تنطلق في العاصمة السعودية أعمال القمة "السعودية - الإفريقية الأولى، في ظل تنافسية محمومة وصراعات متزايدة للجماعات الإرهابية التي تستوطن القارة السمراء، وتسعى لتضخيم كياناتها الخاصة عبر وراثة النفوذ في المناطق التي تعاني تخلخلا سياسيا وانفلاتا أمنيا، ونشاطا مكثفا في تهريب الأسلحة، وهشاشة وضعفا في بسط بعض الحكومات سيطرتها الداخلية أو الحدودية، وهو ما يوجه الأنظار نحو الرياض بيت الخبرة العالمي في التصدي للإرهاب محليا وإقليميا ودوليا، فداعش والقاعدة والنصرة وبوكو حرام ومسميات متعددة تقتات على الأزمات، وتنتهز الفرص، توثق تواجدها في المجتمعات التي يتفشى فيها الجهل، وتعاني تدهورا في التعليم النظامي وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، لتتحرك بسرعة نحو تجنيد الكثير من الأتباع لتعزيز قدراتها القتالية والدفع بأنصارها نحو هدفها الرئيس إقامة حكم ذاتي لها تحت شعارات متعددة، وفهم متشدد ومتطرف لا يتورع عن قمع الحريات، وإراقة الدماء المعصومة عند أي جنحة لا تخلو منها المجتمعات، وتحت أي شبهة لا توافق هوى الزعامات المؤدلجة، ورؤيتهم المتعسفة في فهم النصوص المقدسة، والصمت عن تلك الجماعات وعدم مواجهتها بشكل مباشر يفضي إلى نكبات متعددة تطال المكون البشري والترابط الاجتماعي والعقدي، وتستهدف المنشآت الاقتصادية والحركة التجارية والقدرة الشرائية، انتهاء باستفحال الأمية وانتشار البطالة، ودخول المنطقة في أتون حروب تحرق الأرض وتحصد الأرواح. ويشير مركز إفريقيا للدراسات ومقره العاصمة الأميركية إلى ارتفاع العنف في القارة الإفريقية العام المنصرم إلى 22 %، حيث سجلت قرابة 7 آلاف عملية إرهابية أفضت إلى مقتل أكثر من 19 ألفا جلهم من المدنيين، وأينما اتجه المتابع لأحداث العنف في القارة على اتساعها يلحظ تصعيدا عنيفا مرتبطا بالجماعات الإرهابية في منطقة غرب الساحل "بوركينا فاسو ومالي وغرب النيجر" التي تمثل قرابة 40 % من المشاهد الدموية والأنشطة العنيفة للجماعات المتطرفة، وإلى الشرق تبرز الصومال والجماعات الإرهابية التي كان حضورها مدويا في رفع نسبة العنف إلى 37 %، وإلى شمال موزمبيق وحوادث متعددة للعنف والجماعات المتشددة بنسبة تلامس 29 %، إن تنامي الإرهاب والتطرف كفيل بإحداث انهيارات اقتصادية وخسائر بالغة جاوزت 119 مليار دولار أميركي على مدى تسع سنوات بحسب دراسة للأمم المتحدة رصدت ذلك عام 2019م، فضلا عن أزمات النزوح واللجوء.وتعد المملكة الدولة الأكثر دعمًا لجهود مكافحة الإرهاب في إفريقيا فقد ساهمت ديسمبر من عام 2017م بأكثر من 100 مليون دولار خلال القمة الفرنسية التي ضمت قادة أوروبيين وأفارقة، بهدف تعزيز جهود مكافحة الإرهاب في "بوركينا فاسو، تشاد، مالي، موريتانيا، والنيجر"، وفي العام الذي يليه قدمت مبلغ سخيا جاوز 100 مليون يورو لدعم مجموعة دول الساحل الإفريقي الخمس، جاء هذا الإعلان في العاصمة الموريتانية نواكشوط ضمن مؤتمر تنسيق الشركاء والمانحين لتمويل برنامج الاستثمارات ذات الأولوية، وفي يونيو 2020م أكد وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان في الاجتماع الافتراضي لتحالف دول الساحل G5 قيام المملكة بتنسيق وتبادل المعلومات المتعلقة بالتصدي للإرهاب ومكافحته مع أعضائه، وتقديم الدعم والمساندة التقنية لمنطقة دول الساحل في مكافحة الإرهاب وتمويله، ولن تدخر أي جهد لدعم جميع الدول في حربها ضد الإرهاب والتطرف، وفي مايو 2021م، أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أمام قمة مواجهة تحدي نقص تمويل إفريقيا في العاصمة الفرنسية باريس -عبر الاتصال المرئي- دعم المملكة للجهود الدولية في محاربة الجماعات الإرهابية والتطرف لكل من دول الساحل والصحراء، ومحاربة الإرهاب وتحسين القدرات الأمنية لتلك الدول، وأهمية التنمية في دول القارة الإفريقية وتعزيز الاستثمار فيها. تتكئ المملكة في ترؤسها وعضويتها للمؤتمرات ودعمها وانضمامها للتحالفات الدولية التي تستهدف آفة الشر والتشدد على تاريخ طويل في هذا المضمار، وجهود مضاعفة في تجفيف منابع الإرهاب، واجتثاث جذوره، ومنهجية وقائية استثنائية، وسجل ضخم من الإنجازات الأمنية التي سطرها رجال الأمن في إحباط الكثير من المخططات الإرهابية قبل وقوعها، ومن جهودها الدولية، بروزها كعضو استراتيجي في التحالف ضد "داعش" والاشتراك مع دول كبرى كالولايات المتحدة وإيطاليا في رئاسة مجموعة العمل التي تركز على هدف مكافحة التمويل، كما أن دورها في محاربة البنى التحتية الاقتصادية لداعش وإحباطها تدفق المقاتلين الأجانب لها يأتي في سياق التزامها بالحملة العسكرية في العراق وسورية، حيث صنفت كثاني دولة بعد الولايات المتحدة الأميركية في عدد الغارات الجوية التي قام بها التحالف الدولي في سورية، كما أنها في مقدمة الدول التي ساهمت في إعمار المناطق المحررة من براثن الجماعات التكفيرية، مما يؤكد رسوخ منهجيتها وأهمية دورها الذي لا يقتصر على الضربات العسكرية بل تقديم العون والمساعدة للدول المتضررة لتمويل مشروعات البناء والتشييد التنموي، مليارات الدولارات قدمت لمشروعات إعادة الإعمار في العراق، وتمويل الصادرات السعودية لها، ومئات الملايين لدعم جهود الاستقرار في المناطق المحررة في سورية، وتقدم المملكة بشكل دوري دعماً مالياً لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب بهدف تطوير استراتيجية مكافحة الإرهاب وتعزيز الخطط التنفيذية والأنشطة، التزاما منها واهتماما بالتصدي لهذه الآفة، وتوثيقا للشراكة الرائدة مع الأمم المتحدة، فالمملكة أكبر مساهم في إنشاء مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، الذي أسس عام 2011م، ودورها رائد في رئاسة المجلس الاستشاري للمركز، ودعم قدراته والعمل باستمرار على تعزيز التعاون متعدد الأطراف لمكافحة التطرف، ووضع خطط شاملة منها تبادل المعلومات، وإقامة الشراكات التي تركز على تطوير المشروعات والأنشطة المشتركة المتعلقة ببناء القدرات وأمن الحدود والأمن السيبراني، ومكافحة استخدام الإنترنت للأغراض الإرهابية والتصدي لتمويل الإرهاب، إضافة إلى نهجها في ثقافة السلام والحوار واستدامة العلاقات، ودعم مبادرة تحالف الحضارات ومواجهة الهجمات التي تتعرض لها أماكن العبادة في جميع أنحاء العالم، وفي مجال مكافحة الدعاية الإعلامية، أنشأت المملكة عدداً من المراكز من أجل تخفيف تأثير ماكينة داعش الإعلامية، ومنها المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف "اعتدال"، ومهمته العمل بفعالية ونشاط لمكافحة وفضح الفكر المتطرف بالتعاون مع الحكومات والمنظمات المعنية، وتقوية ثقة الشعوب والحكومات في مواجهة أعداء الإنسانية، ومكافحة الفكر المتطرف ونشر مبادئ التسامح والاعتدال ودعم فرص السلام بالعالم، وكذلك مركز الحرب الفكرية "فكر" لمواجهة جذور التطرف وتعزيز الفهم الحقيقي للإسلام وهو مركز تابع لوزارة الدفاع ويضم خبراء تقنيين ذوي خبرة واسعة من مختلف الأطياف وذلك فيما يتعلق بالموضوع المطروح لضمان أفضل النتائج. وتؤكد القيادة دوما وفي كل محفل دولي داخل المملكة وخارجها على نهج واضح وبين، يتضح ذلك جليا في كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في حفل افتتاح المؤتمر الدولي حول "قيم الوسطية والاعتدال في نصوص الكتاب والسنة"، وإعلان "وثيـقة مكة المكرمـة" الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في أواخر شهر مايو 2019م، والتي أكد فيها أن المملكة تدين كافة أشكال التطرف والعنف والإرهاب، وتواجهها بالفكر والعزم والحسم، وتشديده -أيده الله- على براءة الإسلام من الإرهاب ودعوته لأن تسود قيم العدل والسلام والتعايش بين الجميع، مشيرا إلى أن قيم الوسطية والاعتدال هي التي قامت عليها المملكة العربية السعودية، والتي لا تزال تؤكد سلامة هذا المنهج ودوره في حماية بلادنا العزيزة وتحقيق أمنها ورخائها ومنعتها في مواجهة كافة محاولات اختطاف المجتمع يميناً أو يساراً عن هذا الوسط العدل الذي جاء به ديننا الإسلامي الحنيف، مؤكدا على نقاء الشريعة الإسلامية من كل فكر دخيل عليها، إيماناً بأن الدين شرع مطهر وليس رأياً يرتجل، وأن كل رأي ليس معصوماً في المطلق، مضيفا -أيده الله-: إننا في المملكة العربية السعودية، وانطلاقاً من التزامنا بهدي الشريعة في أفقها الوسطي المعتدل، ومن مسؤوليتنا الإسلامية عن قدسية القبلة الجامعة ومهوى أفئدة المسلمين، نجدد الدعوة إلى إيقاف خطاب العنصرية والكراهية أياً كان مصدره وذريعته، كما ندعو إلى الإصغاء لصوت الحكمة والعقل، وتفعيل مفاهيم التسامح والاعتدال، مع تعزيز ثقافة التوافق والتصالح، والعمل على المشتركات الإسلامية والإنسانية، فعالم اليوم أحوج ما يكون إلى القدوة الحسنة -التي نقدمها نحن المسلمين- والتي تعمل على نشر الخير للبشرية جمعاء، تحقيقاً لرسالة ديننا حيث يقول الحق سبحانه: "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين". وفي حوارات وتصاريح وأحاديث سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- تأتي تأكيداته على القضاء على آفة التطرف والإرهاب، ففي الثاني عشر من شهر نوفمبر 2020م، قال سموه في تصريح تاريخي: إن ظاهرة الإرهاب كانت مستشرية بيننا حيث وصلنا إلى مرحلة نهدف فيها، بأفضل الأحوال، إلى التعايش مع هذه الآفة، لم يكن القضاء عليها خياراً مطروحاً من الأساس، ولا السيطرة عليها أمراً وارداً، مضيفا قدمت وعوداً في 2017م بأننا سنقضي على التطرف فوراً، وبدأنا فعلياً حملة جادة لمعالجة الأسباب والتصدي للظواهر، وخلال سنة واحدة، استطعنا أن نقضي على مشروع أيديولوجي صُنع على مدى 40 سنة، وأعلن سموه في حديث له: اليوم لم يعد التطرف مقبولاً بالسعودية، ولم يعد يظهر على السطح، بل أصبح منبوذاً ومتخفياً، متعهدا بالاستمرار في مواجهة أي مظاهر وتصرفات وأفكار متطرفة، حيث يقول سموه: إن السعوديين أثبتوا سماحتهم ونبذهم للأفكار الدخيلة عليهم من جهات خارجية تسترت بعباءة الدين، إن خطاب الكراهية هو الدافع الرئيس لتجنيد المتطرفين وإن ذلك يشمل خطاب الكراهية الذي يستخدم حرية التعبير وحقوق الإنسان كمبرر، نتوعد كل من تسول له نفسه القيام بعمل إرهابي واستغلال خطابات الكراهية بعقاب رادع ومؤلم وشديد للغاية. يشار إلى أن القمة السعودية - الإفريقية في نسختها الأولى والتي تحتضنها "الرياض" تأتي في سياق تعدد العلاقات والتحالفات والشراكات المستقبلية لمواجهة التحديات، إضافة لتنمية العلاقات السياسية والاستراتيجية وتحقيق التنمية المستدامة، وهي تؤكد مكانة المملكة دوليا، وقدرتها على توثيق الصلات وإيجاد الحلول للمشكلات التي تعاني منها دول العالم، ومع مكانتها الدينية والروحية التي جعلتها قبلة لأكثر من ملياري مسلم، فهي أيضا مقصد الشرق والغرب، فما إن تنتهي قمة حتى تتلوها أخرى، ولعل قمة أكتوبر المنصرم التي ترأسها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وجمعت دول الخليج العربي برابطة الآسيان، شاهد جلي على ذلك بقرارتها التي جاوزت 40 بندا، والتي لم تغفل مكافحة الإرهاب والتطرف ومنع الجريمة العابرة للحدود والجرائم الإلكترونية، وتعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات والثقة والتفاهم المتبادل، وزيادة احترام التنوع بما يسهم في ثقافة السلام، لقد عرفت السياسة السعودية وعلى مدى تاريخها بالحكمة والاتزان والمساندة بسخاء بعيدا عن الاصطفافات المشبوهة والشعارات الزائفة.
مشاركة :