بقلم : أ.د. طلال بن عبدالله المالكي كتب الأستاذ عبدالله محمد بيهان بتاريخ 26 صفر 1435هـ في صحيفة الوطن مقالاً بعنوان: لا تلوموا المبتعث إذا عاد متضجرًا، وكان يتماهى في مقاله مع كاتبة أخرى هي الأستاذة سارة مطر في مقالها: المبتعثون وقميص بولو. وممّا ذكره الكاتب: أن المبتعث يعود لوطنه نادمًا على انتهاء بعثته، متضجرًا متبرِّمًا من ذلك. واتفق معها كثيرًا -يقصد الكاتبة سارة- فيما ذهبت إليه، ولا أجد غرابة في ذلك. لا شك أن تعميق هذا المفهوم والترويج له سيخلق حالة من الإحباط لكل من يقرؤه من المبتعثين والمبتعثات، خصوصًا حين يرسم الكاتب وغيره صورة زاهية برّاقة لبلاد الابتعاث، ويُقارنها بتصوير الحال لدينا بعدم القابلية للتحسين والتطوير. أود في هذا المقال أن أؤكد على مفاهيم وقناعات لديَّ، آمنت بها منذ أن كنتُ مبتعثًا، وحينها لم تكن هناك وسائل للتواصل الاجتماعي، بل كل ما كان موجودًا للتواصل برنامج تحية وسلام للإذاعي القدير الأستاذ بدر كريّم. أولاً: أن كل المبتعثين والمبتعثات قد خرجوا وتغرّبوا لمهمة محددة وواضحة المعالم، وهي اكتساب معارف جديدة، وتخصصات علمية تحتاج إليها بلادهم، على أن يعودوا وفي أذهانهم أنهم من سينقل المعرفة والتقنية ويُوطّنها حين يعودون. ثانيًا: لا شك أن المهمة صعبة والتحديات عظيمة في سبيل الوصول إلى الأهداف التي رسمتها وزارة التعليم العالي لكل مبتعث، والتي ارتضاها الطلبة المبتعثون لأنفسهم.. إذ لم يكن هدف ابتعاث أبنائنا وبناتنا هو النزهة والتسلية والعبث بالوقت وإضاعته، والتأخر عن تحقيق الهدف من الابتعاث، وإطالة سنوات الابتعاث الى أجل غير مُسمَّى كما نلحظ أحيانًا. ثالثًا: إن المبتعثين بشر يُؤثِّرون ويتأثّرون، ولا شك أننا عشنا جميعًا كمبتعثين آثار الصدمة الحضارية التي ترافق الأسابيع أو الأشهر الأولى بعد وصولنا هناك، لكن بوجود المبتعثين الآخرين من حولنا ووجود الملحقيات الثقافية استطاع معظمنا تخطِّي تلك المرحلة. بينما بقي البعض يعيش الصدمة إلى حين عودته للمملكة، لكنها حالات قليلة وتستحق الدراسة والمناقشة. رابعًا: نجزم أننا في المملكة بحاجة ماسة لخبرات وخدمات كل أولئك المبتعثين حين يعودون، وكذلك نعتقد أنه لو كانت الكثير من الأوضاع التي ينتقدها الكثير من كُتّابنا على خير حال، لما كُنّا بحاجة للابتعاث، ولا لفكر وخبرات وقدرات المبتعثين حين يعودون. خامسًا: لابد أن نُدرك أن ما لاحظه الكاتب وكثير من المبتعثين من انضباط ودقة وانسيابية لمناحي الحياة في كثير من بلاد الابتعاث، مردُّه إلى احترام النظام، والتقيّد الحرفي به من كافة شرائح المجتمع هناك، كما وأنه أتى من متابعة ومراقبة للتمسك بالنظام على مدى عقود طويلة. سادسًا: حين نريد لمجتمعنا -بعد عودتنا من الابتعاث- أن يصل إلى منزلة مجتمعات الغرب من ممارسة للنظام وأخلاقياته، فلن يتأتى ذلك إلا بأن نعترف بواقعنا ونُشخّص أدواؤه، لا لنتعايش معه ونذوب فيه، بل لنكون أدوات للتطوير والتغيير والتحسين كُلٌّ في مكانه وموقعه في الوطن، ولا عذر لنا في ذلك أبداً. سابعًا: بدلاً من التضجر والتأفُّف من جندي المرور، أو موظّف الخطوط، أو مدير الدائرة الحكومية تلك أو ذاك، نحن بحاجة أن نبُثّ في أبنائنا وبناتنا العائدين من الابتعاث روحاً إيجابية، تدعوهم للانخراط وبقوة في المجتمع تطويرًا وتغييرًا وتحسينًا. ولنثق أن كل يد مخلصة تريد بالوطن خيرًا، لها مكان ومُرحّب بها، برغم ما قد يُعانيه الإنسان من صعوبات وعقبات في بداية الطريق. وهناك الكثير من الأمثلة المضيئة لمبتعثين عادوا فغيّروا وطوّروا كثيراً، وأحبوا بلدهم فأحبهم الناس والمجتمع. وأخيرًا، فإن بلادنا وبحمد الله فيها الكثير من الكنوز العظيمة، وليس هناك أعظم من رجالها ونسائها كنوزًا، فلا يجب أن نقسو على وطننا ولا على كنوزه، ونحوّل ذلك الألماس البرّاق.. إلى فحم مرة أخرى!.. وبالله التوفيق. نقلا عن المدينة
مشاركة :