هل تتقلَّب في فراشك ساعات طويلة إلى أن تنام متأخرًا؟ هل تُواجِه صعوبةً دومًا في الاستيقاظ مبكرًا من النوم؟ هذا ليس الأرق الذي تعرفه. إن تكرَّر هذا الأمر على مدار الأيام، فثمّة اضطراب طور النوم المتأخر الذي تضطرب معه الساعة البيولوجية للإنسان، ما يُؤخِّر موعد نومه واستيقاظه أيضًا، بل يُؤثِّر في قدرته على أداء أنشطته اليومية بكفاءة، فكيف تتجنَّب هذا الاضطراب؟ اضطراب مزمن في إيقاع الساعة البيولوجية، يدفع المرء إلى النوم متأخرًا، وكذلك الاستيقاظ في وقتٍ متأخر، ويُواجِه هؤلاء الناس صعوبةً في أداء أنشطتهم اليومية؛ بسبب هذا الاضطراب. تشمل أهم أعراض اضطراب طور النوم المتأخر ما يلي: يُواجِه كثيرٌ من الناس مشقّة في النوم قبل الساعة 1 صباحًا، فحتى لو ذهبت إلى الفراش كل ليلة في وقت النوم المُفترض، تجد الساعات تمرّ دون أن تنام فعليًا، وقد تجد نفسك بدأت في قراءة كتابٍ ما، أو تتصفَّح وسائل التواصل الاجتماعي، أو تفعل أي نشاطٍ غير النوم، وهذه الصعوبة في الدخول في النوم من السمات البارزة لاضطراب طور النوم المتأخر. بما أنَّك غير قادرٍ على النوم باكرًا، وتفوت منك الساعات دون نوم، فالاستيقاظ المتأخر نتيجة حتمية، وقد يجد المُصابُون باضطراب طور النوم المتأخر معاناة في الالتزام بجدولٍ ثابت لأوقات النوم والاستيقاظ كالنوم بين الساعة 9 مساءً إلى 5 صباحًا. إذا نمت متأخرًا بالليل، ثُمَّ استيقظت مبكرًا في الصباح، ولم يُحصِّل الجسم بعد كفايته من الراحة، فسيُحاوِل تعويض هذا النقص خلال النهار، ومِنْ ثَمَّ يُهاجِمك النعاس من كل اتجاهٍ في النهار، بل قد تشعر بتعبٍ شديد وعدم القدرة على أداء أنشطتك المعتادة، وفي بعض الأحيان قد تنام خلال ساعات العمل. تسمح العطلات للإنسان بالنوم قدر وُسعه، ومِنْ ثَمَّ ينتعش الجسم ويشعر المرء بتحسُّن ملحوظ في نشاطه في أيام العطلات دون غيرها من الأيام، والسبب في ذلك حصول الجسم على كفايته من النوم، حتى لو كان الاستيقاظ متأخرًا أو بعد الظهر. لم يُعرَف بعد السبب الحقيقي وراء اضطراب طور النوم المتأخر، لكن قد يُسهِم وجود بعض العوامل في الإصابة بهذا الاضطراب، مثل: تنتظم الساعة البيولوجية ودورة النوم والاستيقاظ تحت تأثير بعض الهرمونات، مثل الميلاتونين والكورتيزول، وقد يُؤدِّي اختلال التوازن بين هذه الهرمونات إلى اضطراب طور النوم المتأخر. اقرأ أيضًا:كل ما تحتاج إلى معرفته عن جهاز دودو Dodow للنوم السريع تزداد فرص الإصابة باضطراب طور النوم المتأخر مع سابق معاناة أحد الأقارب منها قبل ذلك، إذ إن نحو 40% من المُصابِين بهذا الاضطراب، سبقت إصابة أحد أقاربهم به، ومِنْ ثَمَّ يُظنّ أنَّ للجينات دورًا في وقوع هذه المشكلة واضطراب إيقاع الساعة البيولوجية. تتغيَّر الساعة البيولوجية مع المراهقة والولوج في طور البلوغ؛ إذ تُصبِح دورة نوم الجسم على مدار 24 ساعة أطول من ذي قبل، ما يُؤخِّر أوقات النوم والاستيقاظ، وهذا التغيُّر طبيعي مع مرحلة البلوغ، لكنّه قد يُؤثِّر على قدرتهم على إنجاز المهام اليومية سواء كانت في المدرسة أو العمل. وهذا الاضطراب غير مقصور على فترة المراهقة، بل قد يمتد إلى ما بعد البلوغ أيضًا لدى بعض الناس. يُصِيب اضطراب طور النوم المتأخر نحو 10% من الناس الذين يُعانُون الأرق المزمن، ما يجعله أحد الأسباب المُحتملة لهذا الاضطراب. يصير اضطراب طور النوم المتأخر داءً ملازمًا للإنسان ما لم يُحاوِل الانخراط في عاداتٍ تساعده على النوم، أمَّا الاستمرار في ممارسة عاداتٍ تضرّ النوم، فقد يزيد وطأة الاضطراب عليه، مثل التعرُّض للضوء خلال الليل، أو عدم التعرُّض للضوء خلال النهار، أو النظر إلى الشاشات الإلكترونية قبل النوم مباشرةً. تزداد فرص الإصابة باضطراب طور النوم المتأخر تزامنًا مع المعاناة من بعض الاضطرابات، مثل الاكتئاب والقلق؛ لأنَّها تُؤثِّر سلبًا في دورة النوم والاستيقاظ الطبيعية لدى الإنسان. أيضًا قد تُسبِّب بعض الأمراض العصبية هذا الاضطراب، مثل التوحّد، اضطراب النشاط الزائد وقصور الانتباه، أو اضطراب الوسواس القهري. اقرأ أيضًا:ما أطول فترة يمكن أن يقضيها الإنسان دون نوم؟ لا تستهِن أبدًا بهذا الاضطراب الذي يجعلك تنام متأخرًا، ولا تستطيع الاستيقاظ باكرًا، فالجسم في حالة اتزانٍ على الدوام، وهذا الخلل في النوم والاستيقاظ يُذهِب هذا الاتزان في مهبّ الريح، ويُشعِل أجراس الإنذار بشأن صحة الجسم المُهدّدة من كل النواحي: يتسبَّب الحرمان من النوم إثر هذا الاضطراب في زيادة خطر الإصابة ببعض الأمراض، مثل: كما يزيد أيضًا خطر التعرُّض لإصاباتٍ جسدية، بل حتى الوفاة الناجمة عن السقوط أو حوادث أماكن العمل؛ إذ إنَّ الإنسان تركيزه منخفض وقدرته على أداء العمل مُتدنّية، ومِنْ ثَمَّ فقد يكون مُعرَّضًا لكثيرٍ من المشكلات التي تُودِي بصحته. تُؤدِّي قلة النوم على الدوام إلى اضطراب الصحة النفسية، وبروز ذلك في الأعراض الآتية: وقد أقرَّت مراجعة العام 2018 وجود رابطٍ بين اضطراب طور النوم المتأخر واضطرابات الصحة النفسية؛ إذ إنَّ 70% من المُصابِين بذلك الاضطراب يُعانُون اضطرابات نفسية، مثل الاكتئاب أو اضطراب ثنائي القطب. هذه التأثيرات البالغة في الصحة الجسدية والنفسية ستُصِيب الحياة الشخصية في مقتلٍ حتمًا، خاصةً أنَّ المرء يُعانِي إجهادًا على الدوام، ورغبة مُلحّة في النوم خلال النهار، ومِنْ ثَمَّ فقد يقع في بعض المشكلات، مثل: اقرأ أيضًا:لماذا لا نتذكر أحلامنا عند الاستيقاظ من النوم؟ تُساعِد بعض الطرق في التغلب على اضطراب طور النوم المتأخر أو حتى التأقلم معه، مثل: تُعدّ علاجًا سلوكيًا يتضمَّن تغيير وقت النوم ووقت الاستيقاظ تدريجيًا عبر تبكير موعد النوم قليلًا كل يوم إلى أن يُحقِّق المرء دورة نوم واستيقاظ منتظمة في موعدها. الميلاتونين هو الهرمون الذي يُفرِزه الجسم للتحكُّم في وظائف النوم والاستيقاظ، ويزداد إفرازه خلال الليل مع عدم تعرُّض الإنسان للضوء، وقد تساعد مكملات الميلاتونين في تنظيم دورة النوم والاستيقاظ، وتغيير الساعة البيولوجية بما يُعِين المرء على النوم في النهاية في موعده دون أن يُعانِي اضطراب طور النوم المتأخر. العلاج بالضوء الساطع وسيلة فعَّالة لاستعادة الساعة البيولوجية للإنسان، وتعتمد فقط على تعرُّض المرء للضوء الساطع في النهار بعد الاستيقاظ من النوم مباشرةً، وفي الليل يتجنَّب أي أضواءٍ ساطعة خارج المنزل، خاصةً مع اقتراب موعد النوم. هذا عسير في الواقع، فقد أثبتت الدراسات أنَّ هذا الاضطراب ناجم عن تداخل عديد من العوامل، مثل الجينات واضطراب الساعة البيولوجية، ما يُفضِي إلى اضطراب نمط النوم الطبيعي، وتهدف الخيارات العلاجية على اختلاف أشكالها إلى إعادة ضبط الساعة البيولوجية وتخفيف وطأة أعراض اضطراب طور النوم المتأخر.
مشاركة :