يحاول رجل عبثا حبس دموعه وهو يحمل جثمانا صغيرا في كفن أبيض، وقربه تتساقط دموع نساء على أطفالهن، يبكي نحيبهن الحجر، بينما يؤدي رجال صلاة الجنازة. ذلك هو المشهد بغزة.. دموع ونحيب وانكسار يودع الشهداء ويضمد الجرحى، والمصابون عند مدخل خيمة من بين خيام أخرى نصبها فلسطينيون يحتمون من القصف حول مستشفى ناصر في قطاع غزة المحاصر. غصت المشرحة في المستشفى مجددا بالشهداء بعد انتهاء الهدنة قبل أيام، وعاودت مشرحة المستشفى في مدينة خان يونس استقبال ضحايا القصف البري والجوي والبحري الإسرائيلي على القطاع، أما الباحة الخارجية فتغص بأقارب ومحبين يؤدون صلاة الميت على الضحايا قبل نقلهم لدفنهم ووداع آخرين.. وفقا لتقرير نشرته صحيفة «إندبندنت عربية». دموع أم تذرف جمانة مراد الدموع بغزارة وهي تقول «ذهب لينقذ الناس وحدث قصف ثان فأصيب بشظية قاتلة في رأسه». تتحدث السيدة المكلومة عن ابنها محمد بعدما نزحت مع عائلتها من مدينة غزة إلى مدرسة خالد الحسن بخان يونس، حيث أقاموا في خيم موقتة، تقول «فجأة بدأ القصف وكان ابني محمد يحاول إخراج النساء والأطفال من خيمتنا». تقول المرأة التي ارتدت ملابس سوداء اللون وغطت رأسها بغطاء مزين بألوان زاهية، «نحن من النازحين من شمال غزة» حيث ركز الجيش الإسرائيلي عملياته البرية الوحشية اعتبارا من الـ 27 من أكتوبر الماضي بعد 20 يوما من بدء الحرب إثر هجوم «حماس» على إسرائيل. وأمر الجيش الذي دفع بدبابته وآلاته العسكرية ما يناهز 1.1 مليون نسمة يقطنون شمال قطاع غزة إلى إخلائه والتوجه جنوبا، من دون أن تتسنى لمن غادروا فرصة العودة حتى اليوم. أشكو همومي تؤكد جمانة أن الجيش أبلغ السكان «أن الجنوب آمن، وكانوا يلقون علينا المنشورات يوميا ويطالبونا بمغادرة بيوتنا»، متابعة «الآن قتلوا ابني محمد الذي كان حنونا، هو ابني وأخي وحبيبي وكنت أشكو إليه همومي». إلى جانبها صرخت ابنتها جوان بأعلى صوتها مستنجدة بالله «يا رب ارم الصبر على قلبي يا الله» قبل أن تضيف، «أخي لم يفعل شيئا فقد ذهب لينقذ الناس، هو ليس منتسبا إلى أي تنظيم». وتابعت بلهجة متوسلة مكسورة، «أمانة عليكم. أمانة عليكم أن توقفوا الحرب»، لتسأل من دون أن توقف النحيب، «أي صواريخ هذه؟ وأي سلاح هذا الذي يستخدمونه؟ حرام». أكفان بيضاء وغير بعيد من العائلات الثكلى كان أفراد طاقم المستشفى يخرجون الجثامين واحدا تلو الآخر، وقد لفت بأكفان أو أكياس بيضاء لدفنهم بسرعة، بسبب تكدس الجثث وانقطاع الكهرباء عن ثلاجات المشرحة. وأمام المستشفى تجمع رجال لإقامة مراسم تشييع لأحبائهم وقد نمت لحاهم وبدا عليهم الحزن والوجوم، وصفت ثلاثة جثامين جنبا إلى جنب وجاء الرجال بعربة صغيرة عليها جثامين رضع، وحمل أحدها أب يغالب دموعه ووضع بهدوء الجثمان الذي لف بالقماش إلى جانب جثمان رجل لف أيضا بدوره بالأبيض. واصطف قرب الجثمانين عدد من الأشخاص الذين بدا عليهم الإعياء والتعب وأدوا صلاة الجنازة على الرضيع والرجل. تدمير السكان ومع توالي القصف الوحشي، استشهد وأصيب العديد من الفلسطينيين بينهم أطفال ونساء، إثر استهداف البوابة الشمالية من مستشفى كمال عدوان في جباليا شمال قطاع غزة، بصاروخ أطلق من طائرة استطلاع إسرائيلية. وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية«وفا» أن الاستهداف لبوابة المستشفى تسبب، بسقوط 4 شهداء و9 جرحى على الأقل، إلى جانب حالة من الذعر في صفوف المرضى والنازحين في المستشفى ومحيطه، حيث يتواجد أكثر من 10 آلاف نازح كانوا قد التجؤوا للمستشفى طلبا للأمان. وتحدثت مصادر صحية عن وجود أكثر من 35 جثة داخل وأمام المستشفى لعدم التمكن من دفنها جراء استمرار عمليات القصف الإسرائيلية. وكان قد وصل إلى المستشفى، بحسب المصادر، 99 شهيدا منذ صباح أمس الأول، ودمرت طائرات الاحتلال الإسرائيلية، مربعات سكنية محيطة وقريبة من المستشفى في بيت لاهيا وجباليا، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المواطنين الذين اكتظت بهم أروقة مستشفى كمال عدوان. جريمة رفح وفي جريمة حرب جديدة للجيش الإسرائيلي في مدينة رفح القريبة من الحدود المصرية، استشهد 9 مواطنين وأصيب آخرون، بينهم أطفال ونساء، فجر أمس في غارة إسرائيلية على منزل في حي التنور شرق رفح جنوب قطاع غزة، وفقا لـ«وفا». وواصل الاحتلال الإسرائيلي اعتداءه الوحشي على غزة، وشن غارات وقصفا عنيفا على أحياء عدة مكتظة بالسكان، مخلفا مئات القتلى والجرحى، حيث استشهد 26 فلسطينيا بعد قصف الطائرات الإسرائيلية لمنزلين في مدينة رفح، جنوب قطاع غزة. وارتفعت حصيلة الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي إلى 15523 قتيلا، وإصابة 41316 مواطنا، و70% من الضحايا أطفال، وفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن السلطات الصحية في غزة. بكاء صامت وعند درج المستشفى حيث وضعت ثلاثة جثامين انحنى رجل وكشف وجه والده المغطى بالدم وقبله قائلا «الله يرحمك يابا»، فيما جلس شقيقه القرفصاء إلى جانبه يبكي بصمت وهو يمسد رأسه. وبجانب جثمان آخر انحنت امرأة ارتدت الأسود لتكشف عن وجه شهيد يخصها وتبكي من دون أن تقوى على الوقوف بمفردها عندما حمل رجال الجثمان لتشييعه، لتقوم نسوة ورجال آخرون بمساعدتها. كتبت أسماء الشهداء على الأكفان البيضاء، بينما قام رجال بوضعهم على حمالات طبية داخل سيارات مدنية لنقلهم إلى المقبرة، في حين كان آخرون يتجهزون لوداع قتلى آخرين. حالة ذعر تتوالى المشاهد الحزينة مع سقوط المزيد من الشهداء، ويقول المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» جيمس إلدر، «إن أسوأ قصف في الحرب يجري حاليا في جنوب قطاع غزة، ونرى خسائر فادحة في صفوف الأطفال»، وكتب المسؤول الأممي «لدينا إنذار أخير لإنقاذ أطفال غزة وضميرنا الجماعي». وكان إلدر وصف في مقابلة مع «سي إن إن» في وقت سابق أمس، حالة اليأس لدى الأسر والأطفال الفلسطينيين في أحد مستشفيات غزة، قائلا: «هناك ذعر بين الناس... لا يعرفون إلى أين يذهبون، إنهم في حالة ذهول تقريبا». وأضاف «يطلب من الناس أن ينتقلوا من النقطة «أ» إلى النقطة «ب». إنها مثل لعبة الشطرنج، إلا أنها تنتهي بموت الأطفال. إنها ليست لعبة بالنسبة لهم»، وتابع «يجب على العالم الآن أن يدرك حجم هذا الأمر، لقد وصلنا إلى 6 آلاف طفل شهيد وأكثر، ليس هناك شك في أن بعض الأطفال الذين رأيتهم هذا الصباح، بسبب شدة جراحهم، فإنهم لن يتمكنوا من الصمود لباقي اليوم». ماذا يحدث في غزة؟ 15523 شهيدا. 41316 مصابا. 70% من الأطفال والنساء. 281 شهيدا من الكوادر الطبية. 57 مركبة إسعاف دمرت. 56 مؤسسة صحية دمرت. 26 مستشفى خرجت من الخدمة.
مشاركة :