في هذا الموسم الذي يعد أصعب المواسم من حيث إمكانية التنبؤ بنتائجه، كان هناك شيئان فقط يمكن التنبؤ بهما: إخفاق أستون فيلا، وإخفاق أندية الشمال الشرقي، وإن كان أقل حدة بشكل طفيف. ربما سينتهي المطاف بنورويتش سيتي إلى التسبب في هبوط كل من سندرلاند ونيوكاسل يونايتد، وربما ينهار سوانزي سيتي أو كريستال بالاس ويبقى سندرلاند ونيوكاسل. لكن في هذه المرحلة بدأ ديربي الأحد الماضي بين نيوكاسل وسندرلاند كمعركة هبوط فاصلة، من ناحية عواقبها طويلة الأمد، خاصة بعد انتهاء المواجهة بتعادل الفريقين بهدف لكل منهما. وبالنظر إلى الإحساس باليأس في كلا الناديين، فمن المنطقي أن نتخوف من أنه، على خلاف هبوطهما في السابق، لن تكون هناك عودة سريعة. وتزيد صفقة البث التلفزيوني الوشيكة للدوري الإنجليزي الممتاز (البريميرليغ) من كآبة الأجواء. ووراء القلق والترقب يكمن السؤال الأبدي؛ لماذا. لماذا يكتب على منطقة أعطت الكثير لكرة القدم منذ نشأتها - (تشارلز ويليام ألكوك، أول وكيل لاتحاد كرة القدم، مؤسس كأس الاتحاد الإنجليزي والبطولات الدولية، ولد في سندرلاند في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول عام 1842 وتوفي عام 1907 عن عمر 64 عاما) - حيث حضور 40 ألف متفرج هو المعتاد رغم تراجع مستوى كرة القدم في كثير من الأحيان، وقدمت لإنجلترا لاعبين دوليين أكثر من أي منطقة أخرى بالنسبة لتعداد السكان. لماذا يكتب عليها دائما أن تدخل في معركة على الهبوط؟ في 1986 - 1987 حضر بيتر بيردسلي ندوة في أحد الأندية الاجتماعية. كان في الـ26 من العمر، وفي الموسم الذي أعقب أداءه اللافت في كأس العالم، كان مستقبله في نيوكاسيل موضوعا لكثير من النقاش. وقف أحد الحضور، وقال: «ارحل بعيدا يا بيتر، فمستواك أعلى بكثير من هذا النادي». وقف بقية الحضور وانفجرت القاعة بالتصفيق. من ناحية، يعتبر هذا مشهدا كاشفا عن واقعية جديدة وسخاء. بيردسلي كان لاعبا متألقا وكان سيغادر بنهاية الموسم للانضمام إلى ليفربول، حيث فاز بلقبين للدوري ولقب لكأس الاتحاد الإنجليزي. لكن هنالك شيء مدمر بشأن قبول الأندية بهذا الوضع. أنهى نيوكاسل الموسم في المركز 17 في الدرجة الممتازة (وهو ما كان أفضل من سندرلاند، الذي هبط للدرجة الثالثة للمرة الأولى في تاريخه)، لكن الفريق كان يضم كذلك في صفوفه، صاحب الـ20 عاما، بول جاسكوين. بعد مرور عام بيع جاسكوين. وبعد عام آخر هبط نيوكاسل. وبعد عام آخر وصلت إنجلترا إلى نصف نهائي كأس العالم بفريق كان يضم بين صفوفه بيردسلي وجاسكوين وكريس وادل، الذي كان قد باعه نيوكاسل إلى توتنهام في العام 1985. كانت تلك منطقة الشمال الشرقي التي نشأت فيها، وهي أرض لم تكن تعطي أبدأ لتنتظر المقابل. (هناك تناقض في الوضع الحالي لسندرلاند، ويكمن في أنه، برغم مأساوية الصراع الداخلي على الهبوط، فإن وجودهم في البريميرليغ لـ9 مواسم متتالية يعد بمثابة أطول فترة من نوعها، منذ هبوطهم لأول مرة في تاريخهم في 1958). لقد وجدت الفرص ليتم إهدارها، مثلما خسر سندرلاند في نهائي كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة في 1992. لم يخلق النجاح من أجل أمثالنا. إننا، نحن مشجعي سندرلاند، نعرف جميعا التاريخ. ونستطيع جميعا أن نتذكر ونسرد تعليقات «بي بي سي» و«آي تي في» على نهائي الكأس عام 1973 (كان النهائي بين ليدز يونايتد حامل اللقب وأحد الأندية الإنجليزية المهيمنة في ذلك الوقت وبين سندرلاند الذي كان يلعب في الدرجة الثانية في ذلك الوقت.. وفاز سندرلاند باللقب بعد فوزه على ليدز بهدف دون مقابل، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يفوز بها فريق ينتمي للدرجة الثانية بلقب كأس إنجلترا). ورغم أن سندرلاند مر بفترة سيئة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، فإننا نعلم أيضا ما حدث عام 1895 عندما أقيمت أول بطولة بين بطل الدرجة الأولى للدوري الإنجليزي وبطل الدرجة الأولى في الدوري الأسكوتلندي.. وفاز وقتها بطل الدوري الإنجليزي سندرلاند على منافسه الأسكوتلندي هارتس بخمسة أهداف مقابل ثلاثة. كما نذكر أيضا موسم 1912-1913 عندما كاد سندرلاند أن يفوز بالثنائية بعد حصوله على لقب الدوري. كما نذكر أيضا فترة ازدهار سندرلاند في منتصف الثلاثينات. لكن كان ذلك عندما كانت سندرلاند مدينة صناعية مزدهرة (بين سبتمبر/ أيلول 1939 ونهاية 1944. أنتجت سندرلاند 1.5 مليون طن من السفن، أي ما يوازي 27 في المائة من إجمالي إنتاج المملكة المتحدة؛ في 1938 كان إجمالي إنتاج الولايات المتحدة يصل إلى 201.251 طنا). وبحلول الثمانينات، ذهبت أحواض بناء السفن، وذهبت المناجم، وذهبت الوظائف؛ وبالطبع كانت كرة القدم قد ذهبت أيضا. ذهب كل شيء. نظرنا إلى صعود أندية مثل لوتون، وويمبلدون وميلوول، ووصول وستهام إلى المركز الثالث، وأدركنا ببعض الغموض، وبطريقة غير محددة، أن هذه كانت العاقبة المحتومة للسياسات الاقتصادية التاتشرية (نسبة إلى مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا الراحلة): أن المركز انتعش بينما تضاءلت الأطراف. وبعد 30 سنة، يبدو أن هذا يحدث من جديد. لقد أصبح المال أكثر أهمية عن ذي قبل في كرة القدم. تملك لندن أموالا أكبر من أي مكان آخر، وتجتذب استثمارات أفضل من أي مكان آخر، وهكذا، وبشكل طبيعي، صعدت أندية العاصمة ومحيطها. انضم توتنهام إلى تشيلسي وآرسنال في المناطق العليا من الجدول. أما وستهام الذي يستعد للانتقال إلى الملعب الأوليمبي، فليس في مكان بعيد عن هذين الناديين. لعب واتفورد وكريستال بالاس في مواجهة بعضهما البعض 100 مرة في الدوري؛ وكان هذا أول موسم يلتقي فيه الفريقان في الدوري الممتاز. وفي نفس الوقت، تكافح منطقة الشمال الشرقي، فلديها أعلى معدل للبطالة في البلاد بنسبة 8.6 في المائة، مع معدل دخل يصل لـ345 جنيها إسترلينيا في الأسبوع، تعد الأقل دخلا باعتراف مكتب الإحصائيات الوطنية. ولهذا تأثير بالضرورة. وبالنظر إلى متوسط أسعار التذاكر الموسمية، على سبيل المثال، تجد ستوك سيتي هو الوحيد الذي يقل سعر تذكرته عن السعر الذي يطرحه سندرلاند. ويحقق آرسنال أرباحا في 3 مباريات فقط تفوق ما يحققه سندرلاند في موسم كامل. يعتبر سندرلاند سادس أكثر الأندية نجاحا في تاريخ الدوري الإنجليزي، فيما يتعلق بالألقاب التي حصل عليها، والعاشر في عدد النقاط التي تم جمعها في الدرجة الممتازة، وحقق الموسم الماضي سادس أعلى معدل للحضور الجماهيري. ومع هذا، فقد وصلنا إلى النصف الأعلى من الدرجة الممتازة 3 مرات فقط خلال فترة نصف القرن الماضي. وفيما يتعلق بالألقاب التي حصل عليها نيوكاسل، فهو ثامن أفضل ناد في تاريخ إنجلترا، والتاسع وفقا لإجمالي عدد النقاط التي أحرزها في الدوري الممتاز. كما أن نيوكاسل كان ثالث أفضل ناد من ناحية معدل الحضور الجماهيري في الموسم الماضي. وبخلاف وجود نيوكاسل ضمن الأربعة الكبار في وجود كيفين كيغان وبوبي روبسون، لم يصل الناديان إلى هذه المنطقة منذ نصف قرن أو يزيد. ولهذا بدأ الحديث عن الجانب الاقتصادي، الذي يؤدي إلى إحساس عام بالاستسلام والتشاؤم، ملحا بالنسبة لي. وعندما سألتني مجلة «أوفسايد» السويدية أن أنظر في أسباب تراجع أداء أندية الشمال الشرقي، وجدت أن الرؤية مختلفة داخل منطقة الشمال الشرقي نفسها. يقول مايكل مارتن، رئيس تحرير «ترو فيث» وواحد من الأعضاء الكبار برابطة مشجعي نيوكاسل يونايتد إن «الأمر ليس كما لو كان الفشل في السنوات الأخيرة مكتوبا على منطقة الشمال الشرقي». ويستشهد بأمثلة على نجاح دورهام في الكريكيت (حقق 3 من بطولات المقاطعات وكأسين من نوع البطولات التي تقام في يوم واحد، على مدار السنوات الـ9 الماضية) وفريق كرة السلة نيوكاسل إيغلز (7 ألقاب بالدوري البريطاني لكرة السلة في العقد الماضي). هذا حقيقي، ولكن الأمر يتطلب أموالا أقل بكثير للمنافسة في الكريكيت أو كرة السلة، مقارنة بدوري كرة القدم الممتاز – وحتى عندئذ، فإن دورهام رغم كل الميزات التي يتمتع بها، اضطر لأن يتوخى الحرص، كما أن نجاحه يقوم بالأساس على اعتماده على ناشئي النادي. يشير هاري بيرسون، مؤلف «الركن البعيد»، وهو كتاب رائع يتمعن في روح كرة القدم في منطقة الشمال الشرقي وحالة الحنين المغروسة فيها، يشير إلى أنه عندما لا يكون المال هو العنصر الحاسم تتفوق أندية الشمال الشرقي في كرة القدم. هناك 6 من بين آخر 7 فائزين بكأس الاتحاد الإنجليزي من هذه المنطقة. يقول: «يبدو أننا تقريبا نقبل هذا كمستوانا، أو على الأقل نشعر أننا أكثر ارتياحا هناك. أعتقد أن الإخفاق في بطولات المحترفين له صلة بهذا – كما لو كان عقدة نقص موروثة. وقد كان هناك دائما إحساس بأنه لكي تنجح يجب أن تغادر». غادرت. وأنا حتى لست متأكدا من أنني فكرت في هذا الأمر: لقد بدا الأمر ببساطة أشبه بما فعلته بعد الجامعة. من بين أقرب 8 من أصدقاء المدرسة، ما زال واحد يعيش في منطقة الشمال الشرقي. ليس معنى هذا أنك لا تستطيع النجاح في الشمال الشرقي لكن عقلية البحث عن مكان آخر لا يمكن إنكارها. بين 1963 و1987 فاز المدربون المنتمون للشمال الشرقي بـ14 لقبا للدوري، و5 ألقاب لكأس الاتحاد الإنجليزي، و5 ألقاب أوروبية، و3 ألقاب لكأس الاتحاد الأوروبي أو كأس المعارض (كأس المعارض الأوروبية، هي بطولة قديمة كانت ما بين 1955 - 1971. الفكرة من إنشاء البطولة كانت تسويق معرض التجارة الدولية، وذلك من خلال مباريات تقام بين الفرق التي تستضيف مدنها معارض التجارة في البداية، ثم توسعت بطولة كأس المعارض الأوروبية لتدخل في حساباتها الترتيب في بطولة الدوري أو الكأس في البلاد المعنية. عام 1971 أصبحت بطولة كأس المعارض الأوروبية تابعة للاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وتغير اسمها إلى كأس الاتحاد الأوروبي، الذي تغير لاحقًا إلى الدوري الأوروبي. لا يعتمد الاتحاد الأوروبي أي بطولة من بطولات كأس المعارض باعتبارها لم تكن مشرفة من قبله، في حين يعتبرها الفيفا بطولة مهمة ورسمية)، وبطولة لكأس الكؤوس. لكن لم يفز أي من هاري كاتيريك أو دون ريفي أو برايان كلوف أو بوب بايسلي أو هوارد كيندال أو بوبي روبسون بأي شيء مع فريق من الشمال الشرقي؛ حيث تبقى معجزة بوب ستوكو عام 1973 مع سندرلاند عملا وحيدا فريدا عندما فاز معه بكأس إنجلترا (رغم أن نيوكاسل في 1969 فاز بكأس المعارض بقيادة جو هارفي المولود في دونكاستر). لماذا لم تعد تتحقق نفس النتائج هو سؤال آخر، لكن عندما كانت هذه النتائج تتحقق لم تكن المنطقة تستفيد بثمار ذلك. كما أنه لم يتم وضع الأساسات التي كان من الممكن أن تؤدي لانتعاش الأندية رغم تراجع الاقتصاد المحلي. يشير ديفيد روز، نائب الرئيس التنفيذي لاتحاد مشجعي كرة القدم، وهو من مشجعي سندرلاند، إلى إيفرتون بوصفه ناديا يبدو في وضعية مشابهة، ولكنه يؤدي بشكل أفضل دائما على ما يبدو. كذلك يسلط مارك جنسن، رئيس تحرير مجلة «ذاماغ» الخاصة بمشجعي نيوكاسل، الضوء على ستوك وسوانزي وساوثهامبتون كأمثلة على أندية صغيرة تؤدي بشكل أفضل من نيوكاسل لأن لديها إدارة تمتلك فكرة أكثر تقدمية. ويقول مارتن إن «الناديين يداران بطريقتين سيئتين مختلفتين». وهما محقان بالطبع، في أن سندرلاند ونيوكاسل عانيا من ضعف الإدارة مؤخرا. ويبدو أن نيوكاسل تخلى الآن عن سياسة التعاقد مع اللاعبين الذين تقل أعمارهم فقط عن 26 عاما، ومن ثم يمكن بيعهم والاستفادة من عوائد بيعهم، وهي سياسة تعرضت لانتقادات شديدة، ولكن سندرلاند في السنوات الخمس الأخيرة، عمل على إرضاء نزوات كل مدرب سابق وهو يقاوم الهبوط بشكل يرثى له، حيث تعاقد مع 67 لاعبا. ولا يؤدي هذا إلى غياب الصلة بين اللاعبين والنادي فحسب، بل يمزق الروابط العاطفية بين المشجعين واللاعبين. يقول روز: «هل هناك أي من هؤلاء اللاعبين يمكن أن يشعر بالأسف لرحيلهم؟ ولا واحد فعلا، لا». لا يمكن إنكار أن ضعف القيادة أعاق مسيرة كلا الناديين، ولكن تبقى النقطة الأساسية التي هي إذا كان هناك تشدد في السياسات المالية، فيجب أن تكون هناك قيادة أفضل لكي يزدهر النادي. لكن الوضع الاقتصادي لا يعمل في صالح هذه الأندية، مثلما هو الحال منذ نهاية الحرب. تأتي هذه التطورات في وقت أعرب مايك اشلي مالك فريق نيوكاسل يونايتد المتعثر عن أسفه لدخوله عالم كرة القدم إلا أنه أكد أنه ليس مهتما ببيع النادي. وفي ثاني مقابلة منشورة له خلال 10 أشهر ذكر مؤسس مجموعة سبورتس دايركت أنه لن يترك النادي حتى وإن هبط الفريق من الدوري الإنجليزي الممتاز. وقال: «ليس أمامي أي خيار. أنا مرتبط بشدة بنيوكاسل مثل ارتباطي بمجموعة سبورتس دايركت. لقد وجدني النادي كما وجدته أنا أيضا. هذا هو الأمر ببساطة».. وقال اشلي لوسائل إعلام بريطانية «(الوضع) محبط لأنني أرغب عن نفسي في الفوز بكل مباراة مع نيوكاسل يونايتد. بغض النظر عن المنافس.. وهل نخوض مباراة ودية أم لا». وقد يكلف هبوط نيوكاسل من الدوري الممتاز خزينة النادي 100 مليون جنيه إسترليني وذلك نظرا لعقد البث التلفزيوني المغري الخاص بفرق الدوري الممتاز والذي سيبدأ من موسم 2016 - 2017 بقيمة ثمانية مليارات جنيه.
مشاركة :