أكد قائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو في إطلالته الأخيرة أنه لن يقبل بسلام كاذب يراد منه التحضير لجولة صراع جديدة، مشددا على أن يده ممدودة للحركات المسلحة وأن بإمكانها أن تلعب دورا في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرة قواته، وهي رسالة من شأنها أن تشكل حافزا إضافيا للحركات لإعادة النظر في تموقعها. الخرطوم - أطل قائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي مساء الخميس موجها جملة من الرسائل للوسيطين الأميركي والسعودي، وللجيش وكذلك للحركات المسلحة، مشددا على أن قواته لن تقبل بـ”سلام زائف”. وجاء خطاب الجنرال دقلو في خضم جولة تفاوضية جديدة بدأت الأسبوع الجاري بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في مدينة جدة برعاية أميركية – سعودية، بعد تعليق لنحو أربعة أشهر على إثر انسحاب الجيش من المفاوضات، ويأمل السودانيون في أن تؤدي الجولة الجديدة إلى وقف للحرب المندلعة منذ أكثر من ستة أشهر. دقلو دعا النازحين للعودة إلى مناطقهم، كما دعا المواطنين في مناطق سيطرة قواته لاختيار إدارات مدنية ويقول متابعون إن العبارات التي تضمنها خطاب قائد قوات الدعم السريع تعكس شعورا متزايدا بالقوة، على ضوء الانتصارات الميدانية المتتابعة التي حققتها قواته في أكثر من جبهة وسيطرتها على عدد من مقار الجيش في نيالى ودارفور والخرطوم خلال الأيام القليلة الماضية. وقال دقلو الذي ظهر في مقطع مصور وهو يخاطب دفعة جديدة من قوات الدعم السريع “إن كل الأنظار الآن موجهة إلى مفاوضات جدة. نحن مع السلام ولكن ليس سلام الكذب والاستهبال”. وأضاف أن الدعم السريع لن تقبل بسلام زائف يستعد عبره الجيش بشراء الطائرات والمسيرات وتدريب المستنفرين. وهاجم دقلو قائد الجيش عبدالفتاح البرهان قائلا إنه كان وراء جميع الانقلابات التي أحبطت خلال الفترة الانتقالية، وقال إنه مطية للإسلاميين ويأتمر بأمرهم. وأوضح أن الحركة الإسلامية خاصة زعيمها علي كرتي وأسامة عبدالله وصلاح قوش هم من يديرون البرهان، لافتا إلى أن استهداف الدعم السريع جاء بسبب مشاركتها في التغيير في 11 أبريل، تلاه الضغط لتوقيع لاتفاق سلام جوبا ثم الاتفاق الإطاري. واتهم حميدتي البرهان بتدبير النزاعات القبلية خلال الفترة الماضية في ولاية البحر الأحمر وأقاليم النيل الأزرق ودارفور وكردفان وذلك من أجل البقاء في السلطة. ويقف فلول النظام السابق من الإسلاميين خلف اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في الخامس عشر من أبريل، بهدف خلط الأوراق وقطع الطريق على تسليم السلطة إلى المدنيين. وكان الفلول يأملون في أن تحقق الحرب المستمرة والتي خلفت مآسي، أهدافهم في العودة إلى السلطة، لكن متابعين يرون أن مسار الصراع الدائر يصب في غير صالح الهدف المنشود، بل أن الصراع تحول إلى مصدر استنزاف كبير للجيش في ظل تمتع قوات الدعم السريع بأفضلية كبيرة على الميدان وحضور ثابت على الأرض، وهو ما ترجم في التقدم الكبير الذي أحرزته على مستوى أكثر من جبهة، وباتت اليوم على أعتاب السيطرة الكلية على إقليم دارفور الإستراتيجي. وتفرض قوات الدعم السريع حصارا على مدينة الفاشر عاصمة إقليم شمال دارفور، وذلك بعد أيام قليلة من السيطرة على مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور، وإلحاقها بمدينة زالنجي، عاصمة وسط دارفور، وسيطرتها على مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور. حرب طاحنة وحال سقوط مدينة الفاشر، فإن قوات الدعم السريع تكون بذلك قد أكملت السيطرة على الإقليم الإستراتيجي، وفتحت لنفسها طرق إمداد جديدة، وبالتالي زيادة فرصة وضع يدها على كامل ولايات السودان. ووفق الواقع الميداني الراهن، يقول المتابعون إن الدعم السريع أصبحت الطرف الأقوى في المعادلة القائمة وأن العديد من القوى ولاسيما الحركات المسلحة في دارفور ستجد نفسها مضطرة للتفاعل مع المتغيرات الحاصلة. وخص الجنرال دقلو الحركات المسلحة بحيز كبير في خطابه، وقال إن القوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة في دارفور عليها أن تعمل إلى جانب الجيش في المناطق التي يسيطر عليها الجيش إلى حين وصول قوات الدعم السريع إلى هذه المناطق والسيطرة عليها ومن ثم تعمل بجانب الدعم السريع في حفظ الأمن. وأوضح أن قوات حركات الكفاح المسلح احتفلت مع قوات الدعم السريع في نيالا رغم أن الجيش حاول الوقيعة بينهما في الفاشر. ودعا قائد قوات الدعم السريع إلى إشراك الحركات المسلحة في تأمين المناطق التي سيطرت عليها قواته. كما دعاها إلى عدم السماح لقوات الجيش باللجوء إليها عند هروبها من مواجهة الدعم السريع أسوة بما حدث في الفاشر يوم الأربعاء الماضي. وبرزت في الفترة الأخيرة مواقف لافتة لبعض الحركات المسلحة لاسيما في إقليم دارفور، على غرار حركة تحرير السودان التي أكد زعيمها وحاكم الإقليم مني أركو مناوي أنه على تواصل مع “الإخوة” في قوات الدعم السريع. وقبلها بأيام كانت حركة تحرير السودان جناح مناوي وحركة العدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم تبرأتا من بيان للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام وصف فيه قوات الدعم السريع بـ”الميليشيا المتمردة”. ويرى متابعون أن الرسائل التي وجهها دقلو إلى الحركات المسلحة من شأنها أن تسرع من وتيرة تلك الحركات في حسم موقفها باتجاه التعاون مع الدعم السريع، خصوصا وأن كفة الميزان على الميدان لصالح الأخيرة. إقرأ أيضا البرهان يعفي الهادي إدريس من عضوية مجلس السيادة وكان عدد من الحركات اصطف في بداية الحرب مع أحد طرفي النزاع، فيما اختار معظمها التزام موقف الحياد، لكن الصورة اليوم مختلفة، وأن رهان البعض على إمكانية نجاح الجيش في قلب المعادلة تلاشى تقريبا. ويقول المتابعون إن النقطة الأخرى هي أن قيادة الجيش أظهرت بالكاشف عجزها وارتهان قرارها لفلول النظام السابق، وفي حال أصرت الحركات المسلحة الموالية للجيش على موقفها فإنها قد تغامر بموجة انشقاقات في صفوف منتسبيها. وسخر دقلو في خطابه من وصف قواته بالأجانب القادمين من النيجر، وأكد في الوقت نفسه التواصل الاجتماعي بين السودانيين ودول الجوار. وأعرب عن استغرابه من استمرار أفراد الجيش من غير منسوبي الحركة الإسلامية في القتال الدائر. وأوصى حميدتي قواته بمحاربة المتفلتين وعدم التعدي على أعراض وممتلكات المواطنين في المناطق والمدن التي يسيطر عليها الدعم السريع. ودعا النازحين واللاجئين للعودة إلى مناطقهم وتعهد بحمايتهم، كما دعا المواطنين في مناطق سيطرة قواته لاختيار إدارات مدنية من أبناء هذه المناطق ممن يرونه مناسبا شريطة ألا يتم اختيار أي من منسوبي حزب المؤتمر الوطني المحلول. وطالب الأجهزة الأمنية بالعمل بصورة طبيعية في المناطق التي تفرض عليها قوات الدعم السريع سيطرتها.
مشاركة :