نعيش الآن حقبة تاريخية فريدة فيما يتعلّق بإنشاء البيانات، فنحن نشهد طفرة غير مسبوقة من البيانات الكفيلة بتوفير فرص جديدة لتقديم معلومات هادفة لاتخاذ قرارات مستنيرة على نطاق واسع. بغض النظر عن حجم الشركة، تنتج كل شركة حديثة كمية كبيرة من البيانات. ولكن في العصر الذكي الذي نعيشه الآن، لم يعد الأمر يتعلق بكمية البيانات التي يمكن لشركة واحدة إنتاجها، بل بكيفية استخدام تلك البيانات والقدرة على طرح الأسئلة الصحيحة للحصول على الإجابات الصحيحة. تعمل التحليلات على التمييز بين عملية اتخاذ قرارات مستنيرة في الوقت الفعلي وبين التفوق على المنافسين الذين يعطون الأولوية للمهارات الرقمية، وخاصة معرفة البيانات. ولكن، في حين أن الرؤى المستندة إلى البيانات أصبحت ركيزة لاتخاذ قرارات أسرع وأكثر استنارة على جميع مستويات الشركة، فإن تحويل هذه البيانات إلى رؤى قيمة لصنع القرار، لا يزال بعيد المنال بالنسبة للعديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة. إذا نظرنا إلى الشركات الخمس الأكثر ربحية في العالم، فسنجد أن جميعها تشترك في شيء واحد وهو أبعد ما يكون عن الاحتياطيات النقدية أو العقارات. العامل المشترك بين هذه الشركات هو قدرتها على جمع البيانات وتحليلها والتصرف بناءً عليها، وعلى نطاق واسع، لاتخاذ قرارات فعالة. ومع ذلك، ليس من الضروري أن يقتصر علم البيانات والتحليلات على المؤسسات الكبيرة. بينما ينظر العديد من قادة الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى عملية تحرير البيانات من المتراكمة على مدى عقود والقدرة على استخدامها على أنها أمر معقد يتطلب سنوات من الخبرة في علوم البيانات، إلا أن هذا اعتقاد خاطئ. يمكن لكل شركة مواجهة تحديات اليوم أو استباق تحديات الغد من خلال تحسين البيانات الأولية للحصول على رؤى مستنيرة واتخاذ قرارات فعالة وفقاً لها. إذاً، كيف يمكن لشركة، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة ذات الموارد المحدودة، الانطلاق في رحلة التحليلات الخاصة بها؟ خارطة الطريق لتنفيذ تحليلات البيانات: فيما يلي دليل مفصل لبدء رحلة تحليلات بيانات شركتك، خطوة بخطوة: حدد الأهداف المرجوّة من تحليلات بيانات شركتك: ابدأ بتحديد الأهداف التي تطمح شركتك إلى تحقيقها من خلال تحليلات البيانات. قد تشمل هذه الأهداف تعزيز تجربة العملاء، أو تحسين الكفاءة التشغيلية، أو زيادة الإيرادات. في الوقت نفسه، حدد مؤشرات أداء رئيسية كمعايير لقياس التقدم. على سبيل المثال، إذا كان الاحتفاظ بالعملاء أحد أهدافك، فكر في مؤشرات الأداء الرئيسية مثل معدل التوقف عن العمل أو تكلفة اكتساب العملاء. تعرّف على منظومة بيانات شركتك: اجمع مصادر البيانات المختلفة الصادرة من شركتك في كاتالوج شامل. غالباً ما تمتلك الشركات الصغيرة والمتوسطة بيانات بأشكال مختلفة، بما في ذلك سجلات المبيعات، بيانات العملاء، تحليلات مواقع الويب، وسائل التواصل الاجتماعي وآراء العملاء وغيرها. عند اختيار مصادر البيانات، ابدأ بتقييم بعض العوامل الرئيسية مثل جودة البيانات وحجمها وتنوعها، ثم تنظيم وتحليل هذه البيانات للكشف عن الاتجاهات والأنماط السائدة. لتحقيق ذلك، يمكنك استخدام أدوات مساعدة مثل جداول البيانات أو برمجيات تصوّر البيانات. فضلاً عن اكتساب رؤى حول سلوك العملاء واتجاهات المبيعات وحركة المرور على موقع شركتك الإلكتروني. سيمكنك هذا الفهم من اتخاذ قرارات أكثر استنارة ويكشف عن المجالات التي تتطلّب التحسين. جهّز آلية التحليلات الخاصة بشركتك: استعرض أدوات وتقنيات تحليل البيانات التي تتوافق مع احتياجاتك وأهدافك المحددة من البيانات. اعتماداً على متطلباتك، قد تحتاج إلى منصة لتحليل البيانات، أو نظام إدارة قاعدة بيانات، أو برمجيّة لتصوّر البيانات، أو مجموعة من هذه الحلول. ضع في اعتبارك عوامل مثل قيود الميزانية، وتوافر الموارد والمهارات الداخلية، وطبيعة مصادر البيانات. تشجيع ثقافة البيانات وتنميتها: احرص على تضمين ثقافة التعلم المستمر في شركتك للتغلب على أي اختلالات قد تواجهها شركتك. كشف تقرير أجرته برايس ووترهاوس كوبرز أن 84% من الرؤساء التنفيذيين في المنطقة يخططون للاستثمار في الأتمتة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا السحابية في عام 2023، بينما يعتزم 74% منهم الاستثمار في تحسين مهارات القوى العاملة في شركاتهم. لتأسيس ثقافة تعتمد على البيانات، ينبغي أن تحرص الشركات على تعزيز المعرفة بالبيانات بين الموظفين، وتوفير إجراءات واضحة تساعد في خلق ثقافة صنع القرار القائم على البيانات، وتشجيع التجريب والتعلّم. من خلال دعم الموظفين في جميع الأقسام بمهارات البيانات، سيتم تمكينهم سريعاً للعمل والقيادة بشكل أسرع وأكثر كفاءة من خلال ذكاء القرار المبني على البيانات. ونتيجة لذلك، ستقدّر هذه الثقافة الناتجة البيانات وتستخدمها لدفع نجاح الشركة. جمع البيانات وتنظيفها: قم بتحديد إجراءات واضحة لجمع البيانات بشكل منهجي من المصادر المتاحة لك. قد يتضمن ذلك تنفيذ رموز التتبع، أو دمج واجهات برمجة التطبيقات، أو استخدام أدوات وآلية مصممة لاستخراج البيانات. وفي الوقت نفسه، قم بوضع إجراءات محددة للتأكد من أن البيانات المجمعة نظيفة ودقيقة وخالية من الأخطاء. على سبيل المثال، تساعد الاستبيانات التي يتم إجراؤها عبر البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الموقع الإلكتروني للشركة، ويتم إجراؤها من خلال أدوات تحليل التعليقات، الشركات الصغيرة والمتوسطة على فهم احتياجات العملاء وتفضيلاتهم. تعمل مثل هذه التحليلات على تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من تحسين المنتجات أو الخدمات واكتساب رؤى أعمق حول سلوك العملاء. بعد ذلك، قم بتقييم قدرة أدوات وتقنيات تحليل البيانات على أتمتة هذه المهام مثل إزالة التكرار، ومعالجة القيم المفقودة، وتوحيد نماذج البيانات. تقييم وتحسين استراتيجية شركتك: تحليلات البيانات عملية متكررة تمكّن الشركات الصغيرة والمتوسطة من التكيف والتحسين، وتعزيز قدرتها التنافسية وتحقيق النمو المستدام. من خلال عمليات جمع البيانات وتنظيفها، يمكنك الاستفادة من الرؤى المكتسبة لتحسين عملياتك، ومراقبة وتقييم أداء شركتك باستمرار مقابل مؤشرات الأداء الرئيسية المحددة. تُعتبر برمجيات التصوّر حلاً مثالياً لمراقبة لوحة معلومات شركتك وتتبعها. سخّر هذه الرؤى واستخدمها كأساس لمواصلة تحسين استراتيجية تحليلات بيانات شركتك. تبني الأساليب المعتمدة على البيانات ليس مجرد رفاهية للشركات الكبيرة، بل ضرورة لكل شركة تتطلع إلى الازدهار والبقاء في المنافسة. ينبغي على الشركات التي تهدف إلى تسخير إمكانات البيانات والاستعداد للمستقبل لتحقيق النمو أن تأخذ في الاعتبار حلول تحليلات الأعمال كأداة أساسية. من خلال استراتيجية واضحة، يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة استخدام تحليلات البيانات لتعزيز رؤى العملاء، وتبسيط العمليات، والتكيف مع المنافسة. يضمن التقييم المستمر وتحسين النهج تحقيق المرونة في مشهد الأعمال المتطور.
مشاركة :