بغداد – يطبع المشهد السياسي العراقي حالة من انعدام اليقين بشأن مرحلة ما بعد الحلبوسي، فخيار طي صفحة رئيس مجلس النواب المبعد أو خيار التصعيد من قبل حلفائه والموالين له في الشارع لاسيما الأنبار التي تشهد حاليا فوضى، كلاهما وارد وستكون خريطة التحالفات السياسية هي العامل الحاسم. وتباينت ردود الفعل الصادرة عن القوى السياسية في العراق، بشأن قرار المحكمة الاتحادية العليا إنهاء عضوية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي في مجلس النواب، وكان لافتا التزام بعض الأطراف الصمت المطبق حول القرار وسط ضبابية المشهد عن المستقبل السياسي للحلبوسي، الذي يتزعم حزب تقدم في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع. وبينما تتجه الأنظار إلى تحالف "السيادة" الذي يضم إلى جانب "تقدم"، "المشروع العربي" بزعامة خميس الخنجر، من أجل توفير مُرشح آخر لشغل منصب رئاسة البرلمان، بوصفه "استحقاقاً"، وفقاً لآلية المحاصصة الطائفية المعمول بها في العراق، أكد تحالف العزم الخميس أن رئيس مجلس النواب الجديد، سيكون من خارج حزب تقدم الذي يتزعمه محمد الحلبوسي. وقال القيادي في التحالف فارس الفارس، أن "الحوارات بشأن اختيار رئيس مجلس النواب الجديد موجودة وهي تجري وفق أجواء إيجابية، وهناك اتفاق على أن يكون رئيس المجلس من خارج حزب تقدم الذي يتزعمه محمد الحلبوسي". وأضاف الفارس أن "القوى السياسية الشيعية والكردية، ستكون داعمة لأي مرشح يتم ترشيحه من قبل الأغلبية البرلمانية السنية، خصوصاً ان اختيار مرشح هذا المنصب شأن خاص بالبيت السياسي السني، وحتى الان لم نصل مرحلة الأسماء المرشحة، لكن الحوارات مستمرة". وقررت المحكمة الاتحادية العليا التي تعدّ أعلى سلطة قضائية في العراق، الثلاثاء إنهاء عضوية الحلبوسي، بناء على دعوى تقدم بها النائب ليث الدليمي بتهمة بـ"تزوير" تاريخ طلب استقالة باسمه قدم سابقاً، بهدف طرده من البرلمان. وعقب صدور قرار المحكمة، قال الحلبوسي في كلمة له خلال جلسة مجلس النواب إن "هناك من يسعى الى تفتيت المكونات السياسية للمجتمع". بينما أعربت النائبة سميعة غلاب عن حزب “تقدم”، عن اعتقادها بأن قرار الاتحادية المثير للجدل هو جزء من سلسلة “ضربات” تلقاها حزبها بسبب تحالفه مع التيار الصدري قبل أن ينسحب مقتدى الصدر من العملية السياسية. وأصدر حزب "تقدم" بياناً أعلن فيه حزمة من القرارات، كان أبرزها رفضه قرار المحكمة الاتحادية بوصفه "خرقاً دستورياً" و"استهدافاً سياسياً"، إلى جانب مقاطعة جلسات "ائتلاف إدارة الدولة"، الذي تشكلت بموجبه الحكومة ويضم قوى سياسية مختلفة بما فيها القوى السنية والشيعية والكردية المشاركة بحكومة محمد شياع السوداني. كذلك اتخذ قراراً باستقالة وزراء حزب "تقدم" في الحكومة، وهم كلٌّ من وزير التخطيط محمد تميم، ووزير الصناعة خالد بتال، ووزير الثقافة أحمد البدراني، واستقالة رؤساء ونواب رؤساء اللجان البرلمانية، وتعليق حضور نواب الكتلة في البرلمان حتى إشعار آخر. في المقابل أعلن "ائتلاف النصر"، بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، و"تيار الحكمة"، بزعامة عمار الحكيم، دعم قرارات المحكمة الاتحادية، وقال بيان لـ"ائتلاف النصر" إنّه "لا أحد فوق القانون"، فيما ودّع عمار الحكيم الحلبوسي بشكره على "رئاسة مجلس النواب طيلة المدة الماضية"، وهي عبارة فهم منها تسلم وإقرار بالحكم. ولم تعلق حكومة السوداني على قرارات استقالة الوزراء الثلاثة، لكن السوداني التقى بالحلبوسي الأربعاء، وكان لافتاً ورود عبارة "رئيس مجلس النواب" في البيان الصادر عن مكتبه الإعلامي. وأكد السوداني "أهمية الركون إلى الحوار وحل جميع الإشكالات المستجدة، من خلال التواصل بين القوى السياسية التي تمثل الركيزة الأساسية للعملية السياسية". كما قررت رئاسة البرلمان العراقي، إلغاء قرار صدر في وقت سابق الأربعاء، يقضي بتجرّيد محمد الحلبوسي من طاقم حماياته، ووصف القرار الملغي بأنه كان "تصرفاً فردياً". وقال نائب رئيس البرلمان شاخوان عبدالله، في بيان مقتضب إن رئاسة البرلمان قررت الغاء الكتاب القرار المتضمن إنهاء عقود حماية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي صدر بتصرف فردي من مدير عام دائرة الشؤون الادارية فلاح مطرود. وبين عبد الله، أن رئاسة البرلمان قررت تشكيل لجنة تحقيق بالموضوع، واتخاذ أقصى درجات العقوبة بحق هذا المدير. ويعتبر إنهاء عضوية الحلبوسي أحدث حلقة في الصراع السياسي بين القوى العربية السنية على الزعامة، حيث دفع خصوم الحلبوسي وهم كل من حزب "الحلّ" بزعامة جمال الكربولي، وحزب "العزم" بزعامة مثنى السامرائي، وقوى صغيرة أخرى تُصنّف على أنها مقرّبة من الأطراف الحليفة لإيران، إلى تحريك عدد من الملفات القضائية ضد الحلبوسي الذي يتهمونه بالتفرّد في القرار السني، بينما يتهم الحلبوسي خصومه بأنهم كانوا سبباً في الوصول إلى حقبة تنظيم داعش، وأنّ القيادات السنية القديمة يجب أن تتنحّى بسبب إخفاقها في "إدارة شؤون المُكوّن". وجاءت تصريحات بعض قادة الاطار بدعم كل قرارات المحكمة الاتحادية ومنها ما يعتبر ضوء أخضر للمضي قدما بإجراءات ما بعد الحلبوسي وذلك في تصريحات الحكيم والعبادي، واجتماع للاطار التنسيقي الذي خرج " باحترام" قرارات المحكمة الاتحادية. وبد لافتا موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي خرج عن صمته أخيرا بدعوة ائتلاف إدارة الدولة إلى إجراء تقييم دقيق لقرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن قرار إلغاء عضوية الحلبوسي. وقال المتحدث الرسمي باسم الحزب محمود محمد في بيان اليوم، إن أوضاع العراق والمنطقة مرتبكة لدرجة وجود احتمال حدوث اهتزاز كبير"، مردفا بالقول أن "هذه الأوضاع تقع مسؤوليتها على عاتق جميع الاطراف السياسية بشكل عام، والقوى المُشكِّلة لإئتلاف ادارة الدولة بشكل خاص". ودعا محمد إلى "تقييم الوضع بشكل أدق، ولاسيما آخر قرار للمحكمة الاتحادية القاضي بإبعاد رئيس السلطة التشريعية من منصبه"، واصفا هذا القرار بأنه "يُعمِّق التوترات أكثر ويزيدها في وقت كان من المنتظر حل تلك المشاكل الموجودة لا تراكمها أكثر بشكل يُعرِّض السلم المجتمعي والاستقرار للخطر". وبالتوازي مع الضجة السياسية، انتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لفوضى في محافظة الأنبار ليل الأربعاء قيل أنها رفضا لعزل الحلبوسي، فيما أعلنت وزارة الداخلية الخميس، إلقاء القبض على 18 متهماً بإطلاق العيارات النارية من مسببي الفوضى. وقالت الوزارة في بيان الخميس، إن أجهزتها المختصة والعاملة ضمن شرطة الانبار تابعت حادث إطلاق النار بشكل عشوائي من قبل أشخاص مسببي الفوضى في المحافظة ليلة الأربعاء، ومن خلال المتابعة الميدانية وتكثيف الجهود الاستخبارية، تمكنت قوة من الوزارة من القاء القبض على 18 متهماً من مطلقي هذه العيارات النارية التي روعت المواطنين، كما ضبطت 8 بنادق مختلفة ومسدسا. وأكدت في بيانها أنها لن تسمح بأي شكل من الأشكال بالعبث بالأمن، وستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق كل من تسوّل له نفسه العبث بالأمن في جميع مناطق البلاد، كما تحث الجميع على الإبلاغ عن أي محاولة تخلُّ بالاستقرار.
مشاركة :