مقالة خاصة: مبادرات شبابية ترفيهية للتخفيف من الضغوط النفسية على الأطفال الفلسطينيين وسط احتدام الحرب في غزة

  • 11/10/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أطلقت مجموعات شبابية ناشطة بالصحة النفسية مبادرات لتنظيم أنشطة ترفيهية لعشرات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين النازحين بهدف التخفيف من الضغوط النفسية التي يتعرضون لها يوميا في ظل احتدام الحرب بالقطاع المحاصر منذ أكثر من شهر. وتتنقل المجموعات الشبابية على مدار الأسبوع بين المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) وساحات المستشفيات التي تحولت إلى مراكز إيواء للأسر النازحة لتقديم فقراتها الترفيهية للأطفال المتواجدين هناك. وينشغل محمد العمصي، وهو ناشط شبابي في جمعية المستقبل الشبابي بمدينة غزة مع مجموعة من رفاقه لثلاث ساعات يوميا في تقديم عروض ترفيهية متنوعة للأطفال، من بينها الرسم والدبكة والغناء وفقرات خاصة بالمهرجين وأخرى تتعلق بسرد القصص للأطفال. ويقول العمصي لوكالة أنباء ((شينخوا)) "للأسف الشديد، عادة ما يكون الأطفال هم الأكثر تضررا من الحروب التي يتعرض لها قطاع غزة، خاصة وأن نسبة كبيرة منهم ما زالوا يعانون من اضطرابات نفسية متراكمة من الحروب السابقة". ويضيف العمصي "لكن هذه الحرب هي الأسوأ على الإطلاق ليس فقط على الأطفال ولكن أيضا على الكبار في ظل ارتكاب الجيش الإسرائيلي مجازر ضد عائلات بأكملها وضد المدنيين وشكل الأطفال نسبة كبيرة من الضحايا". وبالتالي يبقى الأطفال "أسرى مخاوفهم وهواجس الموت طوال الوقت، وهذا ما ينعكس سلبا على تصرفاتهم وسلوكياتهم اليومية، ومن بينها التبول اللاإرادي والانطواء وردات الفعل غير المتوقعة من بعضهم، في حين أن آخرين يصبحون أكثر عنفا عما كانوا عليه قبيل الحرب"، وفق العمصي. لذلك، يعتقد الشاب الفلسطيني أن إطلاق مبادرات تطوعية لتنظيم فعاليات ترفيهية للأطفال من شأنها التخفيف من ضغوطهم النفسية، بالإضافة إلى إخبارهم بطريقة غير مباشرة بأنهم ليسوا وحدهم في هذا العالم وبأن هناك آخرين يهتمون لأمرهم. وعلى مقربة من العمصي، انشغلت هبة الريس، وهي ناشطة اجتماعية في تنظيم مسابقة ركض لمجموعة من الفتيات وسط تشجيع الحاضرين لهم بالتصفيق ودعمهم معنويا. وتقول الريس إن "تشجيع الأطفال على ممارسة أنشطة رياضية متنوعة من شأنها مساعدتهم على التخلص من الطاقة السلبية التي سيطرت عليهم بسبب الحرب والفقر والخوف في هذه الأوقات الحرجة التي لا يستطيع أي شخص التنبؤ فيها بما سيجري بعد لحظات". وتضيف "صحيح أن هدف مبادراتنا الشبابية هي الترفيه عن الأطفال، ولكن هذه الفعاليات تساعدنا نحن أيضا كناشطين على التخفيف من ضغوطنا النفسية، خاصة وأن الجميع هنا يعيش نفس المأساة ونتشارك جميعا نفس الكوارث التي تخلفها الآليات الحربية الإسرائيلية". ولعل من أهم الانجازات التي تفتخر بها الريس أنها تمكنت أخيرا من إقناع الطفلة جنى عياد من مدينة غزة من التحرر من حضن والدتها والانضمام إلى مجموعة من الأطفال للمشاركة في مسابقة الركض التي تشرف عليها. وتقول عياد البالغة من العمر (12 عاما) بينما بدت على وجهها علامات القلق والخوف إنها "طوال الوقت تشعر بأنها ستموت بأي لحظة مع عائلتها في حال تم استهداف المدرسة التي يلجأون إليها حاليا". وتضيف إسرائيل "قصفت بيتنا وشردت وقتلت جيراننا وصديقاتي (...) لم يبق لي شيء في هذه الحياة. لا شك أنهم سيقتلونني مع عائلتي في أي لحظة". ورغم مخاوف الطفلة عياد، إلا أنه بفضل الأنشطة الترفيهية تمكنت من تكوين صداقات جديدة مع عدد من الفتيات وأصبحت أكثر تفاعلا معهن، على حد قول والدتها سوزان عياد. وتشتكي سوزان (39 عاما) وهي أم لأربعة أطفال من أن جميع أطفالها أصبحوا يعانون من التبول اللاإرادي ليس فقط في الليل ولكن أيضا في النهار خاصة في حال سمعوا أصوات قصف قريبة من المدرسة. وتقول "للأسف إن الحرب الاسرائيلية لا تفرق بين طفل وكبير ولا بين مدني وعسكري". ويعاني سكان قطاع غزة الذي يقطن فيه أكثر من 2.3 مليون شخص من استمرار الحرب الإسرائيلية على الجيب الساحلي منذ أكثر من شهر والتي أدت إلى تدمير آلاف المباني وقتل 10818 شخصا غالبيتهم من الأطفال والنساء، بحسب وزارة الصحة في غزة. من جانبه، يقول الخبير النفسي بغزة فضل أبو هين إن الحرب الراهنة ستخلف تداعيات نفسية فادحة على كافة مواطني قطاع غزة بيد أن الفئات الأكثر تضررًا وعلى رأسهم الأطفال ستكون الصدمات بالنسبة لهم أكثر قسوة. ويضيف أبو هين لـ(شينخوا) "إن الأثر النفسي للنزاعات والحروب تختلف من شخص لآخر، فالبعض يصاب بأمراض نفسية كالاكتئاب أو الوسواس القهري، وآخرون يصبحون أكثر عدائية تجاه الحياة بشكل عام وتجاه المقربين منهم بشكل خاص". ويتابع "أن مشاهد القتل والدماء والأشلاء والدمار تؤدي لاضطرابات نفسية بالغة، كما تترك ذكريات صعبة لا تُمحى بسهولة من ذاكرة تلك الأجيال، خاصة في حال وفاة شخص قريب منهم". ويشيد أبو هين بأهمية المبادرات المحلية للتخفيف من وطأة الاضطرابات النفسية على الأطفال، خاصة وأن القائمين عليها هم أيضا يتعرضون لضغوط نفسية، مشيرا إلى ضرورة تبني خطة استراتيجية بعد الحرب من أجل علاج الناجين ليس فقط جسديا ولكن أيضا نفسيا.■

مشاركة :