بينما كان رئيس مجلس الدولة الليبي محمد تكالة ينهي زيارته إلى موسكو بعد لقاءات جمعته بعدد من كبار المسؤولين الروس، كان القائد العام للجيش الليبي الجنرال خليفة حفتر يلتقي في بنغازي مع نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف، لبحث جملة من القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتي عادة ما لا تشير إليها البيانات الرسمية. وهذا ثالث لقاء يجمع بين حفتر ويفكوروف منذ أغسطس الماضي، ويأتي في سياق الجولات المكوكية التي يقوم بها المسؤول الروسي في دول المنطقة، لاسيما في ظل التحولات الكبرى التي تعرفها دول الساحل والصحراء. ويرى مراقبون أن تناميا واضحا للنفوذ الروسي في ليبيا بدأ يتشكل، وهو ما يزعج العواصم الغربية وعلى رأسها واشنطن التي عادة ما تخرج مواقف للعلن في شكل تخمينات بوجود مشاريع روسية لبناء قواعد عسكرية في مناطق نفوذ حفتر، لكن سرعان ما يتم تكذيبها من الجهات المعنية. وأكدت أوساط ليبية مطلعة أن موسكو باتت على صلة بجميع الأطراف السياسية في ليبيا، بمن في ذلك رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة الذي من المنتظر أن يزور موسكو أوائل العام القادم. محمد تكالة: روسيا يمكن أن تكون وسيطا لتجاوز الصراع في ليبيا محمد تكالة: روسيا يمكن أن تكون وسيطا لتجاوز الصراع في ليبيا وأضافت أن روسيا تعمل على توطيد علاقاتها مع جميع الفرقاء الأساسيين في البلاد، بعد أن كانت تعتبر حليفة لقيادة الجيش ومجلس النواب دون غيرهما، وهي تسعى لترجمة تلك العلاقات إلى وساطة بين مختلف الأطراف المتنازعة لتكريس مصالحة وطنية قبل أي خطوة في اتجاه تنظيم الانتخابات. وبحسب الأوساط ذاتها تنظر موسكو إلى العلاقات مع ليبيا في شموليتها التاريخية والحضارية وفي علاقتها بالظروف الإقليمية والدولية، وكذلك في سياق علاقاتها المتميزة مع القوى المؤثرة في الملف الليبي كتركيا ومصر، وفي ظل التحولات التي تعرفها دول المنطقة القريبة من ليبيا كالسودان والنيجر ومالي، وهي ترغب في أن تكون علاقاتها قوية ومتوازنة مع جميع الفرقاء سواء في شرق البلاد أو في غربها، ومع رموز النظام السابق، وتلتقي في تلك التوجهات مع عدد من حلفائها التاريخيين. وخلال مقابلة تلفزيونية في موسكو قال رئيس مجلس الدولة الاستشاري الليبي محمد تكالة إن “روسيا لها دور كبير جدا باعتبار أن العلاقات الليبية – الروسية قديمة، ولها علاقات بأغلب الأطراف الليبية المتصارعة الآن على السلطة للتوصل إلى السلام، وبإمكانها لعب دور الوسيط بين كافة الأطراف الليبية من خلال هذه العلاقات، ومن خلال تاريخها مع ليبيا. وكلما كانت التدخلات الروسية إيجابية ولا تغلّب طرفا على آخر كانت النتائج إيجابية”. وحول العلاقات الاقتصادية بين روسيا وليبيا قال تكالة إن “الاقتصاد هو الوسيلة للتواصل بين الشعوب، والاقتصاد يعني مصالح مشتركة بين الشعوب أو بين الدولتين، نحن دولة مازالت بكرا من الناحية الاقتصادية ولديها موارد اقتصادية عالية جداً وعدد السكان قليل، والدولة الروسية لها باع وتاريخ كبير جداً في مجال الطاقة والغاز، (…) نحن محتاجون إلى تعاون اقتصادي وثيق بين دولة روسيا وليبيا في مجال التعليم العالي وفي مجال الصحة وفي مجال الطاقة وفي مجال الزراعة وفي الاستثمارات الأخرى من ناحية السياحة وفي العديد من المجالات، لكن نحن مركزون الآن على مجال الطاقة والغاز”. وأشار تكالة إلى أنه “سيكون هناك اهتمام كبير من جانب الليبيين باستقطاب الشركات الروسية للعمل في ليبيا، خاصة وأن الشركات الروسية لها باع كبير جدا في مجال النفط والغاز ونحن محتاجون طبعاً لتعدد الشركات من مختلف الجنسيات، وروسيا ستكون أحد الأهداف”. إلى ذلك وصف السفير الروسي لدى ليبيا إيدار أغانين زيارة تكالة إلى موسكو بالناجحة، مضيفا في تصريح لوكالة تاس أن “المجلس شكل فريق اتصال لتطوير العلاقات مع روسيا على المستوى البرلماني”. روسيا تعمل على توطيد علاقاتها مع جميع الفرقاء الأساسيين في البلاد، بعد أن كانت تعتبر حليفة لقيادة الجيش ومجلس النواب دون غيرهما وأوضح السفير الروسي أن “تكالة والوفد المرافق له توصلا إلى اتفاقات جيدة للغاية على المستوى البرلماني؛ أولا وقبل كل شيء، أعطت رئيسة مجلس الاتحاد فالنتينا ماتفيينكو تعليمات لإعداد خارطة طريق لتطوير العلاقات بين روسيا وليبيا في عدد من المجالات وتم تشكيل فريق اتصال مع البرلمان الروسي في مجلس الدولة”. كما أكد رئيس البعثة الدبلوماسية الروسية أن الزيارة تدل على أن روسيا، من خلال دعوتها لرئيس مجلس الدولة، تظهر تطور العلاقات مع ليبيا في سياق الانقسام بالبلاد مع كل من الشرق والغرب، مردفا أن “روسيا تتفاعل مع ليبيا بأكملها لأن مصلحتها وموقفها أن تكون ليبيا موحدة ومستقرة وآمنة”. ورأى محللون ليبيون أن روسيا لا ترغب حاليا في إنشاء قاعدة عسكرية في ليبيا كما تزعم مصادر غربية، وهي لا تريد إحراج حلفائها الليبيين ولا إثارة غضب وتشنج العواصم الغربية التي لا تزال تحاول تفكيك دور قوات فاغنر في ليبيا والدول الأفريقية الأخرى، وأنها تهدف إلى تأمين مصالحها الاقتصادية والسياسية عبر وساطة بين الفرقاء لتحديد ملامح المرحلة القادمة في ليبيا، وإلى الاتفاق على مشاريع كبرى ذات أبعاد إستراتيجية. ويشير المحللون إلى أن موسكو باتت تمتلك علاقات مهمة مع جميع الأطراف الفاعلة في ليبيا، ويمكنها لعب دور مهم في جمع الفرقاء حول طاولة واحدة، لكن ذلك يحتاج إلى مناخ دولي مناسب. ويضيفون أن روسيا تعتبر إلى جانب الاتحاد الأفريقي أكثر الأطراف الخارجية تشبثا بمبدأ المصالحة قبل الانتخابات، لأن الحل السياسي في ليبيا يجب أن يشمل الجميع ويحظى بقبول واعتراف كل الفاعلين الأساسيين في البلاد.
مشاركة :