في سياق استعدادها لاستضافة «كوب28»، ركزت دولة الإمارات على ضرورة تحقيق التوافق بين إرادة المشاركين على اختلاف توجهاتهم وإعادتهم للهدف الصحيح لاتفاقية الأمم المتحدة الاطارية لتغير المناخ، والذي يتمثل في خفض الانبعاثات الكربونية أياً كان مصدرها، وتوفير آليات التنفيذ، وأهمها التمويل المناخي. من هنا، جاء إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مع افتتاح المؤتمر عن إنشاء صندوق عالمي للحلول المناخية بقيمة 30 مليار دولار، ليقدم الحل لمعضلة التمويل التي طالما عرقلت العمل المناخي. ويهدف الصندوق إلى جذب استثمارات بنحو 250 مليار دولار بحلول عام 2030، وكذلك جاء الإعلان عن تقديم 100 مليون دولار لصندوق الخسائر والأضرار، وهو ما حفز العديد من الدول الأخرى إلى الإعلان عن تعهدات لهذا الصندوق تجاوزت حتى الآن 700 مليون دولار، وهي مرشحة للزيادة خلال الفترة المقبلة. كما أطلقت رئاسة المؤتمر 10 مبادئ لجعل التمويل متاحًا وبأسعار معقولة، وهى خطوة حيوية في ظل العمل على سد فجوة التمويل، مع إعطاء الأولوية للمكاسب الطويلة الأجل، وهو ما يعني وضع أهداف محددة سنوياً لضمان الوفاء بالتعهدات. ويمثل ذلك دعوة موجهة للقطاع الخاص إلى المشاركة والاستثمار من خلال أدوات مبتكرة للتأكد من وصول التمويل للدول الأكثر حاجه إليه. ويعني ذلك الانتقال من تمويل المشاريع الفردية إلى نهج أكثر انتظاماً، فضلاً عن دمج الاعتبارات الكربونية بشكل مستمر في عملية صنع القرار وتقييم الأصول، وهو ما يمنح بنوك التنمية المتعددة الأطراف وغيرها من المؤسسات المالية الدولية القدرة على مضاعفة الجهود الرامية إلى تحسين الوصول إلى التمويل، وتخفيف المخاطر المالية، ومعالجة الديون على نحو مستدام في ظل الحاجة الملحة لزيادة تمويل التكيف والقدرة على الصمود، خاصة أن التدفقات المالية المخصصة لهذا الغرض مثلت 10% فقط من المطلوب. ويمثل التحول العادل للطاقة ثاني المفاتيح المهمة في جهود دولة الإمارات لإنجاح المؤتمر، حيث اتفقت 118 دولة على أهداف مضاعفة قدرة توليد الطاقة المتجددة ثلاث مرات لتصل إلى 11 ألف جيجاوات. وفي سياق متصل، جاء إعلان 50 شركة للنفط والغاز الالتزام بهدف الوصول إلى مستويات قريبة من الصفر من انبعاثات غاز الميثان بحلول عام 2030، وتقديم خطة لتحقيق هذا الهدف بحلول عام 2025، كما أُعلن عن إنشاء صندوق لمشاريع مكافحة غاز الميثان في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. تنبع أهمية تلك المبادرة بصفة خاصة من أن الحدّ من غاز الميثان هو الوسيلة الأكثر فعالية لوقف ارتفاع درجات الحرارة بسرعة، كما أن 70% من انبعاثات غاز الميثان المرتبطة بالطاقة يمكن التخلص منها بالاستعانة بالتقنيات القائمة والتغيرات في الممارسات التشغيلية. وفي إطار حرص القيادة الرشيدة على الدمج بين أهداف اتفاقيات المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، جاء الإعلان عن توقيع أكثر من 130 دولة إعلاناً لإدراج الانبعاثات الناتجة عن الزراعة في خططها الوطنية لمعالجة تغير المناخ. بالإضافة إلى ذلك، وحَّدت مجموعة مكونة من أكثر من 25 منظمة رائدة في مجال الأغذية والزراعة جهودها لتوسيع نطاق الزراعة المتجددة، وعقدت شراكة مع 3.6 مليون مزارع لتسريع عملية انتقال أكثر من 160 مليون هكتار لحماية التربة والحد من انبعاثات الكربون، وبالتالي النجاح في أن تكون العدالة الاجتماعية في قلب عملية التكيف، نظراً لضعف المزارعين وغيرهم من العمال المحليين في مواجهة التغيرات المناخية. كما شهد افتتاح المؤتمر، ولأول مرة في تاريخه، عقد اجتماع لوزراء الصحة نتج عنه «إعلان الامارات للمناخ والصحة» الذي تبنته حتى تاريخه 123 دولة، إلى جانب الكثير من الأنشطة التي أعادت العمل المناخي العالمي إلى مساره الصحيح ونجحت في توحيد الجهود العالمية من أجل انقاذ كوكب الأرض وضمان تحقيق الاستدامة للأجيال القادمة. *صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
مشاركة :