ياسر رشاد - القاهرة - أكد وزير المالية السعودى محمد بن عبدالله الجدعان، أن علاقة المملكة بالقارة الأفريقية لا يحكمها قرب الموقعِ الجغرافي فقط، بل شراكه يجمعهما تاريخ ومصير مشترك، مشيراً إلى أن أصول التجارة بين المملكة وأفريقيا تعود إلى العصورِ القديمة، حين اعتمد التجار في الجزيرة العربية على طرقِ التجارة إلى أفريقيا، وظلت السعودية سوقاً نشطة للسلعِ الأفريقية على مدى قرونٍ، مما منح الجانبين تاريخا مشتركاً يجاوز الروابط الاقتصادية. جاء ذلك في كلمة الوزير فى افتتاح المؤتمر الاقتصادي السعودي العربي الأفريقي، الذي عقد على هامش القمة السعودية الأفريقيه واختتم أعماله أمس بمشاركة القادة وصناع القرار ونخبة من المسؤولين في السعودية والدول العربية والأفريقية، وقادة المال والأعمال والاستثمار من القطاعين الحكومي والخاص، والاتحادات التجارية، والمنظمات الدولية، والشخصيات البارزة في الأوساط الأكاديمية ومراكز الفكر. وأشار "الجدعان" إلى أن عالمنا اليوم يمر بتحول اقتصادي كبير، حيث نشهد ظهور تقنيات مبتكرة، وتحولا إلى قطاعات اقتصادية جديدة، وإعادة تصور سلاسل الإمداد العالمية، مبيناً أن هذه التحولات تفتح آفاقاً جديدة للتعاونِ الاقتصادي والتنمية المشتركة بين المملكة العربية السعودية ومختلف دول القارة الأفريقية، فى ظل الممكنات الموجودة في الجانبين، من موارد طبيعية، وموقع جغرافي مميز، وقوى بشرية شابة، لافتاً إلى أن لدى المملكة والقارة الأفريقية أوجه تشابه في الثقافة والتضاريس الجغرافية، وقواسم مشتركة بين الشعوب، مؤكدا أن هذه الروابط تعزز من التفاهمِ المشترك وترسخ لعلاقات وطيدةٍ بين المجتمعين. وقال "الجدعان" : في ظل التحديات الكبرى التي يشهدها الاقتصاد العالمي، فإننا نؤمن إيماناً تاماً بأن للقارة الأفريقية دور مهم في التعامل مع هذه التحديات، مبيناً أن المملكة كانت من أوائلِ الدول المطالبة بانضمام الاتحاد الأفريقي إلى العضوية الدائمة بمجموعة العشرين، إضافة إلى دعمها حالياً استحداث مقعد إضافي لأفريقيا في المجلس التنفيذي لصندوقِ النقد الدولي، لتعزيز صوت القارة الأفريقية في المحافل الدولية، مؤكداً أن ذلك يأتي إدراكاً من المملكة لقيمة وجهات النظرِ المختلفة في تشكيلِ السياسات العالمية، وإيماناً بأن صوت أفريقيا مهم في جميع المحافل الدولية. واستعرض وزير المالية الشراكات القوية والمتنامية مع أفريقيا، موضحاً أن المملكة دأبت على عقد الشراكات المهمة مع الكيانات الأفريقية بغية التوسعِ في عددٍ من القطاعات، منها قطاعات الطاقة والتعدينِ والزراعة وغيرها الكثير، لافتاً إلى أن المملكة تعتبر أفريقيا شريكاً تجارياً ووجهةً استثماريةً رئيسية، مشيراً إلى عمل الهيئة العامة للموانئِ في المملكة على تعزيزِ حركة السفنِ في البحرِ الأحمرِ، والربط بمختلف الموانئِ الأفريقية؛ وبذل المملكة لجهود مماثلة فيما يخص الوجهات والخطوط الجوية. وأوضح أن المملكة أطلقت مؤخراً برنامجاً يهدف إلى تيسيرِ التجارة في الخدمات بينها وبين أفريقيا والتوسعِ فيها، وذلك في إطارِ التعاونِ مع المنتدى الاقتصادي العالمي، مبيناً أن هذه المبادرة تستهدف التكامل الإقليمي الذي يمثل مجالاً من مجالات النمو غيرِ المستغلِ، لافتا إلى أنه لطالما كان الصندوق السعودي للتنمية شريكاً طويل الأمد لأفريقيا في سياقِ التنميةِ العامة، منوهاً بدور الصندوق المهم في تمويلِ البنية التحتية الأساسية كالطرقِ والسدود والمستشفيات والمدارس، ودعم ما يزيد على 400 مشروعٍ في القارة الأفريقية، بالإضافة إلى توقيع اتفاقيات اتفاقيات مع عدد من الدول الأفريقية خلال الساعات الماضيه لتنفيذ مشروعات تنموية تُقدّر قيمتها بأكثرِ من ملياري ريال سعودي؛ وأعلن انضمام مؤسسات التنمية التابعة لمجموعة التنسيقِ العربية والتي ستعلن عن برامجها التمويلية لدعم التنمية المستدامة الأفريقية، مشيراً إلى أن مكاسب هذه الشراكات لن تعود بالنفع على المملكة والقارة الأفريقية فحسب، بل على بقية العالم أيضاً. وأشار إلى أن القدرة على تحملِ عبء الديونِ من أكبرِ التحديات التي تواجه العديد من الدول في قارة أفريقيا، وقال: "قطعنا بحمد الله شوطاً في مواجهة تحديات الديونِ الأفريقية من خلالِ مبادرتي تعليقِ مدفوعات خدمة الدينِ والإطارِ المشترك لمجموعةِ العشرين اللتينِ تم إطلاقهما خلال رئاسة المملكة العربية السعودية للمجموعة في 2020م، واللتين ساهمتا في تقديم الدعم لعدد من الدول في معالجة الديون من خلال الإطار المشترك للمجموعة، ولا يزال العمل جارياً لتوسيع الدعم لدول أخرى في القارة، مبينا أن تشاد وزامبيا تلقتا الدعم في معالجة الديونِ من خلال الإطار المشترك للمجموعة، بالإضافة إلى إجراء اتصالات حالياً مع مجموعة الدائنين لدعم غانا وإثيوبيا ودول أخرى". وشهد المؤتمر توقيع أكثر من 50 اتفاقية تعاون مشترك بين القطاعات الحكومية والخاصة السعودية والعربية والأفريقية، بما من شأنه المساهمة في الاستثمار بالبنية التحتية الأفريقية والارتقاء باقتصاد القارة؛ نظير ما تحويه من فرص استثمارية ناضجة ومرتقبة. كما أعلنت مجموعة التنسيق العربية عن تخصيص ٥٠ مليار دولار لدعم التنمية في الدول الأفريقية. تضمن المؤتمر عقد 7 جلسات اقتصادية ، بدأت الجلسة الأولى بعنوان: "الوصول إلى الطاقة: بناء شراكات طاقة مستدامة"، حيث ناقشت تعزيـز الشـراكات بيـن المملكـة وأفريقيا فـي قطـاع الطاقـة لتسـريع التنميـة المسـتدامة؛ فيما سلطت الجلسة الثانية التي عقدت بعنوان "الاستثمار في المستقبل" الضوء على أهمية الجهود المشتركة بين المملكة وأفريقيا لدفع مستقبل اقتصادي مستدام. وقدم المؤتمر في جلسته الثالثة التي عقدت بعنوان "تعزيز أطر التعاون لضمان الأمن الغذائي للمنطقة والعالم" منظوراً شاملاً للمشهد الزراعي وإمكانياته وتحدياته والأمـن الغذائي فـي المملكة وأفريقيا؛ وخلال الجلسة الرابعة التي عقدت بعنوان "رأس المال البشري — مفتاح النمو الاقتصادي" ناقش المؤتمر أهمية المعرفة والمهارات والقدرات لدى الشباب في النمو الاقتصادي وأثرها على زيادة الإنتاجية وارتفاع مستوى الدخل. كما ناقش المؤتمر مشهد قطاع التعديـن وتحدياتـه وفرص التعاون والنمو بين المملكة والقارة الأفريقية خلال الجلسة الخامسة التي عقدت بعنوان "جيل جديد من الصناعات التعدينية المسؤولة والمستدامة"؛ في حين بحثت الجلسة السادسة التي جاءت بعنوان "إعادة تصور السياحة: وجهات جديدة تثري خارطة السياحة العالمية"، تعزيـز التعـاون فـي قطـاع السـياحة بيـن المملكـة وأفريقيا، مـع اسـتعراض مبـادرات السـياحة فيهمـا والتحديـات التـي تواجهها. في حين استعرضت الجلسة السابعة التي عقدت بعنوان "خارطة الطريق للتعاون في مجال التنمية المستدامة" الـدور المحـوري لمؤسسات وبنوك وصناديق التنمية السـعودية والعربية في رسـم مستقبل أفريقيا المستدام والمزدهر.
مشاركة :