يشكل الاقتصاد الهندي أحد عوامل النمو المشرقة في العالم، إذ نما ناتجه بمعدل 7.3 في المئة عام 2015، مسجلاً تسارعاً طفيفاً مقارنة بعام 2014، ويُتوقع أن يشهد نمواً على نطاق أوسع خلال العام الحالي. وتوقّع صندوق النقد الدولي نموّه بنسبة 7.3 و7.5 خلال السنتين الماليتين 2015-2016 و2016-2017 على التوالي، علماً أنّ السنة المالية تبدأ في نيسان (أبريل) وتنتهي في آذار (مارس) من كل سنة. وأكد الخبير الاقتصادي في شركة «آسيا للاستثمار» جوردي روف في تقرير أن «الموازنة المالية الأخيرة للهند تشير ضمناً إلى إمكان تحقيق نمو نسبته 7.3 و7.7 خلال الفترة المذكورة». وأضاف: «على رغم أن الاقتصاد الهندي سيتفوّق على نظرائه، حيثُ يتسارع نموه من حيثُ القيمة الحقيقية خلال الفترات المالية المقبلة مدفوعاً بنمو الاستهلاك والاستثمار، إلاّ أنّه سيكون محاطاً ببعض الأخطار». ولفت إلى «3 عوامل رئيسة من شأنها أن تؤدي إلى عدم استقرار الأسعار وتعرقل نمو الاقتصاد في الهند، فضلاً عن تراجع الاستثمارات وخلق ضعف في الموازنات العامة». وعلى رغم أنّ التضخم يبدو تحت السيطرة، إلاّ أنّ التطورات الأخيرة تعتمد على انخفاض تضخم أسعار الغذاء وعلى أسعار الوقود، وبما أنّ من شأن الظروف الاقتصادية المتقلبة وارتفاع أسعار النفط في الخارج أن يؤججا الضغوط التضخمية، اضطر البنك المركزي إلى زيادة أسعار الفائدة، والحكومة إلى زيادة الإنفاق على الدعم. وأضاف روف: «بإمكان الجمود السياسي الذي ما زال يعيق تنفيذ الإصلاحات الأساس أن يضرّ بالنمو، إذ يمكن أن يفقد المستثمرون ثقتهم في تنفيذ الإصلاحات الموعودة». وارتفع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي خلال السنوات الماضية من 1.108 تريليون روبية (نحو 16 بليون دولار) عام 2011 إلى 2.112 تريليون روبية خلال السنة المالية الماضية، بالتزامن مع النمو الاقتصادي. وفي حال تراجع زخم الإصلاحات الموعودة في الهند، فقد يضر ذلك بالاستثمار الأجنبي المباشر والنشاط الاقتصادي. وحذر صندوق النقد الدولي من جودة الأصول وانخفاض نسب رؤوس أموال المصارف الهندية الحكومية، ما قد يؤدي إلى عجز في جودة الإقراض وعدم الاستقرار المالي. وأضاف التقرير أن «موازنة السنة المالية 2016-2017 تنبئ بإمكان حدوث هذه الأخطار المحتملة، وليس المقصود من التركيز على القطاع الريفي فقط تحسين سُبل العيش للمناطق الضعيفة اقتصادياً، بل أيضا تأمين الإمدادات الغذائية والسيطرة على الأسعار». ولفت إلى أن «المشاريع، مثل نظم الري ومرافق تخزين المواد الغذائية وشبكات الطرق الريفية، نوقشت بالتفصيل ضمن خطط التطوير، بحيثُ يُمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على استقرار الأسعار مستقبلاً». وإلى جانب قضايا القطاع الريفي، لا يزال قطاعا الطاقة والاتصالات يمثلان الجزء الأكبر من الموازنة بنسبة 29.2 و34.5 في المئة، ومن شأن الإنفاق على الاستثمار في هذه القطاعات أن يساهم في زيادة ثقة المستثمرين. وإضافة إلى ذلك، تتضمن الموازنة المالية تخصيص 250 بليون روبية، أي 11 في المئة من إجمالي موجودات المصارف التجارية، للمصارف الحكومية لتعزيز موازناتها العمومية. وأكدت الحكومة الالتزام بإدراج الشركات الحكومية في البورصة، ما يوفر فائضاً في رأس المال ويحسّن حوكمة الشركات. وأضاف روف: «على رغم مساهمة الموازنة الهندية في الحد من الأخطار السلبية الكبيرة، إلاّ أن إصدارها الأخير لم يخل من الانتقادات والشكوك، إذ يشكك الكثير في حجم التفاؤل المناط بهذه الموازنة، لا سيما التطلع إلى تحقيق نمو اسمي للناتج المحلي الإجمالي بمعدل 10.8 في المئة وبلوغ أسعار النفط 42 دولاراً للبرميل». ولفت إلى أن «تراجع النمو قد يعكس انخفاض الإيرادات من الضرائب وزيادة تلقائية في العجز، ومن شأن ارتفاع أسعار النفط زيادة التكاليف السياسية لفرض الضرائب الجديدة على البنزين والديزل، وزيادة فاتورة دعم الطاقة». وفي حال عدم تحقّق هذا الفرضيات، فإنّ التطلّع إلى خفض عجز الموازنة من 3.9 إلى 3.5 في المئة سيكون بعيد المنال، وستتدهور الاستدامة المالية على رغم عدم وجود تهديد مباشر.
مشاركة :