خيبة أكراد تركيا

  • 3/23/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

إلى وقت قريب، كان صلاح الدين دميرطاش، ابن الاثنين وأربعين عاماً، منافس رجب طيب أردوغان. وبدا أنه نأى بنفسه عن حزب «العمال الكردستاني» المحظور في تركيا. ولكن، اليوم، هذا القيادي الكردي ملاحق أمام القضاء وقد ينتهي به الأمر إلى السجن. وفي الأشهر الماضية، طالبت الحكومة الإسلامية المحافظة رفع الحصانة عنه وعن 4 من نواب حزبه (حزب «الشعوب الديموقراطية»). والحزب هذا هو ثالث قوة سياسية في البرلمان التركي. فعدد نوابه يبلغ 59 نائباً من برلمان يعد 550 نائباً. وهؤلاء النواب الأكراد متهمون بالتواطؤ مع «الكردستاني» الذي استأنف الحرب على الدولة التركية منذ إخفاق مفاوضات السلام في 2015. وفي الرابع من الجاري [ آذار (مارس)]، طلبت وزارة العدل التركية من استخبارات رئيس الوزراء رفع الحصانة عن النواب الخمسة لملاحقتهم بتهمة دعم مبدأ الاستقلال الذاتي أو الإدارة الذاتية في المناطق الكردية حيث عاد النزاع المسلح منذ قطع الهدنة بين «الكردستاني» والجيش، إثر عامين على الهدوء. «إذا رفعت حصانتنا البرلمانية، وجب رفع حصانة النواب المتهمين بالفساد والمنضوين في كتلة العدالة والتنمية البرلمانية»، قال دميرطاش في السادس من الجاري حين استقباله مراسلي الصحافة الأجنبية في أحد فنادق إسطنبول. وهو يرى أن ملاحقته أمام القضاء هي «انتقام» أردوغاني. فالرئيس التركي «لم يتقبل بَعد إحراز حزب الشعوب الديموقراطي نتائج جيدة [13 في المئة من الأصوات] في انتخابات حزيران (يونيو). لذا، يسعى إلى الاقتصاص منا»، يقول دميرطاش. ولو رفع البرلمان الحصانة عن بعض نوابه، لن يكون في الإمكان تنفيذ القرار قبل سنوات. وثمة مسألة أخرى تحرج دميرطاش. ففي 23 شباط (فبراير)، زارت نائبة من حزبه عائلة عبد الباقي سومر، انتحاري السيارة المخففة التي انفجرت في أنقرة وأودت بحياة 29 شخصاً. وشجبت شرائح واسعة من الأتراك- منهم ممثلو اليسار المؤيد للأكراد الذين منحوا أصواتهم لحزب «الشعوب...» في انتخابات 7 حزيران المنصرم وفي انتخابات الأول من تشرين الثاني (نوفمبر)- تقديم العزاء إلى أسرة الانتحاري. ويقول دميرطاش إن تقديم التعازي لم يكن قراراً حزبياً بل قراراً شخصياً أخذته النائبة التي تعرف عائلة الانتحاري من كثب. «فهي انساقت وراء مشاعرها الشخصية، ولم تحتسب مشاعر الرأي العام». ويرى كثر أن هذه التعازي هي دليل على أن حزب «الشعوب...» يوالي حزب «العمال الكردستاني». ولكن دميرطاش ينفي كل صلة بهذا الحزب ويقول: «نحن حزب سلمي وقانوني على خلاف حزب العمال الكردستاني، وهو تنظيم إرهابي ناشط في الشرق الأوسط». وقبل عام، كان هذا المحامي المتواضع الكردي الأصل نجم الساحة السياسية التركية. وهو أفلح في استمالة تأييد أتراك كثر إلى حزب «الشعوب الديموقراطية»، فتجاوز عتبة العشرة في المئة من الأصوات وبلغ البرلمان. وسابقة بلوغ حزب جديد البرلمان غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية التركية منذ 1923. وتخفف حزب «الشعوب...» من هويته القومية، ووسع قاعدته الشعبية واستمال النساء والأقليات والناشطين البيئيين. وبدا أنه الحزب الأوروبي الهوى الوحيد في تركيا، وأنه تيار ثالث غير إسلامي ولا كمالي (نسبة إلى مصطفى كمال أتاتورك). ولكن الحرب في سورية أطاحت كل شيء. وإثر اشتداد عوده في كوباني (عين عرب)، المدينة الكبيرة شمال سورية التي وقعت في أيدي داعش وحررها مقاتلون أكراد في كانون الثاني (يناير) 2015، نقل «الكردستاني» حرب العصابات إلى قلب المدن التركية، واستهدف شوارع بارزة في مدن جنوب شرقي تركيا (ديار بكر، وجيزري وغيرهما من المدن). وتحولت هذه المدن إلى ميدان معارك بين القوات التركية والمسلحين الأكراد. ومنذ بدء حركة التمرد أو الانتفاضة، وجه صلاح الدين دميرطاش عدداً من رسائل الدعم إلى المتمردين ودعا السكان إلى مؤازرتهم. ولكن تأييده تكتيكات «الكردستاني» الجديدة- ويبدو أنها لا تحظى بدعم السكان المحليين الذين لم يلبوا الدعوة إلى التظاهر في دياربكر في الثاني من الشهر الجاري- قوض استقلال حزب «الشعوب الديموقراطية». فعاد هذا إلى صبغته الكردية القومية الضيقة وصار ناطقاً باسم «الكردستاني». وفي وقت ينزلق هذا التنظيم الإرهابي إلى العنف العشواء، ويتوسل الهجمات الانتحارية، يتعثر حزب «الشعوب...» في إدانة هجمات «الكردستاني»، ويخسر شعبيته. وفي مناطق جنوب شرقي تركيا، تعم الخيبة السكان. «نحن لم نصوت على العودة إلى الحرب»، يقول أكراد كثر اقترعوا لـحزب «الشعوب الديموقراطية». ويقول دميرطاش: النقد هذا في محله. فالناس مستاءة منا. ولكنها ناقمة كذلك على سياسة الحكومة. فالأكراد يرون أن حزب العدالة والتنمية» مسؤول عن الأزمة الحالية». ولكنه يقر بأن لا مناص من العودة إلى المفاوضات. و»لكن من العسير مفاوضة رجب طيب أردوغان والكلام معه عن الديموقراطية. فهو لا يريد ديموقراطية ولا نظام رئاسي. وجل ما يرغب فيه هو إرساء ديكتاتوريته»، يقول دميرطاش.     * مراسلة، عن «لوموند» الفرنسية، 8/3/2016، إعداد م. ن.

مشاركة :