في ختام زيارة بعثة صندوق النقد الدولي إلى دولة الإمارات، التي تمت خلال شهر أكتوبر 2023، للاطلاع على المستجدات الاقتصادية والمالية للدولة، أشاد الصُندوق بالتطورات الاقتصادية والإجراءات التشريعية والتنظيمية الداعمة، مع توقعات إيجابية بشأن آفاق نمو اقتصادنا الوطني، نتيجةً للجهود المُتواصلة لتطوير البنية الاقتصادية، وتطوير أطر التعافي الاقتصادي. وفي الواقع، فإن استراتيجيات التنويع الاقتصادي التي تتبعها الإمارات تعزز من فرص نمو الناتج غير النفطي، والذي يتوقع نموه بنسبة 4% في عام 2023، مع الاحتفاظ بوتيرة النمو نفسها عام 2024، نتيجة جهود تطوير قطاعات السياحة والبناء والعقارات، فضلاً عن تحسين بيئة الأعمال، ما يعزز مكانة الإمارات كوجهة جاذبة للاستثمارات. وتؤكد توقعات صُندوق النقد الدولي أن ثمة آفاقاً واعدةً تنتظر اقتصادنا الوطني بفعل السياسات الرصينة المتبعة في هذا السياق، حيث يتوقع الصندوق مُواصلة نُمو الناتج الإجمالي الحقيقي للإمارات بحيث يصل إلى 4.5% عام 2028 وبمتوسط 4.1% للفترة 2023-2028، مع توقع انخفاض معدل التضخم إلى نحو 3.1% عام 2023 من 4.8% عام 2022 ومواصلة التراجع إلى 2% خلال الفترة 2025-2028، ما يُعزز استقرار البيئة الاقتصادية الكلية. وثمة جانب مهم للغاية في توقعات صندوق النقد الدولي يتعلق بقضية الاستثمار، حيث تشير هذه التوقعات إلى تسارُع وتيرة الاستثمار على نحو يفوق ما كان قائماً قبل جائحة كوفيد-19، بحيث تبلغ نسبة الاستثمار إلى الناتج الإجمالي نحو 25.9% في عام 2023 مقابل 23.8% في عام 2022، لتصل إلى 26.6% في عام 2028. ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن دولة الإمارات تستهدف جذب استثمارات بقيمة 160 مليار دولار في قطاعات الاقتصاد الجديد، ومنها صناعة الفضاء والغذاء والزراعة والرعاية الصحية والنقل والطاقة المتجددة، كما يمكن للصناعة الوطنية جذب الاستثمارات بالعديد من المجالات، منها: الطيران والنقل والخدمات اللوجستية والطاقة المتجددة والتعدين والصناعات الغذائية والبتروكيميائية. وفيما يتعلق بالمالية العامة للدولة، هناك العديد من المؤشرات المهمة، حيث من المتوقع أن يبلغ متوسط نسبة الفائض الأولي بالميزانية إلى الناتج الإجمالي نحو 5.4% خلال الفترة 2023- 2024، مدفوعةً بارتفاع أسعار النفط وزخم النشاط الاقتصادي، مع إمكانية مساهمة الضريبة على دخل الشركات، والتي بدأ العمل بها في يونيو 2023، في تعزيز الإيرادات غير النفطية على المدى المتوسط، كما أنه من المتوقع أن يواصل الدين العام انخفاضه، بحيث تبلغ نسبة إجمالي الدين العام إلى الناتج الإجمالي 29.4% عام 2023، وبمتوسط 28.1% للفترة 2023-2028، مستفيداً من عدة عوامل منها نجاح إمارة دبي بتخفيض دينها العام بمبلغ 29 مليار درهم. أما بالنسبة للقطاع الخارجي للاقتصاد، فمن المتوقع أن يبلغ فائض الحساب الجاري نحو 8.2% و7.7% لعامي 2023 و2024 على التوالي، وبمتوسط يُقدَّر بنحو 7.3% للفترة 2023-2028، ما يعني إمكانية قيام صناديق الثروة السيادِيّة للدولة باستثمار تلك الفوائض لاقتناص الفرص الاستثمارية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والأسواق الناشئة، مما يُعزز رفاهية الأجيال القادمة. وفيما يعكس متانة الاقتصاد الوطني، أشار الصندوق إلى نجاح الإمارات في استمرار تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة على الرغم من حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي، وارتفاع مستوى المخاطر المتعلقة بتراجع الطلب على النفط وانخفاض التجارة والسياحة العالمية وتباطُؤ النمو العالمي، وسياسات التشديد النقدي وتوقع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة عالمياً، والتطورات الجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط. غير أن أسعار النفط المرتفعة (تقديرات البنك الدولي بلوغ متوسط سعر البرميل 90 دولاراً في الربع الأخير من 2023) تعزز الفوائض المالية للدولة، ما يخفف من حدة هذه المخاطر، ويُحسِّن آفاق النمو الاقتصادي. *صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
مشاركة :