تأتي استضافة دولة الإمارات مؤتمر «كوب28» الحدث الأكبر عالميًّا المعني بقضايا المناخ، في سياق قدرتها المتراكمة على تنظيم الفعاليات الدولية الكبرى، ويعكس إسناد تنظيم هذا المؤتمر إلى الإمارات تقدير المجتمع الدولي للجهود الإماراتية الرائدة في مجال حماية البيئة والاستدامة. وتمثِّل المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي 2050 التي وضعتها الإمارات، إطارًا يهدف إلى خفض الانبعاثات وتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، ما يجعل الإمارات أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعلن عن هدف صفر انبعاثات كربونية بحلول 2050. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى رفع كفاءة الاستهلاك الفردي والمؤسسي بنسبة 40%، ورفع إسهام الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة المنتجة بالدولة إلى 50% وتحقيق توفير يعادل 700 مليار درهم حتى عام 2050، بالإضافة إلى خفض الانبعاثات الكربونية من إنتاج الكهرباء بنسبة 70% خلال العقود الثلاثة المقبلة، وتستهدف الإمارات المزج بين مصادر الطاقة المتجددة، لضمان تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والأهداف البيئية باستثمارات تبلغ 600 مليار درهم حتى 2050. في السياق نفسه يتبنى البرنامج النووي السلمي لدولة الإمارات استراتيجية لتعزيز البنية التحتية لقطاع الطاقة، في إطار الاحتياجات المتزايدة لقطاعات الاقتصاد الوطني المختلفة والتي يعكسها النمو السكاني وتزايُد الأنشطة الاقتصادية وتنوُّعها، وتعد محطات «براكة» للطاقة النووية حجر الأساس لهذا البرنامج حيث تقدر طاقتها التشغيلية بـ 5.6 جيجاوات من الطاقة الكهربائية، ما يقلِّص الانبعاثات الكربونية السنوية بنحو 22.4 مليون طن، أي ما يعادل إزالة 4.8 مليون سيارة من شوارع الدولة سنوياً. وفي الواقع، فإن نموذج نشر الطاقة المتجددة محليّاً وعالميّاً هو نموذج إماراتيّ بامتياز، ويمثل أحد الركائز الرئيسة لإسهام الدولة في الجهود الدولية لحماية المناخ، إذ تنفذ الإمارات العديد من مشاريع الطاقة النظيفة عالميًّا، كما تعزز استخدام حلول الطاقة المتجددة بالعالم، حيث استثمرت نحو 17 مليار دولار في مشاريع للطاقة المتجددة في 70 دولة حول العالم. وقد أسهمت جهود دولة الإمارات لحماية البيئة عن وجودها في المراتب المتقدمة في التقارير الدولية ذات الصلة، حيث تعد الإمارات من أكثر دول العالم أمانًا في مواجهة المخاطر والتحديات البيئية، لتحتل بذلك المرتبة 165 ضمن 180 دولة في عام 2020 (الأكثر عرضة للمخاطر هي الأقرب للرقم 1 والأقل عرضة للمخاطر هي الأقرب للرقم 180) في مؤشر المخاطر المناخية العالمي لعام 2021. وقد أقرت الإمارات، انطلاقاً من حرصها على ترسيخ نهج التنمية المستدامة، برامج التنويع الاقتصادي لتقليل إسهام منتجات الطاقة الأحفورية في الناتج المحلي الإجمالي، ما قلَّص البصمة الكربونية للدولة عالميّاً، ودفع بقطاعات جديدة للمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي ومنها السياحة والنقل والخدمات اللوجستية والبناء والتشييد (أسهم قطاع الطاقة بنحو 27% عام 2022). إن انخراط دولة الإمارات في الجهود الدولية لمكافحة التغير المناخي، والتقدُّم الملحوظ في تطبيقات حماية البيئة، والمراتب المتقدمة التي تحصل عليها الدولة في التقارير الدولية المتعلقة بالمناخ، والثقة الدولية في قدرتها على قيادة العمل المناخي الإقليمي، كل ذلك هو حصيلة رؤية سباقة استشرفت مستقبل التوجه العالمي نحو اعتبار قضايا والبيئة والاستدامة والاقتصاد الأخضر أولويات أساسية على قائمة اهتمام معظم دول ومنظمات العالم. *صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
مشاركة :