على الرغم من المجازر والدمار الذي ارتكبه العدو الإسرائيلي الهمجي في قطاع غزة والتي صنفها الجميع بأنها إبادة جماعية ترتقي إلى جريمة حرب بكل المقاييس، وعلى الرغم من أن القادة الإسرائيليين كان سقف طموحاتهم مرتفعا جداً هدف الاستفادة من الأزمة للتوسع وابتلاع غزة من خلال تهجير سكانها إلى الأراضي المصرية ووضعهم في مخيمات إيواء مؤقتة ثم تُصبح دائمة على غرار 31 مخيما رسميا للاجئين الفلسطينيين في الأردن وسوريا ولبنان، ولكن سير مجريات الحرب لم تكن متوقعه فالموقف المصري الرافض لهذا المشروع بعثر أوراقهم وقلب الموازين وهذا موقف مُشرف لمصر العروبة التي كانت وستبقى ثابتة في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة. وبما أن عملية التهجير فشلت، لجأت قوات الاحتلال الصهيوني إلى عمليات تدمير المدينة بشكل وحشي ظنًا منها بأن هذا من شأنه أن يدفع الأهالي إلى الرحيل خوفاً على أرواحهم، وهذا المخطط فشل بل وقُوبل بمناهضة دولية واسعة لم تكن في حسابات العدو الصهيوني إطلاقاً على الرغم من نفوذهم المطلق على توجهات الإعلام الغربي مما دفعهم إلى القبول بالتهدئة والمساومة على إطلاق سراح أسراهم، في الوقت نفسه ما زالت محاولاتهم مستمرة لمواصلة هذه الحرب الرعناء ضد شعب أعزل مضطهد في أرضه، ولعل خيار الحرب الإقليمية هو ملاذهم الأخير للخروج من هذه المرحلة بانتصار يدفع باتجاه مخطط إسرائيل الكبرى. ما يشجع إسرائيل على مواصلة الحرب هو يقين قادتها بأنهم ليسوا وحدهم في هذه الحرب ضد غزة حتى وإن توسعت هذه الحرب لتشمل دول إقليمية أخرى، فاللوبي اليهودي يُعتبر المحرك الرئيس للإدارة الأمريكية وللاتحاد الأوروبي وهذه الدول لا تمتلك حق المعارضة أو تقف ضد المخطط الصهيوني وقد سبق أن ذكرنا بمقال سابق تأثير عائلة روتشيلد اليهودية وغيرها من الأثرياء الصهاينة اللذين يتحكمون بصناعة القرار الغربي تحديداً. بالنسبة إلى إسرائيل الحرب الإقليمية خيار صعب وقاس وله تبعات مؤلمة ولهذا يهيئ القادة الإسرائيليون الرأي العام الإسرائيلي لمفاجآت غير محسوبة في حربهم علىغزة، من خلال حديثهم عن حرب طويلة ومكلفة وقاسية بشرياً ومادياً، وقد وضعوا سقوفاً عالية لحربهم يصعب تحقيقها دون وجود خطة واضحة عسكرياً أو سياسياً وقرار الحرب الإقليمية أحد الخيارات المطروحة، كما أن الحرب أصبحت الحل الوحيد لتهجير سكان غزة وبالتالي إمكانية ضم أراض جديدة إلى مستوطناتها وربما يكون سقف طموحهم أكبر من غزة وذلك بالتوسع وضم أجزاء من سيناء وسوريا. إسرائيل تمتلك ترسانة أسلحة قُدرت بالأكبر والأحدث في منطقة الشرق الأوسط، ومواجهة حماس لا تتطلب أساطيل حربية أمريكية ولا عتادا ودعما عسكريا ألمانيا ولا بوارج فرنسية وبريطانية ترسو قبالة السواحل الفلسطينية، ولكن هناك غاية أخرى من وجود هذه الحشود العسكرية في سواحل البحر المتوسط يتعدى مواجهة عناصر حماس وتحرير الرهائن، فهل تُقدم إسرائيل وحلفاؤها على افتعال حرب إقليمية أم تكتفي بما تم من تدمير وقتل لأطفال ونساء غزة وتوقف هذه الحرب العبثية؟ في نفس السياق صرح العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بأن استمرار إسرائيل في حربها البشعة على غزة سيدفع إلى انفجار الأوضاع في المنطقة بأسرها، هذا التصريح جاء بسبب ضغط إسرائيل المتواصل على دول الجوار لفتح الحدود واستقبال سكان غزة بهدف تهجيرهم، في الوقت الذي تتمسك جميع القوى الإقليمية برفض مناقشة هذه الفكرة، إذاً هناك طرف يُصر على التهجير وأطراف أخرى ترفضه، ولكن إسرائيل تجد نفسها الأقوى وهي من يدير مجريات الأحداث وهي ليست وحيدة في الميدان كما أسلفنا ولن تتنازل عن هذه الفرصة للتوسع بأي ثمن كان وهذا ما أبدته الإدارة الأمريكية من مخاوفها من مساع إسرائيلية لخلق ذريعة لتوسيع الحرب على جبهة لبنان ما من شأنه أن يجر واشنطن إلى قلب الصراع في المنطقة، وهذه النوايا الإسرائيلية السيئة أصبحت مكشوفة ودول المنطقة مدركة لهذا التوجه فتسعى لتفويت الفرصة من خلال المفاوضات السياسية المباشرة وغير المباشرة لكي يُطفئوا نيران الحرب.
مشاركة :