شهدت ست دول أفريقية أمس (الأحد) عمليات انتخابية تفاوتت ما بين جولة أولى من الانتخابات الرئاسية في الكونغو، وشوط رئاسي ثانٍ في كل من النيجر وبنين، بالإضافة إلى انتخابات تشريعية في جزر الرأس الأخضر وإقليم زنجبار بتنزانيا، واستفتاء دستوري في السنغال أثار معه كثيرا من الجدل. وتثير هذه الانتخابات مخاوف المراقبين من أن تتسبب في صراعات سياسية اشتهرت بها القارة السمراء خلال العقود الأخيرة، إذ دعا الاتحاد الأفريقي إلى ضبط النفس والعمل على تنظيم «انتخابات سلسلة وسليمة وموثوقة وشفافة». وقالت نكوسازانا دلاميني زوما، رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، إن مستقبل الديمقراطية في القارة الأفريقية مرتبط «بتنظيم انتخابات خالية من العنف»، مشيرة إلى أن مثل هذا النوع من الانتخابات هو الذي «سيمكن أفريقيا من تعميق ثقافة الديمقراطية». وأكدت زوما في بيان صحافي أصدرته أمس بالتزامن مع أجواء الاقتراع التي عاشتها دول أعضاء في الاتحاد الأفريقي، على ضرورة أن «تضمن أجهزة إدارة الانتخابات التنظيم السلس مع أعلى درجات الاحترافية وتقديم الخدمات»، مشيرة في السياق ذاته إلى أنه «يتعين على المواطنين والفاعلين السياسيين احترام نتائج الانتخابات». وسبق لكثير من الدول الأفريقية أن عاشت خلال العقود الماضية صراعات مسلحة أودت بحياة الآلاف من المدنيين بسبب عمليات انتخابية مشكوك في نزاهتها، ولا تزال بعض هذه الدول تعاني انعدام الاستقرار مثل جمهورية أفريقيا الوسطى وبوروندي. في السنغال التي تعد من أكثر بلدان القارة الأفريقية عراقة في التقاليد الديمقراطية، أجري أمس استفتاء شعبي على مشروع إصلاحات دستورية مقترحة من طرف الرئيس ماكي صال يتضمن 15 نقطة، من أبرزها تقليص المأمورية الرئاسية من سبع إلى خمس سنوات، بالإضافة إلى تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لصالح رئيس البرلمان والمجلس الدستوري. واستدعي للتصويت على مشروع التعديل الدستوري أكثر من 5.5 مليون ناخب سنغالي، في ظل تقديرات أولية تشير إلى ضعف نسبة المشاركة في الاستفتاء رغم التعبئة الواسعة التي قام بها داعمو المشروع ومعارضوه على حد سواء، إلا أن الاستفتاء أخذ طابعًا سياسيًا ليصبح اختبارًا حقيقيًا لشعبية الرئيس صال الذي وصل إلى السلطة عام 2012 بعد انتخابات مثيرة فاز في شوطها الثاني على الرئيس السابق عبد الله واد. أما في النيجر، البلد الذي يقع في الساحل الأفريقي ويعد من أفقر بلدان العالم، فقد قاطع ائتلاف معارض يتكون من 20 حزبًا سياسيًا الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية، ليفتح الباب واسعًا أمام فوز الرئيس المنتهية ولايته محمدو يوسوفو بولاية رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات. في غضون ذلك، يوجد مرشح المعارضة النيجرية هاما أمادو، منذ الأسبوع الماضي في فرنسا لتلقي العلاج بعد تدهور وضعه الصحي عندما كان رهن الاعتقال في قضية «المتاجرة بالأطفال» ترى فيها المعارضة «تصفية حسابات سياسية» بينما يؤكد النظام أنها «قضية حق عام». وكان يوسوفو قد حقق الفوز في الشوط الأول من الانتخابات بنسبة 48 في المائة من أصوات الناخبين، بينما حصل منافسه المباشر هاما أمادو الذي خاض المنافسة من داخل السجن على نسبة 18 في المائة، وتشير جميع التوقعات إلى إعادة انتخاب يوسوفو الذي يعد الحليف المقرب من الغرب في الحرب ضد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في منطقة الساحل الأفريقي، وجماعة بوكو حرام في شمال نيجيريا المجاور لبلاده. في جمهورية بنين الواقعة في غرب أفريقيا يبدو المشهد مختلفًا قليلاً، حيث صوت الناخبون يوم أمس في الشوط الثاني من الانتخابات لاختيار رئيس جديد للبلاد بعد أن انسحب الرئيس المنتهية ولايته توماس بوني ياي عقب إكماله ولايتين رئاسيتين يمنحهما له الدستور، على خلاف ما جرت به العادة في أفريقيا حيث يلجأ الرؤساء إلى تغيير الدستور من أجل البقاء في السلطة، كما وقع العام الماضي في بوروندي. وينحصر السباق الرئاسي في بنين ما بين رئيس الوزراء ليونيل زينسو المدعوم من طرف الرئيس المنتهية ولايته، ورجل الأعمال باتريس تالون الذي يعد من أبرز المستثمرين في قطاع القطن المهم في البلاد. وكان الأول قد فاز في الجولة الأولى بنسبة 28.4 في المائة من الأصوات، بينما زاحمه الثاني بنسبة 24.4 في المائة، ويجد المراقبون صعوبة في ترجيح كفة أي من المرشحين في ظل تقارب حظوظهما. أما في جمهورية الكونغو التي خرجت منذ سنوات قريبة من أتون صراع مسلح مرير على السلطة، فقد جرت يوم أمس الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي يتنافس فيها تسعة مرشحين من ضمنهم الرئيس المنتهية ولايته دنيس ساسو نغيسو، الذي غير الدستور في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ليتمكن من خلافة نفسه بعد أن حذف قيودًا دستورية تتعلق بعمر الرئيس وعدد ولاياته، وهو الذي حكم الكونغو ما بين 1979 و1992 عندما خسر الانتخابات ثم عاد للسلطة لفترة وجيزة عام 1997 بعد حرب أهلية قصيرة، ثم فاز في انتخابات مثيرة للجدل ليحكم مرة أخرى من 2002 إلى 2009. وجرت انتخابات الكونغو في ظل أجواء من التوتر، وبدا أن شبح العنف يلوح في الأفق، خصوصا أن من أبرز المنافسين جنرال متقاعد من الجيش لديه نفوذ كبير في المؤسسة العسكرية. واتخذت السلطات جملة من الإجراءات المثيرة للجدل، في مقدمتها تعطيل وسائل الاتصال ومنع استخدام السيارات على مستوى البلاد أثناء الاقتراع، بينما أقامت الشرطة نقاط تفتيش في مختلف أرجاء العاصمة برازافيل. وتحظى الانتخابات في الكونغو بمتابعة واسعة في عدد من البلدان الأفريقية التي يعتقد أن رؤساءها يسعون لتغيير دساتير بلدانهم من أجل البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، ويرون في نجاح تجربة الكونغو مؤشرًا إيجابيًا لخططهم، رغم التحذيرات التي أطلقها الاتحاد الأفريقي وفرنسا والولايات المتحدة بأنه لم يعد من المقبول كسر القيود التي يفرضها الدستور على عدد الولايات الرئاسية.
مشاركة :