وتواجه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن سيلا من الانتقادات في العالم العربي لدعمها حملة القصف المدمر التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر استتبعتها بعملية برية، ردا على هجوم غير مسبوق لحركة حماس على أراضي الدولة العبرية. غير أن الولايات المتحدة عدّلت نبرتها بصورة طفيفة في الأيام الأخيرة، مع تشديد العديد من المسؤولين على ضرورة التخفيف من وطأة الحرب على المدنيين الفلسطينيين. ودعا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الجمعة في إسرائيل خلال جولته الثانية إلى الشرق الأوسط منذ بدء الحرب إلى "هدنة إنسانية" تسمح بإدخال المساعدات الدولية إلى القطاع المحاصر الذي يواجه وضعا كارثيا. وبعد هذه الدعوة، أكد بلينكن في تل أبيب أن حل الدولتين هو الطريق "الوحيد" لتسوية النزاع. وقال "دولتان لشعبين. مجددا، هذا هو الطريق الوحيد لضمان الأمن الدائم لإسرائيل" و"الوسيلة الوحيدة لضمان تحقيق تطلعات الفلسطينيين المشروعة إلى دولة خاصة بهم". وكان من المفترض أن يؤدي التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993 الى قيام دولة فلسطينية، الأمر الذي وصل الى طريق مسدود منذ أكثر من عشر سنوات. وتراجعت مكانة السلطة الفلسطينية التي انبثقت عن هذه الاتفاقيات وباتت لا تمارس سوى سيطرة محدودة على بعض أقسام الضفة الغربية المحتلة ولا سيما مع سيطرة حماس على قطاع غزة عام 2007، فيما توسع البناء الاستيطاني في الضفة حيث ينفّذ الجيش الإسرائيلي بانتظام مداهمات دامية. ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو هو من أشد المعارضين لفكرة قيام دولة فلسطينية وهو يترأس حكومة تعتبر الأكثر يمينية في تاريخ الدولة العبرية. "مستقبل مختلف" غير أن براين كاتوليس الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، يرى أن دعوة واشنطن إلى حل على أساس دولتين هو مؤشر إلى "أننا لا نغرق في نفق مظلم بلا بصيص أمل في النهاية". وقال "مهما بدا ذلك غير واقعي في المدى القريب، من المهم أن نواصل قوله ولو لمجرد توجيه إشارة إلى الأطراف في المنطقة ... حول التزامنا المتجدد بأفق ما" ينطوي "على الأقل على فكرة مستقبل مختلف". وقتل ما لا يقل عن 1400 شخص في إسرائيل بحسب السلطات منذ اندلاع الحرب، معظمهم مدنيون سقطوا في اليوم الأول من هجوم حماس. وفي قطاع غزة، سقط أكثر من 9488 قتيلا بينهم 3900 طفل و2509 نساء جراء القصف الإسرائيلي المركز المتواصل، وفق آخر حصيلة صدرت عن وزارة الصحة التابعة لحكومة حماس. وقال دبلوماسي يعمل لحساب دولة حليفة للولايات المتحدة في واشنطن "الدعوة إلى حل على أساس الدولتين لا يعني أن هذا هو الهدف المحدد وأنه سيكون هناك بعد ذلك دولة فلسطينية". وأوضح طالبا عدم كشف اسمه، أن هذه الدعوة تعني بالأحرى أن "الأميركيين يريدون الدفع باتجاه فتح نقاش حول المرحلة التالية". وبدا قبل هجوم حماس أن الدعم لقيام دولة فلسطينية يتبدد شيئا فشيئا. "دبلوماسية حية ميتة" أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث في وقت سابق هذه السنة أن 36% فقط من الإسرائيليين يعتبرون أن بإمكان الدولة العبرية التعايش سلميا مع دولة فلسطينية مستقلة، بتراجع 15 نقطة مئوية خلال عشر سنوات. وسجل تراجع مماثل في الجانب الفلسطيني. وقبل أسابيع من هجوم مقاتلي حماس، أعلن نتانياهو من منبر الأمم المتحدة أن فكرة حل الدولتين باتت من الماضي، وأن المستقبل لتطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية، وهو طرح تبدد أيضا منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ولفت الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية أنتوني كوردسمان في مقالة نشرت بعد اندلاع الحرب، إلى أن كل محاولة سابقة للمضي باتجاه حل الدولتين أدت في الواقع إلى جولات جديدة من العنف أو التوتر. وكتب أن الحرب الحالية تظهر أن "الحل على أساس الدولتين قد لا يكون سقط تماما، لكنه قريب من السقوط إلى حد أن أي محاولة لاستنهاضه ليست سوى أشبه بالأحرى بدبلوماسية حية ميتة". إلا أن براين كاتوليس الذي عمل في الأراضي الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو، يعتبر أنه ليس هناك فعليا أي بديل، مشككا في إمكانية أن يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون جنبا إلى جنب في دولة واحدة. ويؤكد "مهما بدت فكرة الحل على أساس الدولتين غير واقعية بالنسبة للبعض، فهي بالتأكيد الخيار الأكثر واقعية".
مشاركة :