نقطة تحول كبرى في مسيرة الصراع في المنطقة

  • 11/10/2023
  • 01:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬شنّته‭ ‬كتائب‭ ‬عز‭ ‬الدين‭ ‬القسام،‭ ‬الذراع‭ ‬العسكري‭ ‬لحركة‭ ‬حماس،‭ ‬على‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي‭ ‬أكتوبر‭ ‬وردّت‭ ‬عليه‭ ‬إسرائيل‭ ‬بحربٍ‭ ‬شاملة‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬آخر‭ ‬جولات‭ ‬الصراع‭ ‬المسلح‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الكيان،‭ ‬لكنه‭ ‬يشكل‭ ‬أهم‭ ‬نقطة‭ ‬تحوّل‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬خمسة‭ ‬عقود‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬فقد‭ ‬تصوّر‭ ‬بعضهم،‭ ‬عقب‭ ‬جولة‭ ‬القتال‭ ‬التي‭ ‬خاضها‭ ‬الجيشان‭ ‬المصري‭ ‬والسوري‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬يوم‭ ‬6‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬أن‭ ‬الإنجاز‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬حققته‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬خلالها‭ ‬يكفي‭ ‬لإقناع‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالتخلّي‭ ‬عن‭ ‬أحلامها‭ ‬التوسّعية‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬جادة‭ ‬لتسوية‭ ‬سياسية‭ ‬متوازنة،‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬انسحابها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأراضي‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬احتلتها‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬1967،‭ ‬وإقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلّة‭ ‬عاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية،‭ ‬وحل‭ ‬مشكلة‭ ‬اللاجئين‭ ‬وفقا‭ ‬لقرار‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬رقم‭ ‬149‭ ‬لسنة‭ ‬1948،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬تبنّى‭ ‬عقب‭ ‬هذه‭ ‬الجولة‭ ‬استراتيجية‭ ‬تفاوضية‭ ‬غير‭ ‬متوقّعة،‭ ‬أفضت‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬طريقٍ‭ ‬قاده‭ ‬إلى‭ ‬زيارة‭ ‬القدس‭ ‬المحتلة‭ ‬عام‭ ‬1977،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬اتفاقيتي‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭ ‬عام‭ ‬1978،‭ ‬ثم‭ ‬معاهدة‭ ‬سلام‭ ‬منفصلة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬1979،‭ ‬ما‭ ‬أدّى‭ ‬إلى‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬عربية‭ ‬غاضبة،‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬سياقها‭ ‬نقل‭ ‬مقر‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬تونس،‭ ‬وقطع‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬علاقاتها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬مصر،‭ ‬وتشكيل‭ ‬جبهة‭ ‬عربية‭ ‬مناهضة‭ ‬للنهج‭ ‬الساداتي،‭ ‬أطلقت‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬جبهة‭ ‬الصمود‭ ‬والتصدّي‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬تصور‭ ‬بعضهم‭ ‬أن‭ ‬تشكيل‭ ‬هذه‭ ‬الجبهة‭ ‬قد‭ ‬يؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬ملء‭ ‬الفراغ‭ ‬الذي‭ ‬تركه‭ ‬خروج‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬معادلة‭ ‬الصراع‭ ‬العسكري‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وربما‭ ‬إلى‭ ‬إفشال‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬سلكه‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتحقّق،‭ ‬فقد‭ ‬هبّ‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬إعصار‭ ‬سياسي‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬تداعيات‭ ‬قلبت‭ ‬كل‭ ‬الحسابات‭ ‬والمعادلات‭ ‬فيها‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬وهو‭ ‬اندلاع‭ ‬ثورة‭ ‬إسلامية‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬عام‭ ‬1979‭. ‬ومن‭ ‬المفارقات‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬السادات‭ ‬يوقع‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬على‭ ‬معاهدة‭ ‬سلام‭ ‬منفصلة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬كانت‭ ‬الثورة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬تثبت‭ ‬أقدامها،‭ ‬وكان‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬يرفع‭ ‬علم‭ ‬فلسطين‭ ‬على‭ ‬مقر‭ ‬السفارة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬طهران،‭ ‬بعد‭ ‬طرد‭ ‬السفير‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬منها،‭ ‬وتسليم‭ ‬مبناها‭ ‬إلى‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭.‬ لقد‭ ‬بدت‭ ‬المنطقة‭ ‬بأسرها‭ ‬حينئذ‭ ‬وكأنها‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬استقطابية‭ ‬حادّة‭ ‬بين‭ ‬معسكرين،‭ ‬أحدهما‭ ‬يهرول‭ ‬نحو‭ ‬التسوية،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬بالشروط‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والأمريكية،‭ ‬والآخر‭ ‬يطالب‭ ‬برفض‭ ‬مشروع‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكي‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬معسكر‭ ‬المقاومة‭ ‬بدا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬ضعيفا‭ ‬ومعزولا‭ ‬نسبيا،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬دخول‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬حربٍ‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬وانحياز‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬إليه،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الانقسام‭ ‬أدّى‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬جبهة‭ ‬الصمود‭ ‬والتصدّي،‭ ‬وأسهم‭ ‬في‭ ‬فكّ‭ ‬الحصار‭ ‬حول‭ ‬مصر،‭ ‬ما‭ ‬عمّق‭ ‬الانطباع‭ ‬لدى‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بأن‭ ‬إيران‭ ‬الثورة‭ ‬أصبحت‭ ‬خطرا‭ ‬يفوق‭ ‬خطر‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬نفسه،‭ ‬وتلك‭ ‬كلها‭ ‬عوامل‭ ‬ساعدت‭ ‬إيران،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬تغليب‭ ‬البعد‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬البعد‭ ‬العربي‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضا‭ ‬فتحت‭ ‬أمامها‭ ‬أيضا‭ ‬طريقا‭ ‬لقيادة‭ ‬معسكر‭ ‬المقاومة‭ ‬أو‭ ‬الممانعة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬جليا‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬اجتياح‭ ‬إسرائيل‭ ‬بيروت‭ ‬يوم‭ ‬6‭ ‬يونيو‭/ ‬حزيران‭ ‬عام‭ ‬1982،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬شهور‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬اغتيال‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬أكتوبر‭ ‬1981‭.‬ ‭ ‬ففي‭ ‬أعقاب‭ ‬هذا‭ ‬الاجتياح،‭ ‬قرّرت‭ ‬إيران‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬برز‭ ‬أحد‭ ‬أعمدة‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وأصبح‭ ‬تدريجيا‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬اللاعبين‭ ‬المؤثرين‭ ‬على‭ ‬الساحتين‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬فقد‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬إفشال‭ ‬الاجتياح‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لبيروت،‭ ‬حين‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬مقر‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والفرنسية،‭ ‬وأجبرها‭ ‬على‭ ‬الرحيل‭ ‬من‭ ‬لبنان،‭ ‬ونظم‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬للجنوب‭ ‬اللبناني،‭ ‬وتولى‭ ‬قيادتها،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تمكن‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬من‭ ‬تحرير‭ ‬الجنوب‭.‬ لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬المصادفة‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬انعطافة‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬وفيها،‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬ترجيح‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬يتبناه‭ ‬معسكر‭ ‬المقاومة‭ ‬على‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬يتبنّاه‭ ‬معسكر‭ ‬التسوية‭. ‬ففي‭ ‬ذلك‭ ‬العام،‭ ‬أدرك‭ ‬الزعيم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬فشل‭ ‬قمّة‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭ ‬التي‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إيهود‭ ‬باراك،‭ ‬وأشرف‭ ‬عليها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬بيل‭ ‬كلينتون،‭ ‬إن‭ ‬اتفاقية‭ ‬أوسلو‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬مسدود‭. ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬العام‭ ‬أيضا،‭ ‬ازدادت‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬اقتناعا‭ ‬بأن‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬الطريق‭ ‬الوحيد‭ ‬لتمكين‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬نيل‭ ‬حقوقه‭ ‬المشروعة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره‭ ‬وإقامة‭ ‬دولته‭ ‬المستقلة‭..‬ لم‭ ‬يكن‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬بتوقيت‭ ‬حدوثه‭ ‬وبحجم‭ ‬ما‭ ‬أنجزه‭ ‬وبحكم‭ ‬السياقات،‭ ‬المحلي‭ ‬والإقليمي‭ ‬والدولي،‭ ‬الذي‭ ‬جرى‭ ‬فيه،‭ ‬عملية‭ ‬تقليدية‭ ‬بأي‭ ‬معنى‭. ‬فمن‭ ‬حيث‭ ‬التوقيت،‭ ‬جرت‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كانت‭ ‬فيه‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬يتراجع‭ ‬اهتمامها‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتراجعت‭ ‬مركزية‭ ‬المبادرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قمّة‭ ‬بيروت‭ ‬العربية‭ ‬قد‭ ‬تبنّتها‭ ‬بالإجماع‭ ‬عام‭ ‬2002‭. ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬الإنجاز،‭ ‬نجحت‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬في‭ ‬إلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬مدهشة‭ ‬بالجيش‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬يرى‭ ‬بعضهم‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تقلّ‭ ‬تأثيرا‭ ‬عن‭ ‬الهزيمة‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬بالجيوش‭ ‬العربية‭ ‬عام‭ ‬1967‭.‬ ومن‭ ‬حيث‭ ‬السياق‭ ‬المحلي‭ ‬والإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬الذي‭ ‬وقعت‭ ‬فيه،‭ ‬يُلاحظ‭ ‬أن‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أكثر‭ ‬الحكومات‭ ‬تطرّفا‭ ‬وعنصرية‭ ‬واستفزازا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬انهيار‭ ‬تام‭ ‬للنظام‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي،‭ ‬وفي‭ ‬وقتٍ‭ ‬يمرّ‭ ‬فيه‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬بحالة‭ ‬سيولة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬تبدو‭ ‬فيها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تائهةً‭ ‬وعاجزة‭ ‬عن‭ ‬إدراك‭ ‬عمق‭ ‬ما‭ ‬يمر‭ ‬به‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬من‭ ‬تحوّلات،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬اتّسمت‭ ‬به‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬إبداع‭ ‬فصيل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلحة،‭ ‬فحركة‭ ‬حماس‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬خطة‭ ‬الخداع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬التي‭ ‬أذهلت‭ ‬العالم،‭ ‬وأجبرت‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬والاستخبارات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬التواري‭ ‬خجلا،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬اقتحمت،‭ ‬وبأكثر‭ ‬الأدوات‭ ‬بساطة‭ ‬وبدائية،‭ ‬السور‭ ‬العازل‭ ‬الذي‭ ‬شيدت‭ ‬إسرائيل‭ ‬فوقه‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬جنباته‭ ‬أرقى‭ ‬منصّات‭ ‬الرصد‭ ‬والاستشعار‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬وأكثرها‭ ‬تطوّرا،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تولت‭ ‬تنفيذ‭ ‬الشقّ‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬الهجوم‭ ‬المباغت‭ ‬الذي‭ ‬تمكنت‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬معسكرات‭ ‬ومستوطنات‭ ‬إسرائيلية،‭ ‬وبأكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬المهنية‭ ‬والاحترافية،‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬وأسر‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬العسكريين‭ ‬والمستوطنين‭ ‬في‭ ‬ست‭ ‬ساعات‭ ‬فقط‭. ‬لذا‭ ‬يمكن‭ ‬القول،‭ ‬بكل‭ ‬ثقة،‭ ‬إنه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬مقدور‭ ‬إسرائيل‭ ‬أبدا‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬دلالة‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬أو‭ ‬الحطّ‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬تأثيره‭ ‬على‭ ‬مسيرة‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬مهما‭ ‬بلغ‭ ‬حجم‭ ‬الشطط‭ ‬في‭ ‬ردود‭ ‬فعلها‭.‬ لقد‭ ‬جرف‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬معسكر‭ ‬التسويات‭ ‬المنفردة،‭ ‬ودفع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬صدارة‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬النظامين‭ ‬الدولي‭ ‬والإقليمي،‭ ‬لكنه‭ ‬وضع‭ ‬معسكر‭ ‬المقاومة‭ ‬أو‭ ‬الممانعة‭ ‬أمام‭ ‬اختبار‭ ‬صعب‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬فهو‭ ‬يدرك‭ ‬يقينا‭ ‬أن‭ ‬نجاح‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬كسر‭ ‬الحلقة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬سيغريها‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬كسر‭ ‬بقية‭ ‬الحلقات‭ ‬الواحدة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬بات‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يثبت‭ ‬بالدليل‭ ‬العملي،‭ ‬وليس‭ ‬بالشعارات،‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يسمح‭ ‬لإسرائيل‭ ‬مطلقا‭ ‬بتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تسبّب‭ ‬تدخله‭ ‬في‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬شاملة‭.‬ { أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة

مشاركة :