بدأت في سوريا.. الفيدرالية سايكس ـ بيكو ثانية!

  • 3/24/2016
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

رغم استمرار هذه «الهدنة» الخجولة التي تعاني من اختراقات يومية مقصودة من قبل النظام، وفي بعض الأحيان من قبل الروس، ورغم تواصل هذه المفاوضات الكسيحة، فإن ما يبدد الأمل في التوصل إلى الحل السياسي المرتقب، إنْ على أساس بيان أو اتفاق «جنيف 1» أو غيره، هو أنّ الأميركيين ما زالوا مترددين ولا يزال موقفهم غير حازم وهم يقدمون رِجْلاً ويؤخرون أخرى، بينما يواصل الروس هجومهم الكاسح، سياسيًا وعسكريًا، في حين أنّ بشار الأسد لم يتوقف عن مناوراته البائسة والسخيفة، وكل هذا بينما بات من الواضح وكأن الأوروبيين قد خرجوا من هذه الحلبة نهائيًا بعد موجة الإرهاب «المشبوهة» التي ضربت باريس وعددًا من المدن الأوروبية الأخرى، وضربت بروكسل في بلجيكا، أول من أمس (الثلاثاء). كان المفترض، قبل استئناف المفاوضات التي تدور في حلقة مفرغة، أنْ يتوقف قصف النظام للأهداف المدنية والمدارس والمستشفيات، وأن يتوقف أيضًا التحرش المستمر باسم تنظيم داعش بالدول المجاورة بتركيا أولاً وبالأردن ثانيًا، على غرار ما جرى في مدينة إربد الحدودية التي هي ثاني مدينة أردنية، بعد العاصمة عمان، قبل أكثر من أسبوعين. هناك مثل شعبي مستخدم في بلاد الشام، وربما أيضًا في بعض الدول العربية الأخرى يقول: «لو أنها فعلاً ستشْتي لكانت غيّمت أولاً»، ولذلك، لو أن الروس يريدون حلاً سياسيًا على أساس بيان «جنيف 1» وعازمون فعلاً على التخلي عن «صاحبهم»، على أساس هذا البيان، فلمَ بقوا يتصرفون بهذه الطريقة غير المفهومة، ولمَ حاولوا فرض وقف إطلاق النار من جانب واحد الذي من الواضح أنّ المقصود به هو المعارضة السورية وليس النظام؟! ولعل ما هو مضحك فعلاً أن بشار الأسد، الذي من المفترض أنه يعرف أن هناك هدنة غدت سارية المفعول وقّعها دون استشارته سيرغي لافروف، لم يتورع عن إطلاق «نكتة» ثقيلة الظل، عندما قال في حديث لإحدى قنوات التلفزيون الألماني ودون أن يرفّ له جفن: «أقترح على مقاتلي المعارضة عفوًا عامًا مقابل تخليهم عن أسلحتهم وتسليمها للحكومة السورية». إن المعروف أن رئيس هذا النظام الذي أصبح كالزوج المخدوع آخر مَنْ يعلم أنه لم يعد بيده أي قرار، لا بالنسبة لهذه الهدنة المتأرجحة ولا بالنسبة للمفاوضات البائسة الحالية في جنيف، لكن ومع ذلك فإن هناك مثلاً يقول: «خذوا أسرارهم من صغارهم»، وأنّ هذا العرض الآنف الذكر إذا كان جديًا بالفعل، فإن صاحبه الحقيقي هو قيصر هذا العصر فلاديمير بوتين، وليس مَن أصبح لا علاقة له بكل ما يجري في بلد من المفترض أنه بلده إلا بمتابعة المواقع الإلكترونية ومشاهدة شاشات الفضائيات العربية والعالمية. ثم إن ما يدل على أن الروس لديهم «موّال» غير موال «جنيف 1» والمرحلة الانتقالية أنهم تقدموا بعرض على لسان أحد كبار مسؤوليهم، من الواضح أنه عرض جدي، كانوا تحدثوا فيه عن تحويل هذا البلد إلى دولة فيدرالية «اتحادية»، وذلك في حين أن «الصديق العزيز»!! جون كيري، كان قد أطلق تصريحًا استفزازيًا قال فيه إنه «إذا استمر القتال فإن سوريا ستنتهي إلى الانقسام والتقسيم»، وهنا فإنه لا يمكن أن يكون ما قاله وزير الخارجية الروسي وما قاله وزير الخارجية الأميركي هو مجرد «توارد خواطر» بين صديقيْن عزيزين لكل واحد منهما رأسه الخاص به، لكنهما يفكران تجاه هذه الأزمة بعقل واحد هو عقل الماركسي - اللينيني السابق والرأسمالي - الإمبريالي اللاحق!! وهنا، فإن ما يوجع القلب فعلاً هو أن بعض «الكتبجية» العرب الذين كانوا شاركوا في وفد من الشيوعيين السابقين زار موسكو قبل فترة قد انبروا فورًا للترويج لهذه المؤامرة الخبيثة، والقول دون أي خشية وأي حياء إن الصيغة الفيدرالية هي سمة الدول المتقدمة والناجحة كالولايات المتحدة وروسيا والهند والعديد من الدول الأوروبية الصغيرة والكبيرة، وكل هذا في حين أنّ المفترض أن هؤلاء يقولون هذا الذي يقولونه وهم يعرفون ليس بحكم اطلاعهم المفترض على التجارب الناجحة للشعوب، وإنما بحكم شيوعيتهم السابقة، أن أنماط الحكم الفيدرالي والاتحادي تكون مطلوبة وضرورية عندما تكون الدولة المعنية مستقرة وقوية ومتماسكة، وليس عندما تكون تعاني من حرب أهلية ومن نزعات انشطارية وتقسيمية على غرار الوضع في سوريا والعراق واليمن وليبيا. والسؤال هنا أيضًا هو: هل يا تُرى «لا مركزية» بول بريمر المطبَّقَة في بلاد الرافدين هي نمط فيدرالي «اتحادي» متقدِّم على غرار ما هو مطبَّق في روسيا الاتحادية والولايات المتحدة وألمانيا والهند ودول أخرى، أم أنه تشظٍّ مذهبي وطائفي كانت نتيجته هذه الحرب القذرة المدمرة في العراق التي لا يستفيد منها إلا الولي الفقيه في طهران، والتي لا تخدم إلا تطلعات إيران التمددية في العراق وفي المنطقة العربية..؟! لقد تحول العراق العظيم بـ«فَضْل» هذه اللامركزية، التي أبدعتها عقول مريضة وأسهمت في فرضها على بلاد الرافدين جهات ومجموعات تآمرية، إلى شظايا وطن تتحارب فيه فيما بينها على أساس مذهبي وطائفي وعرقي تنظيمات تتنافس على السلب والنهب، وهذا يعني أن هذا البلد العربي الذي غدا خاضعًا للوصاية الإيرانية المباشرة سيحتاج ربما إلى قرن بأكمله وأكثر ليستعيد وحدة أرضه ووحدة شعبه ووحدة وجدانه ووحدة ترابه.. وأيضًا وحدة لغته العربية.. لغة القرآن الكريم. ثم كيف من الممكن يا تُرى أنْ تكون اللامركزية ضرورية وصيغة حضارية ومتقدمة في سوريا، وهي تعاني حاليًا من حرب طاحنة مستمرة منذ نحو خمسة أعوام، وأيضًا وهي تعاني من هذا التدخل الروسي المستمر، ومن هذا الاحتلال الإيراني المذهبي، ومن احتلال حزب الله، واحتلال أكثر من أربعين تنظيمًا طائفيًا كلها تأتمر بأوامر الولي الفقيه في طهران.. وتذبح في هذا البلد العربي على الهوية الطائفية والمذهبية؟! لقد تحدث بشار الأسد بعظمة لسانه عن أنه يريد أن تقتصر دولته المنشودة، التي لن تكون إلا طائفية ومذهبية، حتى وإنْ هو رفع فوقها شعار «أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة»، على «سوريا المفيدة» فقط، والواضح هنا أن هذا التهجير، الذي قال حلف شمال الأطلسي (الناتو) إنّ الروس ومعهم هذا النظام السوري يقفون خلفه، هدفه أن تصبح هذه الـ«سوريا المفيدة» الدولة المذهبية المطلوبة التي إنْ هي قامت، ونأمل ألاّ تقوم إطلاقًا، فستشعل نيران حروب طائفية في هذه المنطقة كلها قد تستمر لمئات السنين، وعندها فإنه ستكون هناك مؤامرة العصر التي ستكون بالتأكيد أخطر كثيرًا من مؤامرة «سايكس بيكو»!

مشاركة :