انفتاح أمستردام.. مشاهدات غير عابرة في هولندا «3»

  • 3/22/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يحكي رسل شورتو (Russel Shorto) في كتابه «أمستردام» عن تاريخها، وأن بداية الاستيطان فيها كان لصلاحية أراضيها للزراعة، بعد إقامة بعض الردوم فيها حوالي عام 1000م. وتكسب المدينة اسمها من سد أقيم فيها على نهر الأمستل (Amstel) بعد عام 1200م. لكن نشأتها كمدينة كبرى كانت بسبب انتشار قصة «معجزة» مسيحية في عام 1345م، الأمر الذي جذب الكثير من الحجاج القادمين بقصد زيارتها طلباً للشفاء من أمراضهم، والمفارقة الكبيرة أن الكنيسة التي بنيت في موقع المعجزة المزعومة تقع الآن في وسط منطقة الأضواء الحمراء الشهيرة! كانت طريقة البناء صعبة وشاقة جداً في ذلك الوقت نظراً لطبيعة الأرض، وتحتاج إلى بناء أساسات عميقة تستلزم 40 عموداً خشبياً لكل منزل. وقد بنيت شبكة القنوات المائية المركزية الشهيرة في وسط المدينة، والتي سهلت حركة البضائع فيها. مع زيادة عدد السكان في أمستردام اكتسبت مكانتها كميناء مهم، بل أصبحت أكبر موانئ العالم خلال عهد هولندا الذهبي. وحولتها التجارة إلى مدينة عالمية، تنتشر فيها جميع الحرف ولكل منها جمعياتها المهنية، إضافة إلى سكان ولغات وسلع من أنحاء العالم. الأمر الذي جعلها أكثر انفتاحاً وتحرراً، وساهم في تحول الكثير من سكانها وسكان المقاطعات المجاورة إلى البروتستانتية. وامتاز سكان أمستردام بقدر كبير من المساواة وعدم وجود طبقية مثل البلدان الأوروبية الأخرى، حيث كان الفقراء والأغنياء يعيشون في نفس الأحياء؛ وتطل بيوت الأثرياء على القنوات المائية، بينما تقع بيوت الفقراء في الشوارع الخلفية. ولعل تواضع أثرياء هولندا وعدم حبهم للإسراف، هو الذي أكسب شعبها سمعتهم بالحرص على المال، بل واتهامهم بالبخل! أما انفتاح أمستردام وليبراليتها فهو الأمر الذي حافظت عليه إلى اليوم وأصبحت شهيرة به. والليبرالية الهولندية ليست فقط في القوانين المنظمة للمخدرات والدعارة وغيرها التي أكسبت أمستردام لقب مدينة الخطيئة أو مدينة الإثم، بل حتى في حياة الناس اليومية، فليس من الغريب عند المشي في أحد الشوارع أن تجد صالات بعض البيوت منارة من الداخل ومفتوحة الستائر ومكشوفة تماماً أمام المارة، دون أدنى اهتمام بخصوصية سكانها! ومع نظافة شوارع وسط المدينة وجمالها صباحاً، إلا أنها تتحول إلى مزبلة مساءً، حيث تنتشر القمامة وروائح الدخان الكريهة في شوارعها. يلخص شورتو كذلك في كتابه تاريخ هولندا أو مملكة الأراضي المنخفضة والذي أود التطرق لبعضه، وهو تاريخ متشابك بشكل كبير مع تاريخ أوروبا المعقد، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان الكتابة عنه بصورة مستقلة عن محيطه الأوروبي. لكن لعل أفضل نقطة للبداية هي في نهاية ما يسمى بالقرون الوسطى وتحديداً في عام 1568م، حين بدأت حرب التحرير الهولندية أو ما يعرف بحرب الثمانين عاما، للتخلص من السيطرة الإسبانية على الأراضي المنخفضة والتي قادها ويليام أمير أورانج (William of Orange). وقد كانت الأراضي المنخفضة قبل بدء الحرب تشمل سبعة عشر إقليماً، تضم معظم أراضي دول هولندا وبلجيكا ولوكسمبرج الحالية، إضافة لأجزاء من شمال فرنسا. وكانت مدينة بروكسل هي العاصمة الإقليمية للحكم الأسباني لهذه الأقاليم. وكان ملك أسبانيا في ذلك الوقت هو فيليب الثاني (Philip II of Spain)، والذي ورث ملك أسبانيا من أبيه تشارلز أو شارل الخامس (Charles V). لكن لعل من المهم قبل الحديث عن هذه الحرب، إعطاء فكرة عن أهم الدول والشخصيات في العصر الذي سبقها، وليسمح لي القراء بتفصيل ذلك في المقال القادم.

مشاركة :