ظن العديد من المتتبعين والغيورين على مستقبل الكرة الأرضية أن جائحة كوفيد-19 ستحل مشكلة التغير المناخي، وستشكل رافعة لإطلاق تحرك مناخي عالمي وهادف لتقليص صافي الانبعاثات إلى العدم من خلال إجراء تحويل كامل لمختلف أنواع الصناعات وأنظمة الطاقة والنقل... ولكن لم يقع شيء من كل هذا واتجهت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى بلوغ مستويات قياسية لا يحمد عقباها. فرغم التحذيرات المتتالية التي تقوم بها المنظمات الدولية ويسطرها علماء البيئة، ورغم ما تعيشه دول من كوارث طبيعية متتالية ومتزايدة، فإن العالم لا يتعظ؛ والأدهى من ذلك أنه في الإعلانات الختامية للقمم السابقة حول المناخ نجد أن الدول الغنية تعبر عن «أسفها العميق» في فشلها في جمع مبلغ سنوي منفصل قدره 100 مليار دولار وعدت به منذ سنوات للدول الفقيرة التي تدفع ثمن الاحتباس الحراري.... وهذا الكلام يعني أن العمل العالمي المشترك فيه عطب كبير... ولهذا، فإن أملنا كبير في أن ينجح مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (كوب 28) في مدينة إكسبو دبي في الفترة الممتدة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023 في وضع لبنات تحويل الأهداف إلى وقائع ووضع خريطة طريق جادة وهادفة لإنقاذ الحياة الطبيعية فوق الأرض. وسيشهد مؤتمر «كوب 28» إجراء أول تقييم عالمي للجهود المستمرة على مدار عامين لتحديد مدى التقدم الذي أحرزته الحكومات المعنية في تنفيذ خطط العمل المناخي لمواجهة الاحتباس الحراري والقضايا البيئية الأخرى ذات الأولوية القصوى. ونحن نعلم أن هناك سياسات وطنية وسياسات عمومية تبنتها دول مثل المغرب والإمارات في مجال محاربة التلوث، والسيطرة على الاحتباس الحراري، وذلك بالاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة والوعي التراكمي لدى الناس، وهي يمكن أن تعتمد كمرجع لإنقاذ ما يجب إنقاذه، وقد تدفع لا محالة دولا أخرى لتتبع نفس المسار... ثم إنه كل مرة نسمع من الدول المستضيفة لهاته القمم جملا متشابهة يتناقلها الأولون والآخرون من قبيل أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه هو «اتفاق تاريخي» «وخطوة كبيرة إلى الأمام» وهي طبعا كلمات خاوية على عروشها أو لنقل هي كلمات دبلوماسية خالية من الحقيقة ولا تصف الواقع كما هو. وإنه من بين الأولويات اليوم التخلص من 51 مليار طن من غازات الاحتباس الحراري التي تُضاف إلى الغلاف الجوي سنويًا، وصولًا إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050؛ وهاته بالنسبة لي مسألة مصيرية لإنقاذ حياة الإنسان والحيوان والنبات. والانبعاثات تتكون انطلاقا من مصادر معلومة؛ لذا فاستخدام مصادر الطاقة المتجددة وتقليل الوقود الأحفوري من شأنه أن يمثل نحو 27 % من الانخفاضات المطلوبة، علاوة على تغيير طرق تصنيع السلع، الذي قد يحقق انخفاضات بمقدار 31 %؛ كما يمكن أن يساهم تغيير طرق زراعة المحاصيل الغذائية، وتقليل السفر، والحفاظ على المباني دافئة أو باردة، في خفض الانبعاثات بنحو 18 % و16 % و6 % على التوالي... إن ذكاء بعض الحكومات ورغبة العقلاء من أهل الأرض لوضع سياسات عمومية داخلية واقعية وهادفة في مجال محاربة التلوث، هي السبيل الوحيد لإنقاذ ما يجب إنقاذه، وقد تكون سياسات هاته الدول عجلة محركة لباقي الدول نحو المستقبل المنشود. عندما بدأ النظام العالمي يخاف من انتشار القنبلة الذرية والأسلحة النووية، فرضت تعهدات ملزمة قانونا؛ ولعل أهم مبادئها، هي تلك التي حددتها معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهي التي تم التفاوض بشأنها عام 1968، وأبرمت وقتئذ؛ تأسيسا على تفاهمين محوريين اثنين: تعهد الدول المالكة للقنبلة بالتخلي عنها، وتعهد الدول غير المالكة لها بمواصلة الامتناع عن امتلاكها. المهم أن ذلك إعطى أكله ولم تدخل إلى مصاف الدول التي تمتلك الأسلحة النووية بعد ذلك التاريخ إلا دول قليلة وكان ذلك على حساب شعوبها؛ ويبقى في نظري أن نقيس أخطار صناعة الأسلحة الفتاكة مع ما يقوم به البشر من أعمال تخريبية في حق المناخ؛ فكلا العملان طامة كبرى على البشر وكلاهما يحتاجان إلى نفس التخوف لإزالة المشكل من الجذور... فلو استطاعت البشرية أن تفكر بهذا المنظور لأصبحت تنفيذ الاتفاقيات الدولية في مسألة المناخ مسألة إجبارية ولأوصلنا الأجيال المقبلة إلى بر الأمان.
مشاركة :