مقالة خاصة: مبادرات مجتمعية لطهي الطعام وتقديمه مجانا للنازحين في غزة وسط اشتداد الحرب

  • 11/11/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

مع بزوغ فجر كل يوم، يسارع الفلسطيني محمد طافش في حي الزيتون جنوب مدينة غزة للتحضير لإشعال مواقد نار ضخمة لطهي كميات كبيرة من الطعام للنازحين في منطقته المكتظة أصلا بالسكان لعله يساعدهم على سد جوعهم وسط اشتداد الحرب في القطاع الساحلي المحاصر. ويشارك طافش البالغ من العمر (50 عاما) العشرات من جيرانه في إعداد الطعام لمن وصفوهم "بالضيوف المساكين"، وسط تعالي أصوات الرصاص والانفجارات في المنطقة جراء احتدام المعارك العسكرية بين الجيش الإسرائيلي ومقاتلين فلسطينيين مسلحين يتبعون لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وفصائل فلسطينية أخرى. ويقول طافش، وهو أب لسبعة أبناء، لوكالة أنباء ((شينخوا))، بينما كان يحرك بمغرفة كبيرة حبوب الفاصوليا البيضاء "لقد تركنا وحدنا في هذه المعركة التي لا شأن لنا فيها، فنحن نواجه الموت إما قتلا من خلال الغارات الإسرائيلية أو جوعا في ظل تفشي الفقر بين الجميع (وأنا أقصد هنا الغني والفقير) في ظل نفاد السلع الغذائية في القطاع". ويشهد الجزء الجنوبي من حي الزيتون في غزة "معارك ضارية "بين الجيش والمقاتلين الفلسطينيين وسط دعوات إسرائيلية للسكان المحليين بضرورة إخلاء مدينة غزة وشمالها لأنها "مناطق معارك ولا أحد فيها محصن من الموت"، على حد قول الناطق باسم الجيش الإسرائيلي. إلا أن طافش وأقاربه وجيرانه يؤمنون بأن "لا مكان آمن في القطاع، خاصة وأن نسبة كبيرة من الضحايا تم تسجيلها في المناطق الجنوبية من القطاع"، وفق ما قال، مضيفا "لذلك لا سبيل أمامنا سوى الصمود في بيوتنا والتعايش مع الحد الأدنى من متطلبات الحياة التي نمتلكها". ويشرح طافش قائلا "صحيح أننا نطهو الطعام ولكننا أيضا نعزز التكاتف المجتمعي فيما بيننا خاصة في نفوس أطفالنا الذي يتجمعون حولنا ويشاركون في عمليات التوزيع ويتبادلون الحديث مع الكثير من سكان الحي للتخفيف ولو قليلا من خوفهم من أصوات الانفجارات التي لا تتوقف ثانية واحدة". ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة لمحمد أبو رجيلة من مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة الذي يسارع مع جيرانه للتحضير لإعداد ما يزيد عن 3000 وجبة يومية للنازحين إلى مدارس الأونروا في المنطقة الشرقية من مدينته. ويقول أبو رجيلة البالغ من العمر (45 عاما)، وهو أب لسبعة أبناء إن "الناس هربوا من الموت دون أن يتمكنوا من أخذ أي شيء معهم، لا مال ولا ملابس ولا حتى الحد الأدنى من الطعام الذي قد يكفيهم لأيام معدودة". ويضيف "إنهم (النازحين) مكلومون ليس بيدهم حيلة ولا قوة سوى المحاولة للبقاء على قيد الحياة وسط هذه الحرب الضروس التي لا تفرق بين مدني ولا عسكري"، موضحا أن "الشعب الفلسطيني يمتاز بالتكاتف الاجتماعي ويسارع بالمبادرة للتعاطي والتغلب على الأزمات في أوقات الصراع". المشهد ذاته يتكرر يوميا على دوار العودة في مدينة رفح جنوب القطاع، حيث يتشارك الفلسطيني أحمد الشاعر مع ما يزيد عن 20 شخصا لطهي ما يقارب 10000 وجبة يوميا للنازحين والأسر الفقيرة في المدينة. ويقول الشاعر البالغ من العمر (39 عاما) والذي يمتلك مطبخا للطهي في المدينة "العالم تخلى عنا ولم يأبه أحد لوقف المجازر الإسرائيلية ضدنا، لكننا نحن قادرون على الإثبات للعالم بأننا شعب يناضل من أجل الحياة ونستطيع أن نرسم صورة مشرفة لمبادئنا وقدرتنا على النجاة من كل هذا الدمار". وعادة ما يحصل المبادرون على المال لشراء مكونات الطعام من فاعلي الخير، فيما يبادر سكان محليون بالتبرع بالمواد الأساسية للطهي مثل الأرز والخبز واللحم وغيرها من المواد الغذائية. وما إن ينضج الطعام يقوم آخرون من المبادرين بسكب الطعام في الأواني وتغليفها وتوزيعها على النازحين. ويعيش سكان قطاع غزة الذي يقطنه أكثر من 2.3 مليون شخص ظروفا حياتية صعبة في ظل استمرار "الحرب الشرسة" بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) عقب شن الأخيرة هجوما غير مسبوق على البلدات الإسرائيلية المحاذية للقطاع في السابع من أكتوبر الماضي. وإثر ذلك، أعلنت إسرائيل الحرب لأول مرة منذ 50 عاما على قطاع غزة بدعوى "القضاء على حماس" ودمرت عشرات الآلاف من المباني السكنية والبنى التحتية والمقرات الحكومية وقتل في هجماتها أكثر من 11 ألف فلسطيني، بحسب وزارة الصحة في غزة، كما فرضت حصارا مشددا على القطاع ومنعت دخول الوقود وقطعت الكهرباء والمياه والمواد الغذائية.

مشاركة :