جمهور مسرح «لا كولين» في باريس تجربة غريبة طوال ثلاثة أسابيع، قبل أن يعاد عرضها فترة أطول اعتباراً من الشهر المقبل في القاعة ذاتها، ولاحقاً في جولة أوروبية طويلة. وتتلخص التجربة في تقديم المخرجة المسرحية البرازيلية كريستيان جاتاهي نص «الأخوات الثلاث»، أحد أشهر ما كتبه الروسي أنطون تشيخوف، ولكن في صيغة جديدة وجريئة إلى أبعد حد إذا أخذنا في الاعتبار أن الأعمال الكلاسيكية يندر المساس بها وتقديمها في حلة تكسر إطارها الأصلي وتبتعد عن روح كتابتها مثلما ابتكرها المؤلف. وأول ما فعلته جاتاهي كان تغيير عنوان «الأخوات الثلاث» إلى «ماذا لو ترددن إلى موسكو؟»، إشارة إلى التساؤل المستمر طوال أحداث المسرحية عما قد يحدث في حالة مغادرة الأخوات الثلاث بيتهن في الريف الروسي من أجل التردد إلى العاصمة موسكو. والتغيير الثاني يتمثل في تقسيم العمل إلى جزءين منفصلين أولهما مسرحي والثاني سينمائي، بمعنى أن المشاهد يحصل على بطاقة دخول تحمل بصمة وردية أو زرقاء مشيرة إلى القاعة المفروض التردد إليها. وبينما سيشهد حضور الصالة الوردية المسرحية في شكل عادي لمدة ساعة ونصف الساعة، سيحضر النصف الجالس في الصالة الزرقاء نسخة مصورة من العمل ذاته على شاشة ضخمة. والفيلم ينقل مباشرة في القاعة المجاورة بواسطة ثلاث كاميرات تركز كل واحدة منها عدستها على إحدى الممثلات الثلاث، ما يسمح للمشاهد بالمشاركة في العرض بما أن العدسات إياها تلتقط حضوره ورد فعله هنا وهناك. وتأتي الاستراحة وهي طويلة نوعاً ما (٤٠ دقيقة) ينتقل فيها جمهور كل صالة إلى الثانية قبل أن يبدأ العرض مجدداً وعلى النمط ذاته سامحاً لكل فئة من الحضور برؤية ما تابعته الفئة الثانية في الفصل الأول. وإذا كانت التجربة غريبة في تصورها ومثيرة للتساؤلات حول الهدف الكامن وراء خوضها، فإن الأمور تتضح إثر الانتهاء من مشاهدة الجزءين المسرحي والسينمائي، إذ يدرك كل مشاهد أنه في النهاية شهد عملين منفصلين تماماً أحدهما عن الآخر، وأن التعابير والحركات الخاصة بالممثلات التي تلتقطها الكاميرا، تختلف جذرياً عن تلك التي يلاحظها الجمهور فوق الخشبة من بعد، حتى بالنسبة إلى الجالسين في الصف الأمامي، ذلك أنهم لا يزالون يشاهدون من بعد بالمقارنة بوضوح الصورة المعروضة فوق الشاشة. واختارت المخرجة جاتاهي ثلاث ممثلات مسرحيات برازيليات وموهوبات يؤدين أدوارهن في لغتهن الأصلية مع وجود ترجمة فورية باللغة الفرنسية تظهر في أعلى الخشبة. وبقيت كريستيان جاتاهي في المسرح فـــي أثنـــاء كـــل العروض لتلتقي الـحاضرين في البهو إثر العرض وترد علــــى أسئلتهم. وبناء على ما تكون قد تعلمته من جمهورها ستجري بعض التـــعديلات في المسرحية السينمائية قبــل عروضها المقبلة في باريس وفي الجولة الخارجية. وبينما هنأها بعضهم على جرأتها، اتهمتها فئة علناً بخيانة روح عمل تشيخوف من أجل مبادرة لا تتعدى «الفرقعة» الإعلامية.
مشاركة :