أدى وقف الأعمال العدائية عن طريق التفاوض في قطاع غزة الذي مزقته الحرب في الأسبوع الماضي إلى إثارة آمال مقيدة في جميع أنحاء العالم بأن الهدنة المؤقتة وما يرتبط بها من عمليات تبادل الرهائن والأسرى قد تضع حجر الأساس لمحادثات حول وقف إطلاق نار أكثر ديمومة. ومع ذلك حذر العديد من الخبراء من أن هذه الآمال سابقة لأوانها. وعندما انتهت الهدنة صباح الجمعة واستؤنف القتال، أثبت هذا الحذر ذكاءه وأكد أن السلام مازال احتمالاً بعيد المنال في الوقت الحالي. ويبرز تجدد العنف، والكارثة الإنسانية المستمرة، وتهديد الحرب للاستقرار الإقليمي على نطاق أوسع، الحاجة الملحة إلى اجتراح حل سياسي، ليس فقط للحرب المستمرة منذ ثمانية أسابيع بين إسرائيل وحماس، بل وأيضاً للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الأوسع نطاقاً. أي مفاوضات سياسية جادة بين الإسرائيليين والفلسطينيين سوف تتطلب معالجة قضية الزعامة على الجانبين وترى راندا سليم، وهي زميلة غير مقيمة في معهد السياسة الخارجية بكلية الدراسات المتقدمة والدولية في جامعة جونز هوبكنز، ضمن تقرير على موقع معهد الشرق الأوسط أنه حان الوقت للبدء بالتفكير الآن -حتى مع احتدام الحرب- في الشكل الذي ينبغي أن تبدو عليه التسوية السلمية النهائية وكيفية الوصول إلى هناك بحيث تكون الجهات الفاعلة والعناصر المناسبة في مكانها عندما تنفتح نافذة قصيرة للمحادثات. وتتساءل سليم “ما الذي يتطلبه الأمر لبدء عملية سلام إسرائيلية – فلسطينية جديدة يمكن أن تحمل في طياتها احتمالات النجاح الدائم؟ كيف ومتى سيكون من الممكن جلب الجانبين إلى طاولة المفاوضات؟ من ينبغي أن يشارك؟ وما هو التسلسل والهيكل المناسبان لمثل هذه المحادثات لضمان عملية عادلة وشاملة ومثمرة؟”. ويشعر الإسرائيليون بالحزن على مقتل 1200 شخص نتيجة الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر الماضي، ويركزون على إطلاق سراح الرهائن. ويشعر الفلسطينيون بالحداد على عشرات الآلاف من سكان غزة الذين قتلوا في الرد العسكري الإسرائيلي، بما في ذلك أكثر من 5000 طفل. وتأثرت كل أسرة في قطاع غزة -بشكل مباشر أو غير مباشر- بالعنف. ومن الصعب في هذه المرحلة أن نتوقع من أيّ من الطرفين أن يفكر في ما هو أبعد من البقاء، وهي الحقيقة التي تعقدت أكثر بسبب استئناف الحكومة الإسرائيلية الهجوم على غزة. ويضغط الوسطاء المصريون والقطريون من أجل تمديد إضافي مؤقت للهدنة التي كانت سارية لمدة أسبوع قبل أن تنتهي الجمعة. وفي غياب ذلك قد يستمر القصف الإسرائيلي الذي يستهدف غزة فترة غير محددة، وربما تتخللها هدنة متفرقة قصيرة الأمد لتمكين تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع. oo وحتى الآن لا توجد نقطة نهاية واضحة لهذه الحرب. إن هدف إسرائيل المتمثل في الإطاحة بحماس يشكل “أمراً كبيراً للغاية”، وفقاً للرئيس الجديد لهيئة الأركان المشتركة في الولايات المتحدة، الجنرال تشارلز براون. وبالنسبة إلى حماس فإن النجاة من الهجوم الإسرائيلي، حتى لو قُتل بعض قادتها وأفرادها، سوف يشكل نصراً كافياً. وفي مرحلة ما سيؤدي تزايد عدد القتلى المدنيين إلى زيادة الضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن، الحليف الرئيسي لإسرائيل، لدفع المسؤولين الإسرائيليين إلى وقف القتال. وبمجرد انتهاء الأعمال العدائية ستركز الأولوية العاجلة على الحكم في غزة: من سيوفر الأمن؟ أين سيتم إيواء النازحين الفلسطينيين؟ من يستطيع وكيف سيتمكن من زيادة المساعدات الإنسانية؟ ومن سيمول إعادة الإعمار؟ وكتب دانييل سيروير، خبير حل النزاعات المقيم في واشنطن، تحليلاً مثيرًا للاهتمام حول السيناريوهات الأمنية في اليوم التالي. ومن المرجح أن تكون حكومات مجلس التعاون الخليجي أكبر الممولين لإعادة إعمار غزة؛ ومن الصعب أن نتصور أن الكونغرس الأميركي يسمح بتخصيص أموال دافعي الضرائب الأميركيين لهذا الغرض. وبمجرد انتهاء الأعمال العدائية ستركز الأولوية العاجلة على الحكم في غزة: من سيوفر الأمن؟ أين سيتم إيواء النازحين الفلسطينيين؟ من يستطيع وكيف سيتمكن من زيادة المساعدات الإنسانية؟ ومن سيمول إعادة الإعمار؟ ومن المؤكد أن أغلب الممولين المحتملين، بمن في ذلك بعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي، سوف يصرون على ربط عملية إعادة الإعمار بعملية مفاوضات سياسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين حول اتفاق سلام الوضع النهائي. ولم تكن عملية المفاوضات هذه موجودة منذ سنوات، حتى مع سعي إسرائيل إلى التطبيع مع عدد من الدول العربية. وسوف تتطلب أي عملية مفاوضات سياسية جادة بين الإسرائيليين والفلسطينيين معالجة قضية الزعامة على الجانبين. ويعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفاؤه اليمينيون في الحكومة الائتلافية إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وحتى لو سقطت حكومته قريبا، كما يتوقع العديد من المحللين السياسيين، فليس من الواضح أن خليفة نتنياهو سيكون له رأي مختلف بشأن قضية الدولة الفلسطينية. والأمر نفسه ينطبق على الجمهور الإسرائيلي. وتقول عالمة السياسة الإسرائيلية داليا شيندلين “لقد أظهر التاريخ مراراً وتكراراً، وخاصة في العقود الأخيرة، أن حلقات الحرب أو العنف الشديد مثل الحالية لم تؤد إلا إلى تعزيز الميل نحو اليمين في السياسة الإسرائيلية”. وعلى الجانب الفلسطيني تعتبر مسألة من سيظهر كزعيم قادم هي أيضًا قضية معقدة. إن السلطة الفلسطينية الضعيفة والفاسدة التي تقودها حركة فتح في الضفة الغربية، والتي يُنظر إليها على نحو متزايد على أنها غير قادرة وغير راغبة في حماية الفلسطينيين من العنف الإسرائيلي، لم تعد قادرة على أن تكون الممثل الوحيد للفلسطينيين على طاولة المفاوضات، بينما دعوة الإدارة الأميركية إلى إعادة تنشيط السلطة الفلسطينية لحكم غزة بمجرد انتهاء القتال تبدو اقتراحا غير واقعي. ويجعل هجوم حماس في 7 أكتوبر ورفضها لحل الدولتين مشاركتها في المفاوضات المستقبلية أمراً إشكالياً على أقل تقدير. yy ولا تشكل حقيقة تعريفها كمنظمة إرهابية من قبل معظم الدول الغربية في حد ذاتها معيارًا كافيًا للاستبعاد؛ فلقد كان هذا هو الحال مع منظمة التحرير الفلسطينية في الماضي. ولكن كما حدث عندما غيرت منظمة التحرير الفلسطينية ميثاقها الوطني، يتعين على حماس أيضاً أن تتخلى عن هدفها المعلن المتمثل في تدمير إسرائيل، وأن تعيد كتابة ميثاقها وفقاً لذلك، قبل أن يتم قبولها كشريك في المفاوضات. فالسلطة الفلسطينية بقيادة فتح من جهة وحماس من جهة ثانية كلتاهما لا تستطيع أن تدعي أنها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني. وبين عامي 2007 و2018 كانت هناك سبعة جهود مصالحة فاشلة بين فتح وحماس. وفي الوقت نفسه يُحرم الفلسطينيون في غزة من حق اختيار قيادتهم منذ عام 2006، عندما فازت حماس بالانتخابات في القطاع؛ وانتخب محمود عباس رئيسا للسلطة الفلسطينية في عام 2005 خلفا لياسر عرفات، لكنه لم يترشح للانتخابات الشعبية منذ ذلك الحين. وليس من الواضح كيف سيغير هجوم 7 أكتوبر الذي قادته حماس، وعواقبه الكارثية على الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، هذه الديناميكيات الفلسطينية الداخلية.
مشاركة :