياتك؟ تعني اعجاز البدء في مدينة الاعجاز، من خيوط الروح في الاسراء، الى ابداعات السماء في صفاء التعبد في الأقصى، وصليل أجراس الكنائس وارتقاء لغة الانتماء لكل ذرة تراب. القدس مدينة جميلة عظيمة موشجه بالتاريخ في ملامح أنفها يتشكل كل شموخ الكون وكبريائه، ومن عينيها اشعاعات نور المستقبل، وعلى أسوارها يقف التاريخ بصلابة الجذور، ينطق للأجيال بمحكم الهوية وابداعات الفضاء في نصوص التوحد مع الله، بصوت الله أكبر من مآذنها، واصرار الانحياز للمكان في جمالية المقدس الأبدي في الستائر الحريرية في أبوابها، ومسك دم الشهيد في ترابها، وجموع المصلين الثائرين في رسالة الجهاد والكرامة، في لغة العهد والقسم. كانت طفولتي في مدينتي غير عادية، كنت شقية جدا، خجولة جدا كثيرة الابتسام والضحك الذي لا يتوقف، فصيحة اللسان حسب ما يقوله الكبار عني، شديدة الطموح، شديدة الصرف بشكل يفوق التصور. كان للحرف في عمري عظمة وللعلم تقديس، وللوطن بعد أسمى حلمت أن أصل اليه. وكلما أدرت المذياع، جاءت اذاعة صوت العرب من قلب الصمت بذاك الايقاع الحماسي المتفجر، ألله أكبر فوق كيد المعتدي وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر كلمات بركانية تشتعل في قلبي. ابتدأت علاقتي بالحرف تأخذ مجراها عبر مجلات ملونة آنذاك «مجلة سمير «، وقصص عاطفية، والسينما التي تعلقت بها كثيرا. بعد الروضة ولي فيها ذكريات طفولية جميلة، دخلت المدرسة الابتدائية في القدس، اسم المدرسة “خولة بنت الأزور”. في هذه المرحلة تفوقت جدا في الدراسة وفي النشاط الثقافي والمشاركة في النشاطات السياسية. كنت أحفظ جميع الأغاني الوطنية، وكانت المدرسات تعتمد علي في افتتاح المناسبات السياسية بترديد أغنية من الأغاني الوطنية، وأكثر نص رددته وكان يلاقي اعجابا كبيرا «وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر”. أذكر بأنني كنت ألقيها بحماس منقطع النظير، بروح العشق للجزائر مهد البطولة، ولا زلت أرددها حتى الآن. والاعدادية والثانوية كانت في المدرسة المأمونية والتوجيهي كان في الكلية الابراهيمية وكانت مختلطة. المدرسة عالم مبدع، تحمل فيه الفكرة وتتغنى بالثورة وتعشق الكتاب، وتبني علاقة احترام ومحبة مع المعلمات وكذلك مع زميلات الدراسة وكثير منهن ظل التواصل والصداقة بيننا حتى هذه اللحظات. س-والدك العزيز فتح لك عالم المعرفة بحضوره المرموق في عدد من الجامعات في الوطن العربي والغربي، حدثينا عن هذه التجربة العظيمة؟ الحقيقة انها تجربة خاصة، والحديث عنها كثير التفاصيل، يشدني الي، ويحملني على طائر التحليق في زمن، بل أزمان متعددة ترسم جمالياتها ريشة الفنان، وتنقش حروفها كلمات البلاغة المنتقاة من وعي اللحظات، وتواترها في رحلة التشوق للمعرفة، والتواصل الثقافي والانساني والمغامرات في معرفة البلاد التي توجهت اليها، مع اطلالات حميمية على الأشخاص الذين التقيتهم في كل المواقع. أحمل معي فلسطين، وهي تطل على عرش قلبي في كل المواقع بخيلاء، وتتوسد عمق الجذر، وتقف في التدرج التواصلي لقمة الهرم، انها تخترق دمي وتفجر طاقاتي، وتستنهض ذاكرتي بعتق الهوى ونرجسية الشموخ بها ولأجلها وهي المعشوق الأبدي الذي لا تنكسر صورته ولا تغيب، تولد معي في كل نبضة مضيئة في لحظات التأمل والصفاء، هي النص الجهوري الذي لا تتوارى كلماته، ولا تضيع حروفه ونقاطه وهي المعجزة الكامنة في داخلي والمعلقة على شجرة الخلود. منحني والدي طيب الله ثراه،هذه الروح من الانتماء والالتزام الواعي للمفاهيم الاجتماعية والسياسية،وحملني أمانة المسير والسباحة في بحور الطموح الذي تلمسه والدي بي وجهز لي مركبا فكريا خاصا،اقطع من خلاله البحور القريبة والبعيدة في سحر تكوين الأنا الأعلى،قافزة على الصعوبات،مدركة بوعيي الداخلي معنى أن تمنح فتاة حرية التحليق والتشوق في المكامن الكونية والتلاقي بالمدركات الفكرية وماهوية المعرفة الانسانية في شوق العبور الى المطلق من دائرة الممكن،ونظريات الفلسفة،وكتب معتقة التاريخ وكتب معاصرة الحضور،ترسم خطوط لبنات الذاكرة،وتتعمق في رسالة الحياة. كان للإسنادي الفكري من الأهل، وخاصة والدي، وهو علم من أعلام الفكر ورجل حكمة وفلسفة، وقارئ لا يسقط الكتاب من يده، أثر غير عادي، يرسم أناقة الروح في جمالية الحضور الموجه بالصعود، والمعنون بالكبرياء والمنقوش بخيوط الجمال الأخاذ الذي يضيء في ربوع الوطن، ويحلق في آفاق الاشراق الأعلى. آمن والدي بكبرياء المرأة وخصها بمفهوم الحب الذي لا ينتهي، ومنحها صيانة الحرية والمعرفة، والتدرج في خطى الحياة بثقة وفوق كل هذا كان الصديق والمعلم، ورجل العشق الأسمى بالمحبة. علامات حضوره في أعماقي وفي قلمي لا تتوارى وكلماته لا تفارقني، وفلسفته ورؤياه شكلت ضمير وجودي. وكذلك اخوتي الذكور ساروا بنهجه. أنهيت التوجيهية بنجاح مميز، وفي جلسة مع والدي سألني: «بماذا تفكرين، وفي أية جامعة ترغبين الدراسة”؟ تفكرت قليلا وقلت له:”يا والدي! لا أريد أن أكون فتاة عادية بمعطياتنا المعروفة”، فقال:”اذن ماذا تريدين؟”فأجبته:”اريد أن أتعلم في كبرى الجامعات وأغرق في المعرفة، وخاصة في جامعة “أكسفورد”، وكذلك أريد أن أسير في طريق النضال التي أوقدت روحي بها”، ابتسم وصمت قليلا ثم قال: «لك ما تريدين”. أسعدتني كلمات والدي، وفي تلك الأيام كانت في روحي أمواج لا تهدأ، وطموح أكبر مني. ابتدأت مسيرتي الدراسية بألق الروح، وأمواج الصعود وبراكين الارادة.كنت أدرس في جامعتين في آن واحد، حصلت عل شهادة البكالوريوس من جامعتين بدرجة امتياز، وكذلك الماجستيرأيضا، حصلت عليه من جامعتين بدرجة امتياز، وقد سجلت للدكتوراه في جامعة أكسفورد وفي نفس الوقت في جامعة ماكجيل في مونتريال. وتم نشر أطروحتي في جامعة ماكجيل، وكانت من الرسائل النادرة التي تم الموافقة على نشرها، قدرني أساتذتي واحتفوا بنجاحاتي. وغصت في التجربة النوعية، وعلى هامش الدراسة رأست اتحاد الكتاب العرب، وشاركت في العمل السياسي مع منظمة التحرير، وكنت صوت المنظمة هناك. وفي كل جامعة قصص وحكايات ومغامرات تضفي أبعادا اضافية على التجربة التعليمية. ففي جامعة ألأزهر كانت هنالك صورة ذهنية قبل أن ألتحق بها، ولما عشتها وسرت بين أروقتها، أطلت على بصورة أخرى، مدرسة فكرية كلاسيكية في إطار المعرفة الذهنية بحفظ المادة وحمايتها في العقل، والتعمق في القرآن الكريم والدراسات الفقهية وغير ذلك من المواد. تحضرني صورة أساتذتي الكبار من الشيوخ وغيرهم، وتتماوج في فضاءات روحي تلك الروح الظليلة لهم، حين يتعاملون معنا بوضاءة الانسان، وخفة الظل وعظمة الأخوة، فتنتفي الفكرة المسبقة، وترتقي الى مدارات الوعي المنمق للانسان والفكرة. وفي جامعة بيروت، تقفز في مخيلتي ملامح ساعات الامتحان، والقلق الذي يهز الجوانح ثم النتائج الابداعية في تحصيل المطلق من العلامات.أما في جامعة أكسفورد وماكجيل، فهي صروح غربية، تستند على الفكرة التحليلية، وتسير مع الفكرة الكلاسيكية في أسلوب الحفظ والاستيعاب، لتشكل معا تكاملا معرفيا هاما. وما بين كندا ولندن ومصر، هنالك فوارق منهجية في التعليم ونمط الحياة وأنا ما بين تعدد الثقافات، استقي من منابعها ماء النقاء الموصول بنقاء فلسطين. وفي كل تخرج وعودة من الجامعة، ينتظر المحتل لاعتقالي. عدت الى فلسطين، وتسلمت رئاسة الدائرة الثقافية في “كلية العلوم والتكنولوجيا، والتي أسست حديثا آنذاك والتي رئسها المفكر الفلسطيني الاستاذ “زهير الكرمي”، والتي أصبحت الان باسم “جامعة القدس”، وهي كبرى الجامعات الفلسطينية بتخصصاتها المتعددة. كما حاضرت في جامعة “بير زيت” أيضا وكانت بيرزيت في ذلك الوقت تمثل المد الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية. وكذلك تابعت الكتابة بعمود يومي في “جريدة الشعب” بعنوان «من دمي أكتب «، والذي حمل كتابي الأول هذا العنوان. وواجهنا رقابة المحتل وحذف المقالات السياسية، وكذلك كتبت في “مجلة فلسطين الثورة”الناطقة باسم منظمة التحرير وصحف عربية أخرى. كما انتخبت أيضا “أمين سر الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين في الارض المحتلة”. وقمنا بنشاط خاص مع كتابنا في فلسطين التاريخية، بعقد مهرجانات وندوات ملتزمة. وبعدها التحقت في صفوف الثورة الفلسطينية بشكل رسمي، وأوكل الي مهام سياسية وثقافية لا حصر لها. وحينما عاد قادة الثورة الى فلسطين، عينت مديرا عاما لمكتب الرئيس ياسر عرفات ومستشاره الثقافي.ويمكن أن تتخيل حجم المهام التي قمت بها. وفي الانتفاضة الأولى، قمنا بدور لا يستهان وكانت القدس عاصمتنا منها نتواصل مع قيادتنا، ونتلقى المعلومات من السيد الرئيس الشهيد ياسر عرفات. –حصلت على درجة الماجستير الثانية من جامعة ما كجيل والدكتوراه من جامعة اكسفورد، ما هي تجربتك بعد حصولك على الدكتوراه؟ . عندما كنت أتخرج من جامعة يلفني الشوق ثانية لأقول: «هل من مزيد”. ان انهاء مرحلة الدكتوراه، تشكل علامة فارقة في حياة الانسان، وهي أيضا استعداد لمرحلة كبرى أكبر وأعمق، كلما ازدادت المعرفة وامتدت الثقافة، أشعر بأنني في بداية الطريق، فالدكتوراه مرحلة الحسم الوسطي في المسيرة التعليمية، لأنها تصبح طريقا لتعميق الرؤيا وتكثيف القراءات والكتابة في موضوعات جادة في أسلوبها العلمي.وهي طريق العبور الى المؤسسات والجامعات، لنقل المعرفة وتعميق الصلة ما بين المعرفة، وما بين تطبيق المعرفة بالمستوى الذي يليق. بعد الدكتوراه، سجلت في الجامعات في مواضيع متعددة تستوفي رحلة التعمق واثراء الوعي واستلهام الحضور النوعي في مؤسسات العطاء. كنت أشعر أن كل هذا لا بكفي بل يجب الاستمرار. وهكذا استمر السير في الدراسة وكتابة الأبحاث. قدمت عددا من الأبحاث الهامة، وتم نشرها في عدد من الدوريات العربية والعالمية، اضافة لأعمالي الابداعية المتلاحقة.وكنت ضيف الشرف في العديد من المؤتمرات الثقافية والسياسية الهامة، عمقت علاقاتي مع المفكرين في العالم. السيدة حنان لقد عدت الى فلسطين بعد اتمام الدراسة، ما هي التحديات التي واجهتك في ظل الاحتلال الاسرائيلي؟ أن تكون فلسطينيا تحت الاحتلال، يعني أن تجعل قلمك رسالة الحرية، لتظل كلماتك سيفا حادا ضد الظلم وبسلاح العلم تأخذك الأشياء الى آفاق فلسفية ورؤيا تمنحك التعمق في الحالة الفلسطينية، وترتقي المسؤوليات الفردية والجمعية الدفاعية بالكلمة الملتزمة وبكل أشكال النضال. وكلما زاد العطاء، كلما صعد الاحتلال ارهابه أكثر. فقد تم اعتقالي حين تخرجت من جامعة الأزهر كانوا بانتظاري عند عودتي التفت حولي القوات الاحتلالية على جسر الاردن، وقادوني الى السجن، وأخذوا بالتحقيق اليومي لإرغامي على الاعتراف بأنني أنتمي لمنظمة التحرير الفلسطينية، والانتماء لحركة فتح ومنظمة التحرير، يعني قضاء عدة سنوات في المعتقل، ولكنني صمدت أمام التحقيق والتعذيب، ولما أطلق سراحي منعت من السفر لمدة سنتين، وظل منع السفر يتكرر من مدة لأخرى في محاولة لقطع الصلة مع الخارج، خاصة حينما يكون هنالك مؤتمر هام تشارك به فلسطين. تابعت عمودي اليومي الذي ظل الرقيب الاحتلالي يقطع أوصاله، ابتدأ بسطر وانتهى بمصادرة تامة. أرسلت المقالات بطريقة التقية الى مجلة “فلسطين الثورة”، والتي كانت تصدر في قبرص، ثم جمعتها في كتاب بعنوان”من دمي أكتب”. وهذا العنوان يحمل دلالاته في رسم عمق التجربة الفلسطينية المطرزة بالدم. واستمر العطاء الفكري، الأدبي والسياسي وظل العمل بالأرض المحتلة هو الصورة الحقيقية والتنفيذية لمباديء النضال. ومن خلال مقالاتي السياسية، تشكلت روابط قوية مع أبناء شعبي الذين تابعوا مقالاتي باستمرار، وإذا ما شطب مقال بتساءلون.وكذلك أصبحت بالنسبة لهم المرجعية السياسية المميزة التي تنقل لهم أهم الأخبار والتطورات، خاصة في أوقات الصعب. مثلت فلسطين في المحافل الدولية، السياسية، الثقافية وكذلك حول نضال المرأة الفلسطينية. وفي عراقة الحضور المميز بين أبناء شعبي وتشجيعهم واحترامهم، خضت التجربة النضالية بجميع آفاقها، وظللت حتى هذه اللحظات، ولم يستطع الاحتلال بكل ارهابه أن يوقف كلماتي ومواقفي، بل سرت في الطريق النضالي دون خوف أو وجل، أحمل رسالة فلسطين الى العالم بقوة الارادة وعمق الانتماء. وحقيقة أن العمل الدولي لم يكن سهلا، خاصة وان الاحتلال يجد دائما من يقف معه بصلابة، خاصة الولايات المتحدة وحلفاؤها، أما فلسطين، رغم أنصارها من أحرار العالم، الا أن هذا الدعم لم يكن موازيا في ذاك الوقت، لذا في تمثيلي فلسطين في المحافل الدولية، اتبعت نظرية التركيز والتعمق وتجميع المناصرين، حتى لا نخسر القرار السياسي، وهي معركة مصير أيضا. وخلال عملي في الجامعات، أفرزت حيزا كبيرا للمجال الثقافي، ففي جامعة القدس نظمت برنامجا ثقافيا رفيع المستوى بحضور ممثلين عن القوى الوطنية جميعها، لاقى تجاوبا منقطع النظير، ولما أدركت سلطات الاحتلال قيمة هذا البرنامج، استدعيت للتحقيق، ووضع ضغط على رئيس الجامعة لتوقيف البرنامج. وقد انتخبت أمين سر الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين في الأرض المحتلة، ومن خلال الاتحاد قمت بنشاط ملحوظ في الثقافة والسياسية، وحلقت في العالم لاعلاء صوت الادباء الفلسطينيين في المحافل الدولية، هذا اضافة الى المطبوعات والاعمال الابداعية التي أصدرتها. وأدركت قيمة أن تكون فلسطين عضوا فاعلا في المؤسسات الدولية، وخاصة المنظمات التي لم يكن لنا حضور بها. فأسست فرع فلسطين لمنظمة المرأة العالمية للسلام والحرية وقمنا بنشاط دولي هام في ابراز صورة المرأة ومشاركتها الفاعلة في الإطار الدولي مرفقة ببيانات سياسية هامة للمصادقة عليها. وبرعاية القيادة الفلسطينية، استطعنا أن نحقق حضورا دوليا مميزا في الاعتراف بفلسطين أرضا وشعبا. كما أسست فرع فلسطين للرابطة الدولية للكتاب وهي كبرى المنظات التي تعنى بالكتاب ولم يكن اختراقنا لهذه المنظمات سهلا، بل أخذ جهدا كبيرا خاصة، وان دولة الاحتلال تستخدم وسائلها لعدم تنفيذ المشروع.ولكن بالتحدي والمثابرة نجحنا وأصبحت دولة فلسطين عضوا رسميا. ومن خلال هذه المنظمة، قمنا بنشاط كثيف على المستوى الدولي والمحلي، وعقدنا عدة مهرجانات ادبية بحضور كبار الكتاب، بما فيهم كتاب نوبل هذا اضافة لعدد من المؤسسات الوازنة الأخرى، واستقبلنا وفودا تضامنية مع فلسطين وخاصة في أيام الحصار. وكذلك انتخبت عضوا في المجلس الوطني، السلطة الأعلى في منظمة التحرير الفلسطينية، والاجتماعات تعقد بشكل دوري، اضافة الى الجلسات الطارئة، كما انتخبت عضوا في لجنة التنسيق الأعلى لحركة الشعر العالمية. س-السيدة حنان عواد نقطة تحول جذرية في حياتك كانت الثورة الفلسطينية والتحديات التي رافقتها، واكبت هذه المرحلة، ما هي رؤيتك لهذه المرحلة. ينقلني هذا السؤال الى عالم ارتقاء فكري ونضالي، والى صورة اعجاز الانسان في حمل رسالة وطنه والدفاع عنه، كما تطوف في ذاكرتي ملامح الخطى وارادة النهج الثوري الذي رسمه قادتنا العظام لشعبنا، وانبعاث الأمل في العودة والتحرير. رافقتني بذور الثورة منذ الطفولة، حينما عشت المد الثوري العروبي في فكر الزعيم جمال عبد الناصر، والمعايير النضالية التي رسمت حضورا خاصا لعالمنا العربي آنذاك، والتجمعات السياسية التي كانت تعقد في بيتنا، وكذلك صورة الثورة العملاقة للشعب الجزائري الذي كان، ولا زال، مدرسة فكرية ونضالية يحتذى بها.تابعت كل هذه المعايير، وشعرت بجمالية روحي وأنا استمع لكلمات مفدي زكريا، وأنا أقرأ أخبار المناضلين الجزائريين ضد الغزاة والمستعمرين، وأرقتني أنهار الدم الطهور الوضيء الذي روى ثرى الجزائر المقدس بأزاهير دم المناضلين وتعلقت بالجزائر رغم صغر سني آنذاك، فكرة وثورة وتعمقت الصلة النضالية، وعاشت في روحي وفي قلمي وفي عشقي الدائم لنص الحرية والكبرياء الوطني. ولذا، حينما انطلقت الثورة الفلسطينية كانت روحي تطوف بها في بناء اساس ينبع من التحامي بالرؤى الفكرية السياسية في المد القومي وفي ثورة الجزائر، التي أشرقت في روحي وامتدت الى ثورتنا الفلسطينية العملاقة، التي وحدت المعاني السامية للكفاح، وتجسدت في تعبويه المبادئ، وصرخات قلمي في بداياته. وكوني تحت احتلال، وصعوبة التحرك باتجاه الثائرين، صغت كلماتي ببلاغة الروح الثائرة لترسم ثورتنا وتضحياتنا وقادتنا العظام.وهو حديث يطول ويكتب بقلم الروح في وله عاشق، وفي قلب ينبض لفلسطين وثورتها المعجزة، والمسيرة النضالية، وتيجان الغار التي حملها ثائرونا. وأخذت كلماتي ومواقفي تكبر بها، ولها، وتتطور كلما كبرت وكبر قلمي وانتمائي لأكون عضوا فاعلا في قلب الثورة التي احتضنتني، وزينت ملامحي، وأكدت حضوري الابداعي والسياسي. وفي مسيرة النضال صفحات مشرقة لا يتسع المجال للخوض فيها باسهاب. وإذا كان هنالك من نص يرسمها، فانها أنشودة العطاء الملحمي في كسر المستحيل، لبناء نص الهوية والدفاع عنها. —السيدة حنان للأيقونتين التي نكن لهما كل احترام متمثلة في شخص الراحل أبو جهاد والرئيس الراحل ابو عمار، حدثينا عن تجربتك؟ في كتابي “فارس الليلك يناجي رابعة. من ملحمة الرحيل والعودة «، والذي صدر حديثا، أهديته الى القائد أبو جهاد، وجاء في الاهداء: “الى القائد الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) مدثرا بحنين الروح قامة ارتقاء الأنا البطولي في استراتيجية الكفاح، نصا أزليا معلقا على شجرة الخلود، أفقا منقوش الهوى على دعاء الأرض اليه، وهو يرسم طريق فارس الليلك في العودة اليها”. عرفت القائد الشهيد أبو جهاد عن بعد، من خلال مسيرته الكفاحية، ومن خلال متابعته لأعمالي الأدبية، وكان دائما يشجعني ويوصي رئيس تحرير مجلة”صوت البلاد”بأن يهتم بنشر مقالاتي وأشعاري، وكذلك أوصى الأخ الروائي المناضل يحيى يخلف، بأن يتبنى كتاباتي. وحينما دعيت الى السويد لتمثيل المرأة الفلسطينية هاتفني من خلال أخ هناك، حياني وشجعني وقدم لي دعوة للمشاركة في مهرجان “المربد «في العراق الشقيق، وكانت اول دعوة لكاتبة من الأرض المحتلة، حيث كان يمثل فلسطين الشاعر الكبير محمود درويش وعدد آخر من الكتاب من منظمة التحرير. أوصى “أبو جهاد”طيب الله ثراه أحد رجالاته في لندن لترتيب الزيارة.سافرت الى لندن والتقيت مندوب الأخ أبو جهاد واسمه “أبو خالد”، ورتب لي قبل المغادرة الى بغداد زيارات ثقافية واعلامية، زرت اتحاد الكتاب الفلسطينيين، فرع بريطانيا، والتقيت هناك الشاعر المعروف أمجد ناصر، ثم استضافني رؤساء تحرير القدس العربي، وجريدة الحياة اللندنية. وفي اليوم التالي اوصلني الى المطار، ولم أدر سوى أنني داخل الطائرة. مشاعر بهالات القمر-وانا احلق في فضاءات رحلة الكشف التواصلي للقاء بالقائد ابو جهاد، واترقب ساعة الوصول، وحينما بدأت الطائرة بالهبوط، ارتفعت دقات قلبي. كان في استقبالي الأخ عزام الأحمد سفيرنا هناك، وأوصلني الى فندق ميليا منصور وفي اليوم التالي استقبلني القائد أبو جهاد بحميمية الروح ودماثة الخلق. وكان في المساء لي قراءة شعرية في المهرجان، تابعها وتابع قصائد كل المشاركين. وأمر بترتيب برامج ثقافية وزيارة قادة فلسطين والرئيس صدام حسين. أبو جهاد شخصية وضيئة الحضور، بسيطة، يشعرك وأنت معه أنك تستطع تفكيك رموزها فمن الاطلالة الانسانية، تعبر الى آفاق ثورية حديدية، لتشعر أنك مسلح بأسلحة القوة العظمى التي لا يمكن اختراقها. وحينما يتحدث بلغة القائد وعنفوانه، يدور في عينيك تساؤل كبير، محملا بيقين الايمان بهذا الرجل. آخر كلمة وشحني بها بعد أن أكملت برامجي، وقبل عودتي الى الأرض المحتلة:”انني منذ هذه اللحظة أوليك ثقتي الكاملة”. فكيف نفقد ابا جهاد ونستعيد قوانا ثانية؟ وكيف نصيغ الأمان لسيد الموقف وباعث الانتفاضة ورسولها؟ وكيف نغفو عن حمايته ولا نحافظ عليه؟؟! وفي نهاية المهرجان جلسنا جلسة عمل هامة، اوكل لي من خلالها التوجه في جولة اعلامية الى الخليج العربي، وارسلني الى الأمم المتحدة في جنيف لألقاء كلمة فلسطين. وقدمت البرنامج المطلوب في جولة اعلامية هامة خلال الانتفاضة في لقاءات جماهيرية، ولقاءات على الفضائيات وفي الجرائد بحضور غير عادي. حينما غادرت العراق، قبل أن تقلع الطائرة جاء مرافق الأخ أو جهاد وأعطاني ظرفا يحتوي هدية منه، وكانت الهدية تحمل دلالات خاصة، وهي قدرة القائد استشفاف الروح، وأدراك جمالية ما يحب الآخر.وكانت أكثر هدية سعدت بها. يتوقف قلمي عند هذا القائد الفذ، المسؤول عن الأرض المحتلة، بحنانه وانسانيته، وقدراته القيادية والقتالية، وحرصه على الانسان الفلسطيني بشمولية الأداءات التي رسمها لنا في مقاومة المحتل.فكان عنده مقولة “الانسان أولا”، لانه مفجر الثورة وصانع الحياة والحضور الأزلي لشعب أبى أن ينحني. ودعته بحميمية الروح ونص الالتزام، وظل في الذاكرة رجل موقف وقائد تنحني له الجباه. وبعد اسبوعين، جاءني خبر رحيله عنا بغدر الصهاينة، فجعت كما فجع الشعب الفلسطيني، وتمزق قلبي، وشعرت أنني أفقد تلك الأيقونة المزهرة بنص خلود لا ينتهي، وبرسالة أحملها لن تغيب. وكان وداعا قاسيا جدا، توقفت الكلمات عنده بنبل التضحية واعجاز الموقف. وفارس فلسطين الأيقونة زعيم الأمة الرئيس الشهيد ياسر عرفات. وفاء لأيام بإشراقات نورانية أضاءت قلوبنا رسمت دربنا المعتق بالوفاء وسجلت الحضور التثويري في زمن رسمت حروفه في المرار. عبرت فلسطين في لحظات الصعب، وغادرتها اليها في اللحظات الأصعب، وسرت في الطريق الشائكة لارى الضوء في آخر النفق، كما أودع أمانته الينا فينا، وكان وظل أيقونة النضال وفارس الرحلة. حينما كنت أطالع التاريخ، كنت أتوقف دائما عند الفارس قائد المعركة، وظلت هذه الصورة في ذهني أبحث عنها في واقع فلسطين. كان فارس فلسطين في أعماقي صورة خارقة للفارس، كنت كما كان الشعب الفلسطيني، يشاهده من خلال الاعلام، وفي وقفته في الأمم المتحدة، وفي قيادته للمنظمة وفي معارك التحرير. جاءت مقالاتي لتكون تصويرا بروح الكلمة المبدعة لهذا البطل النوعي الذي أكد الهوية الفلسطينيية، وحمل القضية في مدارات العالم، وامتشق الكوفية رمز النضال الوطني. هذا هو ياسر عرفات «أبو عمار”. والذي جسدته في ابداعاتي، وفي توثب حروفي نحو المجد الذي يليق به.ودائما كنت أسائل نفسي:”أي كلمة يمكن أن توفيه حقه، واية صورة يمكن أن ترسمه في ساحات المجد؟! ولما التقيته عن قرب فاق حضوره الكلمات التي كتبتها له، واستعصت الصورة أن تجسد حلوله الروحي فينا، أبا، قائدا وانسانا في اكتمال الكمال في شخصية حضور لا تغيب. التقيته في الكويت، حين كان الافق الأرجواني يلوح قريبا، وكأنما ساعات انتظار اللحظة فارقت، وتجلت عظمة المساء وهو يسدل ستائره الحريرية لألقاه هناك.عرفني من كلماتي قبل أن يراني، وكان دائما يأمر بتوزيع ما أكتب على سفاراتنا وسفارات العالم. وحين التقيته في الكويت بعد خطابه بجمعية المهندسين، دعاني الى الاجتماع به في عمق الأبوة، وبلاغة الفكر وروح الثورة.رحب بي، ثم خاطبته بما يليق به من الكلمات، وبلاغة تكوين ساعة اللقاء.ناقشنا الأوضاع في الأرض المحتلة في ظل الانتفاضة، بعد الاجتماع، كلفني بمهام عديدة وتصدرت بمهامي المعلنة والسرية درب الشموخ، وابتدأت العمل معه في لقاء الوفود الاعلامية والسياسية، وأحاطني بالرعاية المطلقة وظل حتى أخر يوم بحياته. شجعني كثيرا، وتنسم بي كفاءة شمولية بالتزام خارق، منحني الثقة الكاملة، وأمر رجالاته برعايتي. وفي اليوم التالي سافرت معه الى العراق للمشاركة في مهرحان المربد، وحين وصلت بغداد افتقدت القائد أبو جهاد الذي أضاء أركان بغداد. بدأت كثافة العمل الثوري، وسافرت معه الى الأمم المتحدة في جنيف لأطلاق مبادرة حل الدولتين ثم سافرت معه الى رومانيا لمقابلة الرئيس تشاوشيسكو آنذاك، وبعدها الى تونس حيث موقع الثورة. وأمر بترتيب برامج ثقافية وزيارة القادة الفلسطينيين هناك، وكانت تونس بدءا للتحرك. اوفدني الى اليمن والى الجزائر والى اماكن كثيرة في العالم لتمثيل فلسطين وتمثيله، وخاصة أيام الحصار. أسست تحت رعايته عددا من المؤسسات الهامة التي تحدثت عنها سابقا، وفي لقائي به أول مرة، وجهت اليه السؤال: «متى سنستقبلك في فلسطين”؟ فأجاب:”قريبا ان شاء الله”، توقفت عند هذه الكلمات لأسائل نفسي:”هل هو زمن ألهي أم بشري”؟ وبعد سنوات قليلية عاد الى أرض الوطن.وكنت قد صورت في كتابي”الفارس يزف الى الوطن”، رحلة العبور الى فلسطين، وكأنني في كلماتي، صورت حقائق ما جرى حينما استقبلناه في غزة وفي ربوع فلسطين. عملت معه طيلة فترة حضوره بيننا مديرا عاما لمكتبه ومستشاره الثقافي… ثم أوكل الي مهاما دولية لتمثيل فلسطين واللقاء بالرؤساء، وخاصة أيام الحصار.وقد أصدرت كتابي”في البدء أنت فلسطين.يوميات الحصار «، والذي جسدت به صورة الأيام الصعبة التي حوصر بها السيد الرئيس والشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال. وفي تلك الأيام أيضا، عقدت العديد من المهرجانات الدولية في ظل رعايته، وعقدت مهرجانات تضامن في أقطار عديدة من العالم بحضور المبدعين العالميين، بما فيهم كتاب نوبل، وحلقت في العالم العربي وجميع انحاء العالم، حتى في استراليا، ولم أكن أدري بأنني اودعه. كان الرئيس عرفات داعما للمرأة الفلسطينية، وكان يجمعنا بين الحين والاخر لاطلاعنا على تطور القضية، وعين كثيرا من النساء في المناصب الهامة، وكان يستشيرها في الانتخابات، ويقف معها بقوة. وفي روحه الانسانية. ساند أم الشهيد وأم الأسير وكل ام فلسطينية تصل اليه. وظل واثق الخطوة يمشي فارسا، الى أن كان الحصار المر.الذي واجهه بارادة المقاتل.كانت ايام مريرة، وكنت الى جانبه أرقب المؤامرات الاحتلالية والدولية، الى أن تدهورت صحته، وفي مساء اليوم الذ كان سيغادر به الى المستشفى، جلست معه وأقسمت له بأنني طالما أنا أحيا سأتابع رسالته.وها أنا أتابعها بقسم المناضل. كان وداعا صعبا معجونا بالدم. ينتشر وهج الروح في كلمات من الوحي الالهي في روح الابداع لفكرة لا تموت «فلسطين، الوطن والانسان”. والسؤال: «ماذا يعني أن تحيا في زمن الموت وأبواب مفتوحة للرحيل ماذا يعني أن تكون فلسطينيا أو أن تصير فلسطينيا أو أن تصر بأن تبقى فلسطينيا ولحمك ممزق الأشلاء مرفوعا على المقصلة، أتكون طائرا ماردا أم سيدا مفقودا فاقدا؟؟! والسؤال:”أين كنا حينما سرى السم في الجسد القدسي؟ ونام على جرح ودم”؟؟! وقد كتبت في رثائه مطولة بعنوان «النص الجهوري.ايقاع الفراق”. وقد وردت تفاصيل أكثر، نشرت في كتابي “ذاكرة الترف النرجسي”. ودعت الرئيس وودعت المرحلة بلحظ واقعها ونبضها وتجليات شخوصها وداعا يا فارس فلسطين وداعا! السيدة حنان عواد لقد مثلت رجل الثورة الفلسطينية ياسر عرفات في العديد من المحافل الدولية والاقليمية، ما هي الرسالة التي توجهيها له في حال كان حاضرا معنا اليوم؟ . لقد كان لي شرف تمثيل زعيم الأمة في المحافل الدولية، في الأمم المتحدة في المؤتمرات الهامة وفي لقاء عدد من رؤساء الدول والحكومات والشخصيات الاعتبارية، حاملة رسالته الى العالم بثقة ومسؤولية، وأبو عمار موجود بيننا ويعيش فينا فكرة أبدية، روحه تطوف علينا دائما تحملنا الأمانة وتكتب الوصية. فهو الذي يوجه الرسائل الينا بالصمود والتحدي والأمل، وهو الذي قال:”ترونها بعيدة وأراها قريبة”،”أرى ضوءا في آخر النفق”، سيحمل شبل علم فلسطين فوق مآذن وكنائس القدس”. هذه العبارات تحمل دلالات نضالية كبرى. وفي” النص الجهوري-ايقاع الفراق «، المرثية الملحمية المطولة التي رثيته فيها قلت:” من يعوضني فقدك من؟ من يعوض الشعب الفلسطيني ذاك الفقد وذاك الفراق؟ ومن يصب سوائل التخدير على جراح الآلام؟ ومن يسائل ومن يحقق ومن يدقق؟ لقد تكسرت كل أجنحتي. ثم أتابع”يا والدي يا فكرتي الوطنية وصوتي الأجل أراك مقبلا مدبرا كعجلات الأقدار الحادة تحملنا الأمانة وتكتب الوصية. أما رسالتي اليه، فهي ما قلته له قبل الرحيل:”يا والدي لا تقلق، أنى أعدك وأقسم بشرف الثورة وشرف الكلمة، بأنني طالما قلبي ينبض بالحياة سأنفذ رسالتك وسأسير على نهجك لآخر يوم في حياتي.” نعم يا والدي، لا زلت أسير في نص الثائر الذي علمنتيه، وأنا أنفذ وصاياك على الصعيد المحلي والعالمي وأحقق ما كنت تصبو اليه. وأخيرا التقيت رئيس فانزويلا مادورو، وذكرك بكل قيم الثورة، وأكد أنه يسير على نهجك. خالد فينا أبدا. الأديبة المناضلة حنان عواد عينت من طرف ابن الجزائر الشيخ خالد بن تونس سفيرة لليوم العالمي للعيش بسلام لعام 2023كيف تصورين هذا التعايش بين الشعوب؟ أبدا بتحية خاصة للجزائر وللشيخ الكبير العظيم الفكر والأداء خالد بن تونس. تشرفت بهذا التعيين وأسعدني جدا كونه ينطلق من الجزائر، كان له وقع خاص على قلبي، واستقبلت الرئاسة الفلسطينية الخبر بكل اكبار واحترام للشيخ خالد بن تونس وللجزائر الحرة. وفكرة التعايش بين الشعوب فكرة انسانية رائدة تستحق التقدير، ترد على الاحتلال وكل أشكال الاستعمار، وخاصة في هذا الزمن الذي ساد فيه الظلم. ويقدر الشيخ المفكر صاحب الفكرة الجامعة لروح الانسان، بعيدة عن نص الكراهية والحروب. لقد استلمت جوائز كثيرة، وكرمت على مستوى العالم، ولكن هذا التكريم له وقع خاص على روحي لأنه من رجل علامة من أرض الجزائر التي أعشقها، وأكبرها وتتلمذت على روحها النضالية. يربطني بالجزائر التاريخ النضالي، وقادتها العظام وشعبها الصلب. يربطني بالجزائر الكلمة الحرة التي ربطتني بكتاب الجزائر المبدعين الصديق الشاعر عزالدين مهيوبي والكاتب المرحوم الطاهر وطار والعديد من مبدعي الجزائر الذين تربطني بهم المواقف المميزة والكلمة الحرة. لقد زرت الجزائر أكثر من مرة، دعيت من قبل الدولة، وقدمت محاضرة سياسية في القصر الثقافي بحضور سفير فلسطين وجميع السفراء العرب. كما دعيت كضيف شرف من الاخ والصديق المرحوم عبد الرازق بارة. رئيس المرصد الوطني لحقوق الانسان أكثر من مرة والتقيت بالشخصيات السياسية والأدبية. هذا بالإضافة الى لقاءات ثقافية متعددة. وفي هذه اللحظات المجيدة من تاريخنا الوطني، ومن تاريخ الجزائر المشرف، اتمنى أن أستطيع اللقاء بفارس الجزائر الرئيس تبون لعظمة مواقفه وحضوره في قلب الشعب الفلسطيني، وفي روحي وفكري انه شخصية استثنائية الحضور عروبي الاتجاه عالمي التوجه في الحق. وكذلك أتشرف باللقاء بالشيخ خالد بن تونس لأتعلم منه. أتوجه بالشكر الخاص للجزائر رئاسة وشعبا وللشيخ خالد بن تونس. وشكري الخاص المخضب بالحب والتقدير للصديقة الاعلامية المبدعة سهام فاضلي، ابنة الجزائر في ألق روحها وتميز عطائها، ومواقفها المشرفة. انني أسجل اعتزازي بها. س-وطنك العزيز فلسطين، وهو بلد نعتز ونفتخر به، ما هي الرسالة التي توجهيها له من خلال مجلة المرأة؟ من خلال مجلتكم المميزة، أنا لا أوجه رسالة لفلسطين، بل فلسطين هي التي توجه الرسالة لي. ولشعبنا المناضل بالثبات، والصمود، وعدم الانحناء والدفاع عن الكبرياء الوطني، واستمرار النضال والقتال من أجل الحق، من أجل الحرية ودحر الاحتلال. من أجل كل ذرة تراب من ترابها من أجل أرواح الشهداء الذين ترجلوا فداء ومن أجل سجناء الحرية والضمير ومن أجل الام المناضلة والطفولة. وهنا تأتي رسالتي كما قال الزعيم الشهيد ياسر عرفات: العهد هو العهد والقسم هو القسم وأنها لثورة حنى النصر. لديك عدد من المناصب والأدوار المهمة اليوم والتي تديرينها، كيف تمكنت من اثبات حضورك في هذه المناصب؟ . الدور الحقيقي الذي أقوم به من خلال المناصب وبدونها هو الدفاع عن وطني فلسطين، وانتمائي لكل ذرة من ترابه. والمنصب هو وسيلة الشروع بنبض الروح، بتنفيذ افق او آفاق بحتمية الوصول اليها، لتنفيذ الأهداف الموضوعة في استراتيجية الدفاع عن الهوية. والمناصب وان تعددت، فأنها تصب في نهر خلود فلسطين في سجلات العالم الحر. تتداخل المهام وتتفرد أحيانا ويجمعها روح الاصرار والارادة الحرة وبلاغة التكوين. والسياسة غير مفصولة عن الكلمة في تاريخية النضال الفلسطيني. وانا اسير في مواكب حياتي، جعلت من الكلمة دستورا حرا، ومن السياسة موقفا ومنالفلسفة البنائية لمسيرة شعب طريقا، والطريق صعب وشائك، ولكن الفكرة خالدة كما قال الشاعر الكبير ضمير الامة محمود درويش:”ما أعظم الفكرة وما أصغر الدولة”. والفكرة خالدة خلود الروح.والابداع هبة الهية ووحي خاص في عمق الارادة والالهام، والايمان بقضية عادلة، والاصرار على خلق حدائق معلقة الفكر، ملونة الأداء، مرسومة على النص المعتق بالعشق الأبدي ما بين الانسان والوطن.وهذا العشق بأمواج الروح يضفي حركة غر عادية وطموحا أسمى في سمو الفكرة وطريقا تتداخل في مسيرة الوعي، وأداءات الفكر والهامات الواقع وأحداثه. فعندما يفيض قلمي بالفكرة، وتنتشر الصورة بارتقاء الذهن ويرتقي صوتي بالخطاب والمحاضرات وأنا اجلس على مقاعد الدراسة، وأنا ألقى المحاضرات أيضا، وفي نص الاجتماعات تلتحم القوى الأدائية في حركة الروح في القصيدة، وفي الاجتماع السياسي، وفي المظاهرات باشتعال الغضب وبالقرار السياسي ليأتي الموقف قويا، عصيا على الكسر. انني، وأنا أقوم بأية مهمة من مهماتي، أشعر أنني أحتضن الأحرار في العالم، وأتواصل معهم رغم بعد المسافات. خاطبهم في موقع وأكتب في موقع وأجيب على الحوارات الاعلامية في موقع آخر، وأقرأ قصائدي، والتقي بالسياسيين والمفكرين، وأحلق الى العالم حاملة معي كل المهمات. س-كيف تصفين المرأة الفلسطينية اليوم؟ أصفها بنص ما قاله محمود درويش: فلسطينية العينين والاسم فلسطينية الميلاد والموت فلسطينية كانت ولم تزل. فهي المقاتلة، المناضلة المفكرة وصانعة الحضور السياسي وهي سيدة الفعل في بناء الدولة كما كانت سيدة الفعل في الثورة. وهي الواقع والرمز الذي تحدث عنه الأدباء، وهي الشيء وكل الأشياء. والمرأة الفلسطينية ناضلت من أجل حصولها على أصوات أكثر في المؤسسات الفلسطينية المتعددة. والأعلى نسبة في التعليم وفي بناء الدولة. يتعلم الصبر منها، وتسمو التضحيات، هي آيات في كل اللغات لتحقيق النصر. وقد صدر لي أخير كتابا هاما حول المرأة بعنوان (المرأة رمز وقضية، صورة المرأة في الأدب الفلسطيني المقاوم). وهو يتحدث عن تاريخية نضال المرأة، وصورتها كما وردت في ابداعات المقاومة، في الشعر المقاوم، في أعمال غسان كنفاني وفي أعمال سميرة عزام. وقد أبدع كنفاني في رسم صورة المرأة بارتقاء، وصاغ شخوصه بنبض خاص، محمولة على الواقع والرمز. ما هي الرسالة التي توجهينها الى المرأة الجزائرية؟ المرأة الجزائرية هي رسالة بذاتها وهي من يوجه الرسالة، وقد أبدعت في رسالتها الفكرية والنضالية وصارت نموذجا يحتذى، وانطلق صوتها في الحرب والسلام، فاقت الأيام بفعلها الثوري وتضحياتها. ومن فلسطين التحية والاكبار لها وجاهزية الفعل بالتعاون وفي عناق الثورتين، فلسطين والجزائر تولد أسمى الخطى وأجمل الصفات واصرار حياة. -ما هي الرسالة التي توجهينها الى مجلة الحرة؟ ذاك الصوت، وتلك الصحيفة الحرة وملامح الثورة واليقين، ترسم آفاق الابداع النسائي في ثوب الحضور الفعلي في حركات التقدم والتغيير نحو بناء مجتمع حر. كل التحية لرئيس التحرير وطواقم المجلة من المحررين والمبدعين والمبدعات يمدرسة الابداع النوعي، الجزائري العربي والكوني. أجرت اللقاء— سهام.ف—

مشاركة :