إنزال جوي أردني نجدة لأهالي غزة

  • 11/7/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مع الجولة الأولى لخروج المواطنين ممن يحملون جنسيات مزدوجة، أو من ينتمون لجنسيات أخرى، كان الأردن في مقدمة الدول التي تمكنت من إجلاء مواطنيها، وتحديداً، مواطناتها في الأغلبية من قطاع غزة، وأجلت طائرة أردنية 53 مواطناً، في الوقت نفسه، كان مواطنو العديد من الدول يناشدون بلدانهم التدخل لتمكينهم من تجاوز معبر رفح إلى خارج القطاع، وليس إعادتهم إلى بلدانهم فذلك أمر لم يكن محلاً لمطالبهم أو تطلعاتهم في المرحلة البائسة التي صنعها العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة. الحسنة تخص، والسيئة تعم، وكذلك يبدو في الأردن أن الأخبار السيئة تمتلك القدرة على الانتقال بصورة واسعة، بينما الأخبار الجيدة تبقى بين قلة من المحتفلين من الأهل والأقارب بعودة ذويهم من الجحيم الذي تصنعه آلة الحرب الإسرائيلية، فلم يتابع الإعلام الأردني أخبار العائدين، ولم نعرفهم، ولم يخاطبونا من أجل الحديث عن الأهوال التي يشهدها أهالي غزة. في الوقت نفسه، ومنذ اللحظات الأولى للحرب الغاشمة، كان المستشفى الأردني الميداني في حسابات القيادة السياسية الأردنية، ولكن الأمر لم يكن مطروحاً بصورة واسعة في الأوساط الإعلامية، وكانت الدولة الأردنية تعتبر العاملين في المستشفى يؤدون واجبهم الوطني والقومي ضمن الذهنية المؤسسة للجيش العربي. بقيت المتابعة حثيثة ومتواصلة، يوجد أبناء وبنات للأردن في المستشفى، وتوجد مهمة مقدسة، فالمستشفى الميداني وحتى شهر آب الماضي، كان استقبل 13 آلف مراجع من أهل غزة، وأجرى مئات العمليات منذ تأسيسه بعد العدوان الإسرائيلي على غزة سنة 2009، والعاملون في المستشفى أصبحوا يتعاملون مع القطاع بصورة تحمل جانباً إنسانياً عميقاً، كما وتلقى الأردن مناشدة من الدكتور أشرف القدرة المتحدث عن وزارة الصحة في غزة تطالب كادر المستشفى بعدم مغادرة غزة وعدم التخلي عن الدور المشرف والكبير الذي يقومون به بين أهالي القطاع وفي لحظة حاسمة وصعبة من تاريخه ومن تاريخ مقاومته. سنبقى، هكذا كانت ردة الفعل الأردنية، فالمستشفى إلى اليوم يخدم بجانب المستشفيات القليلة التي تبقت من الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للمستشفيات والطواقم الطبية، سنبقى، وأي قرار لمغادرة المستشفى مكانه سيكون إلى مكان آخر يمكن وصوله من أعداد أكبر من أهالي القطاع، أما الإنسحاب فهو أمر غير مطروح على الطاولة. كيف يمكن للمستشفى أن يستمر أمام استغلاق معبر رفح على مساعدات حقيقية يمكن أن تصل لمساعدة ملايين الفلسطينيين في القطاع؟ السؤال لم يظهر بالأمس عندما حلقت طائرة القوات المسلحة الأردنية فوق الأجواء الفلسطينية لإجراء عملية إنزال للمساعدات الطبية والإنسانية في المستشفى ولكنه ظهر قبل أيام كثيرة، وأمام التعنت الإسرائيلي وصلت الخيارات الأردنية إلى الحدود القصوى والكتلة الحرجة. حلقت الطائرة الأردنية من غير تنسيق مسبق، وليس كما ادعت إسرائيل التنسيق الكامل لأن شاحنات أردنية كثيرة ترابض على معبر رفح منذ أيام طويلة، والإبلاغ لا يعني التنسيق بالمعنى الذي توصله إسرائيل، ولكنه يعني أن خيارات إسرائيل أصبحت محدودة مع الوقت، ومع الضغوطات الدبلوماسية التي كان الأردن في مقدمتها منذ أن توجه لمخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد حالة المماطلة والتلاعب في مجلس الأمن. كما أن الحديث مع الجانب الإسرائيلي شبه منعدم، وعندما يدعي الإسرائيليون أن رؤوسهم ساخنة بعد أحداث السابع من تشرين أول، فإن رؤوساً ساخنة في الأردن تعيش حالة من الاستفزاز، وكما تطبق إسرائيل سياسة الأمر الواقع، وتفرضها على مختلف الجبهات، قرر الأردن أن يعتمد سياسة الأمر الواقع، وأن يضع الإسرائيليين أمام خيارات صعبة، الطائرة في السماء، والعالم يتابع ما يحدث ثانية بثانية، والخيارات مفتوحة، إما أن نترك أبناءنا عاجزين عن أداء واجبهم، وفي مرحلة لاحقة مهددين في سلامتهم، وإما أن ندفع بالرهانات إلى مرحلة غير متصورة، ولم تطرقها دول أخرى تمتلك ما يفوق الأردن من إمكانيات، وفي النهاية، كانا الحسابات الأردنية توصل ما يكفي لاستمرار المستشفى لفترة من الوقت، وفوق ذلك، تقدم نموذجاً آخر لما يمكن فعله داخل القانون الدولي وفي حدوده ضمن لحظة تاريخية معقدة ومتشابكة ومتداخلة الحسابات. القائد الأعلى للجيش هو صاحب القرار الذي كان يتضمن في داخله احتمالات كبيرة، ولكن الإعلان الملكي فجر الأمس كان إعلاناً عن الأردنيين جميعاً بسند المادة الدستورية التي تضع الملك رأساً للدولة الأردنية، وذروة التجسيد لدوره مخلصاً للأمة الأردنية التي هي وفقاً لتعبير الدستور تشير إلى الأمة العربية التي يعتبر الشعب الأردني جزءاً منها، فالأردن، الذي تتجرد حدوده من كل جوار غير عربي، لا يمكن إلا أن يبقى مخلصاً لقضايا أمته، والأردنيون، أكثر الشعوب العربية إمعاناً في القومية وقضاياها، بل وكانت كثير من جدالات الأردنيين حول مدى الترابط بالأمة العربية وطموحاتها ومشروعها التاريخي والحضاري، ولم تكن أبداً حول مبدأ الارتباط والتمازج الذي تكرسه المادة الأولى من الدستور الأردني، وفي وقت حرج، تصدى الملك لدور تاريخي يترقبه الأردنيون، وبينما عمان نائمة على حزنها وتعاطفها المفتوح وغير المشروط ولا المحدود مع الأشقاء الفلسطينيين كان المستشفى الميداني الأردني تستعيد عافيتها لتواصل دورها في خدمة قطاع غزة وأهله. الدلالة السياسية أبعد من استمرار المستشفى لبضعة أسابيع أو أيام، فالمجتمع الدولي وقف أمام المبادرة الأردنية من غير تعليق خاصة وأنه يدرك أن الخطوة الأردنية أتت لتدلل على احتجاج عميق لمجريات الأحداث على معبر رفح التي أصبحت تشكل في حد ذاتها مأساة إنسانية أخرى تدلل على تهالك منظومة العدالة الدولية. هل تشجع الخطوة الأردنية دولاً أخرى؟ أم تغير الواقع على معبر رفح؟ أياً كانت النتائج المباشرة وغير المباشرة، فالعملية الأردنية ستظل الأولى التي تقدم دعماً عملياً يتلمسه أهالي القطاع في ظل ظروفهم الحرجة، واستجابة واقعية للحاجة الأكثر إلحاحاً لدى أهالي القطاع، وتحدياً استراتيجياً مهماً ليس لإسرائيل وحدها، ولكن لفكرة ازدواجية المعايير التي تحكم العالم وما زالت تجد المبررات للمجزرة الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة. الرأي

مشاركة :