د. يوسف الشريف instagram/dryalsharif "ناقل الكُفر ليس بكافر".. يُقال إنها وردَت في الأثر ويُنكِرها البعض، ويُقال إنها قاعدة أقرها البعض، وترنحت الآراء والأفهام بين صحة هذه المقولة وتفسيرها، فرأى بعضهم أن ناقل الكُفر ليس بكافرٍ، ما دام ينقل الكلام بغرض حسن ونية صادقة في سبيل المواجهة والتصدي لما يُقال أو يُثار، أما البعض الآخر فيقول إن "ناقل الكُفر.. كافر" إذا خالطت نيته الفِتنة وإثارة البلبلة. إلّا أنَّ هُناك صنفًا في هذه الحياة هو أشدّ من ناقل الكُفر؛ سواءً كان كافرًا أو ليس بكافرٍ، هذا الصنف خطير جدًا، يُثير الفِتن، ويُهيّج الشَجن، يُزيد المِحَن وكلامه قد يعدله السيف والكَفن، هذا الصنف هو الذي يقول لك بكل هدوء وراحة بال بعد ما يُثير موضوعًا معيّنًا معك ويسمع منك ثم يردِفُ قائلًا: "ما راح أقول لك شو قالوا النَّاس عنك"، لماذا لا تُريد أن تقول يا عزيزي؟ يجيب بوتيرة صوتٍ منخفضةٍ أكثر من الأولى: "الله يُستر عليك وعليهم"، تستحلفه بالله: "ماذا قالوا عني؟!"، يُجيب بنبرةٍ فيها حدية إلى حدٍ ما ولا تخلو من الحنية الشفيقة التي لا تُريدكَ أن تجنّ في ظاهِرها: "إنسى، إنسى". كيف أنسى يا أخي أو يا أختي؟! يحتد هذه المرة بجد، طبعًا كله تمثيل في تمثيل، ولكنه مُكرر فهو به خبير: "خلاص عاد لا تكبر الموضوع وتصغر عقلك، قلت لك إنسى". يا هل تُرى كم صداقة انعدمت بسبب هذه الكلمات، وكم بيت هُدمَ بسبب هذه العبارات، وكم دولة سقطت وملك زال بسبب هذه التُرهات، كيف لشخصٍ واحدٍ أن يَقلِب كيان دولٍ؟ وكيف له أن يتسلى بعذاب من حوله من الأشخاص؟! بعد أن يُغادره هذا المسكين وهو يُفكّر: "ماذا قالوا عني؟!"، ستقول إنِّه تافه لأنه التفت لكلام الناس، نعم معك حق لأنك هنا في موضع الحَكَم والحُكم، أما إن كنت في مكان الخصم، وتحتاج إلى أن تُدافِع عن نفسكَ، فإنكَ ستقع في ذات الحيرة والمصيبة بكل تأكيد. بحقٍ كيف للمرء السوي أن يُدبّر مثل هذه الخطط البسيطة في ظاهرها، ولكنها تُصيب من حوله في مقتل؟! إنِّها الفتنة يا سادة، الفتنة التي حرّمها الله وجعلها أشد من القتل، لأنها تأكُل في نفس الإنسان الذي يُبتلىَ بها فترديه قتيل همّ وتفكير. هذا الإنسان الذي لا يخلو من المشاعر والأحاسيس، لا يخلو من الرغبة بالدفاع عن نفسه، والذود عن حوضه وسمعته، ويدفعه فضوله لمعرفة من هو صاحبه ومن عدوه، ولا يدري أن من رمى عليه هذه الكلمات هو أول أعدائه. هناك مثل عامي نُكرره كثيرًا يقول "ما سبّك إلا اللي وصَلّك"، صحيح قد تُصادف هذه القاعدة أيضًا الواقع، فمن ينقُل لك مسبتك في المجالس أو بين شخصين أو أكثر، هو متهم بسبب رغبته في نقل الكلام، في كل الأحوال لا يجب علينا أن نُصدِق هذه القاعدة كثيرًا؛ كون إن الشخص الناقل لك الحديث ربما يُريد أن يُظهِر لك الوجه الآخر لبعض الأشخاص ممن حولك، لكن النيّة هي الفيصل في مثل هذه الأمور، لأنها دقيقة ودقيقة جدًا، أما ذاك الذي يقول "ما راح أقول لكَ شو قالوا الناس عنكَ"، فهذا فتّان أشر جملةً وتفصيلًا، ويريد أن يدسّ السُم في العسَل، فاجتنبوه لأنه باتفاق آراء العقلاء لا ينقل شيئًا لأنه "كافر".
مشاركة :