يتزامن بداية العام الجديد مع ذكرى مرور 100 سنة بالضبط على ولادة الطيران التجاري، وقد ارتأت رابطة النقل الجوي الدولية (أياتا) ألا تمر هذه المناسبة هكذا سريعاً، وأعلنت أنه سيتم الاحتفال بها لمدة عام كامل بطريقة "التأمل والتفكير" حول أثر الطيران على الاقتصاد، والتجارة، والصناعة، بل على الحياة الحديثة عموماً. ودعت الرابطة من مقرها في جنيف الاقتصاديين، والصناعيين، والباحثين، والمفكرين، والصحافة، ووسائل الإعلام، والطلاب، بل الجميع أو أي إنسان عادي له اهتمام في الطيران للانضمام إلى "احتفال العام الكامل" بالذكرى المئوية لانطلاق الطيران التجاري. وتتضمن الدعوة الجميع للمشاركة في النقاش والمحادثة والكتابة في وسائل الإعلام ومواقع الشبكة العنكبوتية بطريقة "التأمل والتفكير"، وإطلاق العنان للخيال والأحلام حول ما الذي يجب عمله، وما الذي يجب أن يحصل لجعل السنوات الـ 100 المقبلة بالغة الأهمية لحياتنا مع عالم الطيران. وقدمت "أياتا" بعض الإحصاءات الأساسية بهذه المناسبة، ومنها أن كل 60 ثانية، تقلع 52 طائرة مدنية للركاب، وفي المتوسط العام، يطير كل يوم أكثر من ثمانية ملايين شخص في عام 2013، بلغ عدد الركاب الإجمالي 3.1 مليار شخص، متجاوزاً بذلك ولأول مرة الرقم القياسي السابق الذي بلغ ثلاثة مليارات راكب، متوقعة أن ينمو هذا العدد إلى 3.3 مليار راكب في عام 2014، أي ما يعادل 44 في المائة من سكان العالم. نحو 50 مليون طن من البضائع يتم نقلها جواً سنوياً، أي نحو 140 ألف طن يومياً، وتبلغ القيمة السنوية لهذه السلع نحو 6.4 تريليون دولار، أو 35 في المائة من قيمة السلع المتداولة دولياً. ويدعم الطيران أكثر من 57 مليون وظيفة ويولِّد 2.2 تريليون دولار في النشاط الاقتصادي، فيما تصل المساهمة الاقتصادية المباشرة لهذه الصناعة إلى نحو 540 مليار دولار، وإذا ما تُرجم هذا الرقم إلى ترتيب الناتج المحلي الإجمالي للبلدان، فستأتي صناعة الطيران في المركز الـ 19، وتتوقع "أياتا" أن تبلغ الدورة الاقتصادية لصناعة الطيران العالمية 743 مليار دولار في عام 2014، مع هامش ربح صافي متوسط لهذه الصناعة بحدود 2.6 في المائة. وأضافت أنه على مدى القرن الماضي، حوَّل الطيران التجاري العالم بصورة لم يكن بالإمكان تخيلها في عام 1914، فالرحلة الأولى قدَّمت طريقاً مختصراً عبر خليج تامبا، أما اليوم فصناعة الطيران تُعيد توحيد الأسر، والأقارب، وتُعزِّز الأواصر بين الناس، وتربط بين الثقافات، وتُوسِّع الأفكار والعقول والخبرات، وتفتح الأسواق، وتُعزِّز التنمية. وبعد عام 1914، جاءت المحطات التالية في تاريخ الطيران التجاري، ففي عام 1929، تم التوقيع على معاهدة وارشو، وهو أول اتفاق دولي ينظم الطيران، كأسعار تذاكر الركاب، والأمتعة، والمسؤولية القانونية عند الحوادث. وفي عام 1935، نفَّذت شركة "بان أميركان" أول رحلة عبر المحيط الهادئ ربطت بين سان فرانسيسكو والعاصمة الفلبينية مانيلا، وقد أخذت الرحلة أسبوعاً كاملاً مع توقف على طول الطريق تم خلالها تسليم أكثر من 100 ألف قطعة بريد. وكان من المفترض أن تمضي الرحلة فوق الجسر الذي يربط سان فرانسيسكو مع خليج أوكلاند، الذي كان قيد الإنشاء في ذلك الوقت، لكن الطيار اختار اختصار الطريق، وقام بتوجيه الطائرة إلى الأسفل بدلاً من ذلك. وفي عام 1936، دخلت "الطائرة التي غيّرت وجه العالم" وهي "دوجلاس دي سي-3" الخدمة مع شركات الطيران الأمريكية، وطارت من نيويورك إلى شيكاغو بدون توقف. بلغت كلفة هذه الطائرة نحو 100 ألف دولار في ذلك الوقت. وفي عام 1945، تأسس اتحاد النقل الجوي الدولي "أياتا" في هافانا، كوبا، ويمثل الآن 240 شركة طيران أو 84 في المائة من إجمالي حركة النقل الجوي، وفي هذا العام تحققت أيضاً أول قفزة في الربط بين قارتي أوروبا وإفريقيا على يد شركة "ساوث أفريكان أيرويز". استغرقت رحلة الشركة في ذلك الوقت ثلاثة أيام لكنها كانت أسرع بكثير من وسائط النقل الأخرى. وشهد الطلب على الربط السريع بين إفريقيا وأوروبا توسعاً كبيراً لتصبح من رحلة أسبوعية إلى ست رحلات في الأسبوع. أما في عام 1952، فتم إنتاج أول طائرة نفاثة تجارية في العالم، هي: "دي هافيلاند كوميت"، التي دخلت الخدمة لدى شركة الخطوط الجوية البريطانية "بي أو أي سي"، وقد عانت هذه الطائرة من قضايا تتعلق بالسلامة، ومع ذلك، وعلى الرغم من أن النماذج اللاحقة أثبتت نجاحاً، فإنَّ "بي أو أي سي" أوقفت التحليق بهذا النوع من الطائرات عام 1965، وكانت آخر رحلة تجارية لها عام 1981. وفي كانون الثاني (يناير) 1970، دخلت طائرة بوينج 747 "جمبو" إلى الخدمة لتصبح بذلك أول طائرة ذات جسم عريض. وقد أطلقت بوينج على إنتاج هذه الطائرة اسم "راهن الشركة"، وأول من استخدم "جمبو" هي "بان أميركان" على خط نيويورك ـ لندن. أحدث بديل لـ "جمبو" هي "747-8I" التي دخلت الخدمة عام 2012. وفي عام 1971، أصبحت شركة طيران "ساوث ويست أيرلاينز" أول مَن تعتمد نظام النقل الجوي منخفض التكلفة الذي ساهم في تغيير وجه الطيران، بتحقيقه عدد من الابتكارات، وإجباره الناقلين التقليديين على تحسين القدرة التنافسية لمصلحة المستهلك، حسب "أياتا". وظهرت أول ورقة محايدة للتذاكر تمثلت بتأسيس نظام "BSP" في عام 1972 بهدف إصدار الفواتير وتسوية المدفوعات، الذي ضمنَ لشركات الطيران تلقي الأموال المستحقة على الفور وبدقة، وفي عام 2012، قدَّم هذا النظام خدمة لـ 350 شركة للخطوط الجوية في 177 بلداً، وتعامل مع ما يربو على 249 مليار دولار. وأصدرت الولايات المتحدة في عام 1978، قانوناً يرفع القيود عن الطيران، وشطب هذا القانون تدريجياً سيطرة الحكومة على أسعار التذاكر، ودخول شركات الطيران الجديدة إلى الطرق والأسواق، وفي عام 1981، بدأت شركات الطيران الأمريكية تطبيق نظام "برنامج المسافر الدائم" أو "برنامج المُسافر المتميز" الذي يعطي نقاطاً تفضيلية للمسافر المخلص لشركة طيران بعينها. وشهد عام 1990، أكبر عملية إجلاء قامت بها شركة طيران مدنية واحدة لتسجل بذلك رقماً قياسياً عالمياً، وقد دخلت شركة "أير إنديا" بالاشتراك مع الخطوط الجوية الهندية "إنديان أير لاينز" والقوة الجوية الهندية "كتاب جينيس للأرقام القياسية العالمية"، بعد أن تمكنت الأطراف الثلاثة من نقل 111 ألف شخص من عمان إلى مومباي في 59 يوماً، بتسيير 488 رحلة جوية قبل اندلاع حرب الخليج الثانية. وأسَّست خمسة خطوط جوية من ثلاث قارات تحالف ستار "ستار أليانس" الذي تنتمي إليه الخطوط الجوية السعودية في عام 1997، وتبع ذلك بوقت قصير تشكيل تحالف بين اثنتين من شركات الطيران العالمية، ثم ظهرت بعد ذلك تحالفات أخرى مثل "وان وورلد"، و"سكاي تيم". وفي عام 2004، نفَّذت الخطوط الجوية السنغافورية رحلات بدون توقف إلى لوس أنجليس ونيووارك، كندا، ونيويورك. وكانت هذه أطول رحلات تجارية مجدولة، مدفوعة بالحاجة إلى ربط الناس والأعمال في المدن الكبرى بالعالم. في عام 2008، ظهرت التذاكر الإلكترونية لتُزيل بنسبة 100 في المائة الحاجة إلى التذكرة الورقية، كما حسَّنت من سرعة السفر الجوي، فضلاً عن تمهيدها الطريق أمام مبادرات أخرى تتعلق بـ "السفر السريع"، وذلك بتجاوز إجراءات شحن الحقائب، والصعود إلى الطائرة. وقد نفَّذت شركة "لوفتهانزا" في 2011، أول رحلة على الإطلاق من سلسلة رحلات مجدولة تعمل بالوقود الحيوي بين هامبورج وفرانكفورت، وسيشهد العام الجاري 2014 دخول طائرة "أيرباص A350" الخدمة، إذ أصبحت الخطوط الجوية القطرية أول متعاقد مع "أيرباص" لشراء هذه الطائرة العملاقة.
مشاركة :