أغنية الرجل الآلي (قصيدة للشاعر عادل خزام)

  • 11/17/2023
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أفتّشُ عن اللطفِ، ولا أجدُ وصفاً له بين البشر. أمشي، ولا أسمعُ إلا نوحَ مغدورين تجري السياطُ على ظهورهم. وأجلسُ، فتدور من حولي الذئاب الجائعة، ولا أملكُ شيئاً لإطعامها سوى الوهم وانتظار الأمل البعيد. هل أنا ابن الحضارة، أم ضحية أفولها؟ وهل يحقُّ لقلمي أن يركل الكلمات الميتة ويكتفي برسم البياض على البياض؟ أم أن حبري، ومعه أصابعي المقطوعة، ولساني الخشبي، مجرد أشياءٍ ينبغي أن تُرمى في خردة الزمن، وأن يُردم فوقها حمض ذوبانها في حفرة الزوال. هل أنا ابن ماضٍ تفحّم في القواميس واختنق ضوؤه في صدور مدوّنيهِ؟ أم أن روحي لا تزال على الأقل حرةً، ويمكنُ بقليلٍ من اللّطفِ أن تُحلّق بي إلى أفقٍ كله أخضر. حيثُ لا جرح يطرأ، ولا الوشاية تُروى وتُسقى، ولا القرودُ تتسلقُ شجرة النسيان وتبدأ برمي ثمارها على رؤوس المارة والعابرين. لا، أنا ابن المستقبل الفضيّ. وقلبي عامرٌ بأغانٍ لا تعرفُ مقام الحزن. جيوبي فارغةٌ نعم، وعقلي فارغٌ ومشطوبةٌ حواشيه، لكنني حيٌّ مثل بقية الآلات. أخرجُ في الصباحِ لألمّع زجاج البنايات لعلّي أولدُ من جديد على انعكاساتها. وأعودُ منحنياً في المساء لأنام واقفاً والمطارقُ معلّقةٌ على ظهري، والمساميرُ تثبّت أقدامي في المكان كأنها تثبّت نفسها. حسناً، لو يولدُ لي ابنٌ بعد كل هذا، سأسميه: الزمن. ولو تولدُ لي فتاةٌ من صُلبِ الذكريات فقط، سأضعُ في يدها ريشة حمراء كي ترسم لي صورة أبي وأمي وهما يتعاركانِ في حلبة مصيري العبثي. ترفعني أمّي بيدها الطويلة كي أقبّل القمر. ويشدّني أبي كي أنتبه للشمعة، وأحميها بكلتا يدي، خوفاً من أن يفطس بصيص الضوء الأخير ونصير جميعنا عمياناً مثل بقية الآلات. أنا شقيق الآلات، لكني لستُ ابنها البار. عروقي من لحمٍ ودم، وعروقها أسلاك كهرباء. ربما تشابهنا في انتمائنا للواقفين في الطوابير المستطيلة، لكن قلبي سوف ينبضُ، في أجساد الأطفال إذا خدشوا مشيمة الشكّ وشقّوا ستارة الأفق المريض وطاروا. آهٍ، ليت لي فماً لأبجّل نشيدهم، وليت على سراطهم تجري خيول أمنيتي. الحبُّ والحربُ والخطيئة والندم والتوبة والأمل. أحملُ هذه الكلمات في سلّةٍ وأدقُّ على أبواب البيوت، لكنهم يرشقونني بالبيض الفاسد، ويهزأُ نواطيرُ الليل على محنتي، ويتهمني شعراء خُرسان بأنني أبترُ انتماءهم لكرامة المعنى. والحقيقة أنني فقط أفكك عقد الماضي، وأعود أربطها من جديد.

مشاركة :