يتساءل اللبنانيون وكذلك عدد لا يُستهان به من دول الشرق الأوسط والغرب، عن احتمال شنّ إسرائيل حرباً على لبنان، أو أن يُعلن «حزب الله» الحرب الشاملة ويكسر خطوط الحدود اللبنانية، فتشتعل المنطقة برمّتها وتتعدّد الجبهات وتتدخل دول إقليمية وعظمى في الحرب.كذلك ثمة تساؤلات عن احتمال آخَر بأن تبقى المواجهات ضمن حدود لبنان الذي توعّدت اسرائيل بإعادته إلى «العصر الحجري» في حال شنّت حرباً عليه.فما الاحتمالات لهذه الحرب؟ وهل يمكن أن تندلع قريباً أو في المدى الأبعد؟أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين ان «حجم الضغط الدولي أصبح كبيراً جداً لوقف الحرب على غزة وأن النافذة التي مازالت مفتوحة لإكمال العملية العسكرية لا تتعدى اسبوعين أو ثلاثة». كما قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو انه يريد«القضاء على حماس واحتلال غزة بأكملها وتغيير الواقع الذي يسيطر على القطاع بعد إزالة حُكم حماس».إذاً، بينما ينغمس جيش الاحتلال في أزمةِ شمال غزة، يبدو أن مهمة الأسبوعين إلى ثلاثة أسابيع كافية لإنهاء احتلال بقعةٍ تمثّل ثلث مساحة القطاع بعد أن يكون انقضى نحو شهرين من الزمن، على وقع انقلابٍ في الرأي العام الدولي وحتى في موقف عدد كبير من دول الغرب في اتجاه رفض الحرب والمجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.علماً ان المقاومة في غزة تملك أسلحة خفيفة في منطقة جغرافية محاصَرة منذ أعوام عدة، وهي تصنع السلاح داخلياً ويصلها القليل من الأسلحة المضادة للدبابات التي لم تُستخدم لغاية اليوم داخل ساحة المعركة.وقد عملت إسرائيل على ضرب طريق معبر رفح وتمنع دخول الشاحنات إليه إلا بعدد قليل وبعد مراقبة دقيقة لمحتويات الشاحنات التي تصل إلى فريق الأمم المتحدة المحاصَر في غزة.أما الحرب مع لبنان فلديها حسابات عدة أخرى، هي:- تخصيص الموارد والإمكانات العسكريةمما لا شك فيه ان فتح جبهتين في وقت واحد من شأنه أن يرهق موارد إسرائيل وقدراتها العسكرية مهما كانت القدرات العالية والمتقدمة تكنولوجياً التي تتمتع بها.وقد أقامت أميركا جسراً جوياً لنقل الأسلحة والذخائر التي تحتاج إليها إسرائيل خصوصاً بعدما أسقطت أكثر من 35 ألف طن من المتفجرات وأكثر من 15 الف قذيفة، إضافة إلى الضربات البحرية وبالمسيّرات على غزة التي تبلغ مساحتها الإجمالية 363 كيلومتراً مربعاً فقط.بينما تبلغ مساحة جنوب لبنان لوحده أكثر من 4000 كيلومتر مربع عدا عن البقاع والسلسلة الغربية الجبلية التي أقام فيها «حزب الله» صوامع تحت الأرض لصواريخه الذكية الدقيقة على طول الحدود اللبنانية - السورية.فهل يمكن لأميركا أن تغطي مثل هذه الحرب التي تتطلب منها تزويد إسرائيل بما تحتاج إليه من ذخائر لا تُعد ولا تُحصى؟- الاعتبارات السياسية والديبلوماسيةإن فتح جبهة ثانية في لبنان أثناء الانخراط في جزء من غزة له تداعيات سياسية وديبلوماسية ستؤدي إلى عزل إسرائيل دولياً وتَعاظُم الإدانة الواسعة النطاق التي تتعرض لها أصلاً لخرقها جميع القوانين الدولية وارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.وهذا ما سيضع علاقتها مع حلفائها الدوليين الرئيسيين والاقليميين في موقعٍ لم تشهده من قبل، ليعتبرها العالم دولة مارقة ومحتلة ودموية لا تعرف سوى الحروب والدمار وتَستخدم نفوذها للتغطية على جرائمها التي أصبحت ظاهرة لدرجة ان الإعلام الدولي لم يعد يستطيع إخفاءها.- احتمالية التصعيد الإقليميإن أي محاولة للحرب على لبنان ستؤدي إلى صراع إقليمي أوسع بكثير من شأنه زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، وستكون له عواقب لا يُمكن التنبؤ بها.فـ «حزب الله» يُعتبر في مركز قيادة «محور المقاومة» وإمكانياته العسكرية الضخمة تسمح له بفتح معارك متفرّعة على القواعد العسكرية الأميركية وقِطعها البحرية الموجودة في البحر الأبيض المتوسط.وتالياً، فإن اتساع رقعة الصراع مع غزة إلى لبنان ستدفع بإيران للدخول في الحرب، عدا عن سورية والعراق واليمن، لتُفتح الجبهات جميعها مرة واحدة.وهذا ما لا تريده دول المنطقة ولا حتى الولايات المتحدة التي تتعرّض قواعدها في سورية والعراق لضربات مازالت تُعتبر ضمن السيطرة. إلا أنها لن تبقى أبداً كذلك في حالة الحرب مع لبنان.– الآثار الاقتصاديةستكون للحرب على جبهات عدة عواقب انسانية واقتصادية كبيرة، سواء للبنان أو لإسرائيل أو لمنطقة الشرق الأوسط. إذ ان الحرب لا تُقاس تكلفتها بالإنفاقِ العسكري فحسب، بل بتأثيرها على السكان المدنيين والبنية الأساسية والاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.وقد وصلت خسارة إسرائيل جراء حربها على غزة إلى 20 مليار دولار، وهي مازالت في الأسبوع الخامس من المعركة ولم تنتهِ من شمال غزة ولن تستطيع إزالة «حماس» في تلك البقعة الجغرافية الصغيرة.فكيف بحربٍ أخرى تستنزف فيها احتياط الجيش المحتلّ الموجود تحت السلاح بعدد كبير بلغ نحو 400.000 وأكثر وهؤلاء موظفون يعملون في الصيانة والتجارة والحقول والإلكترونيات، وجميعها قطاعات تتأثر في شكل كبير؟- القوة العسكرية لـ «حزب الله»تطور «حزب الله» إلى قوة عسكرية هائلة منذ صراعه الأخير مع إسرائيل عام 2006. إذ يملك ترسانة كبيرة من الصواريخ والقذائف القادرة على ضرب عمق الأراضي المحتلة، ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في الأرواح وأضرار مادية ضخمة.وتستطيع صواريخ الحزب إصابة «القبة الحديد» بالعمى وضرب جميع المنصات العائمة النفطية والغازية التي بدأت العمل من جديد بعد توقف بسبب الحرب.وتالياً فإن إسرائيل تعطي إشارات عدة إلى انها لا تريد للصراع مع «حزب الله» أن يتمدد بل أن يبقى ضمن منطقة وقواعد الاشتباك التي يحدّدها الحزب. ولو كانت تتحضر للحرب، لَما عاودت تنشيط إنتاج الغاز من جديد بكمية أكبر للتعويض عن خسائرها الاقتصادية التي فرضتْها الحرب.– حالة اللا يقينفي حال نشوب حرب مع «حزب الله» فإن صواريخه الدقيقة التي تزن أكثر من طن من المتفجرات في رأسها والتي ستكون في صلب أنواع المتساقطات على المدن الكبرى مثل حيفا وتل أبيب وموانئها ومطاراتها تمثّل كأساً لا تريد إسرائيل تجرعه.وإذا حصل الاشتباك وبلغ هذا المستوى، فإن حالة اللا يقين التي أوجدتْها «حماس» في السابع من أكتوبر ستكون بمثابة نزهة قياساً بما سيوجده «حزب الله» في عقل المستوطنين الذين لن يبقوا يوماً واحداً داخل الكيان وسيقومون بالفرار عندما تسنح لهم الفرصة لذلك.لقد حضّر «حزب الله» بيئته تدريجيً استعداداً لاحتمال تمدُّد الحرب التي مازالت تحت السيطرة، وأخلى مناطق حدودية كما فعلت إسرائيل.إلا ان المنطقة التي اعتبرتْها إسرائيل آمنة في إيلات ونصبت فيها 150.000 خيمة للنازحين من الحدود اللبنانية والحدود مع غزة لم تعد آمنة جراء مسيَّرات تضربها انطلاقاً من اليمن والعراق.لكنها هدف سهل لصواريخ «حزب الله» الضخمة والدقيقة، انطلاقاً من اعتبار إسرائيل أن لا مدنيين لديها بل هو مجتمع حرب، مثلما تعتبر أن جميع الفلسطينيين واللبنانيين مسؤولون من دون تمييز.وتالياً فإن إسرائيل، مهما حظيت بدعم أميركي عسكري، فهي لن تستطيع إقناع أي من المستوطنين بالبقاء إذا تحولت جميع المناطق التي تسيطر عليها كتلةً من نار.فالمعركة مع «حزب الله» تشكل معركة مع المحور بأكمله حيث ستسقط فيها جميع الخطوط الحمر وتُزال الحصانة عن المحرمات.وهذا ما يدفع الحزب لإبقاء المعركة ضمن جدود معينة لأن إسرائيل تستطيع إرجاع لبنان إلى العصر الحجري وترجع هي معه إلى العصري نفسه في حال الحرب، إذ يعلم الطرفان ان الجروح ستكون قاتلة لهما.ولذلك فإن «حزب الله» لا يستطيع توسيع رقعة المعركة ما دام جيش الاحتلال متعثراً في الجزء الأصغر من غزة وما دام العالم بأجمعه يعلم ان قضية فلسطين هي قضية شعب مظلوم منذ 75 عاماً ورفضت إسرائيل التعايش معه وإعطاءه حقه بالحياة وتقوم بقتله ببطء لرغبتها في إنهاء وجوده.لا يملك «حزب الله» الغطاء العالمي لتبدأ صواريخه بضرب العمق الإسرائيلي، إلا إذا خرق جيش الاحتلال قواعد الاشتباك. وتالياً فإن الطرفين يلتزمان، مع بعض الخروق الظرفية، بالقتال والحرب على جبهة محدَّدة وأهداف عسكرية في غالبية الأحيان لتبقى القضية الأم هي فلسطين التي أعادت للعالم ضميره وذاكرته في السابع من أكتوبر كي لا ينسى، وهو اليوم الذي لن تنساه أبداً إسرائيل.
مشاركة :