الشارقة (الاتحاد) من الإصدارات اللافتة التي قدمتها الدورة الـ26 من مهرجان أيام الشارقة المسرحية كتاب (المسرح في الإمارات) للدكتور يوسف عيدابي، أحد القامات الثقافية المساهمة في تأسيس وتطوير الحركة المسرحية المحلية، نقداً ونقاشاً وجدلاً معرفياً وفنياً مؤثراً وفاعلاً منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، وقبل ظهور هذا الكم المبهج من الفرق والمهرجانات والفعاليات المسرحية المتنوعة في هويتها وأنساقها وتوجهاتها. وحمل الكتاب، الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، عنواناً فرعياً هو (صورة الواقع وأسئلة المستقبل)، وتضمن فصولاً وأقساماً عدة، فاحصة ومحللة لواقع وطموحات المسرح المحلي. وفي الفصل الأول «المسرح في الإمارات»، يتطرق عيدابي للإشكالية المتعلقة بالهواية والاحتراف في المسرح، قائلاً: «إن عدم الاحتراف أصاب المسرح في الإمارات في مقتل، بمعنى أن السوية المسرحية، وتأهيل الفرق، والتحول بها إلى التقنية عالية الجودة، قد فارقت خطط وانشغالات الفرق الهاوية التي تجتمع وتفترق حسب الأمزجة أو حسب النصوص التي يتحمس لها الفريق أو المناسبات التي يمكن أن يوفق الفريق إذا ما اشترك فيها»، منوهاً بأهمية وضرورة التجويد والحرفية التي لابد من أن تتوافر في المبدع المسرحي، بل المبدع بعامة. ووصف عيدابي الفرق المسرحية بأنها فرق هواة، موسمية الإنتاج، وبلا مخرجين متفرغين، وبلا شكل تنظيمي وإداري مستقر أو قابل للتطور، معللاً وجود هذه السلبيات إلى الكيفية التي برزت بها هذه الفرق، مؤكداً أنها كيفية ظلت خاضعة دوماً للمصادفة والعشوائية والمزاجية، لا للتخطيط والبرامج المسبق تحديدها، ومن هنا كان غياب التأهيل والتدريب والتجويد لقدرات المشتغلين في الفرق. وفي القسم المعنون بــ (أسئلة المسرح)، يذكر عيدابي أن تطور المسرح المحلي يحتاج إلى توفير إمكانات تأهيل مستمر ومتجدد عبر: مركز التكوين المسرحي، بحيث يتوافر المركز على ورش تخصصية نوعية في فنون المسرح، مضيفاً أنه إذا ما تمكنت العناصر المسرحية من الاشتغال الفردي والجماعي، وامتلاك التدريب الذي يسد الفجوات، ويجدّد الخبرات، ويفضي إلى الجديد المتجدد باستمرار، بجانب خبرات الاحتكاك والتجانس والتعايش الخلاّق بين العناصر المسرحية كافة، فعندئذ نحصد بعض الاطمئنان على السيرورة المسرحية، وديمومة التطوير والتفعيل والاستمرارية النوعية للتجربة المحلية، من دون اضطراب في طفراتها وامتيازاتها ومكتسبات عناصرها الم بدعة والخلاّقة. في القسم الثالث، وحمل عنوان (صور الحياة)، يسرد عيدابي جانباً من خصوصيات وظواهر الكتابة المسرحية لدى عدد من المؤلفين المسرحيين في الإمارات، بادئاً بمسرح سلطان القاسمي، وما يتضمنه من قراءات في التاريخ، واصفاً إياه بأنه مسرح يعوّل كثيراً على التنوير والتصدي لقضايا الراهن الإنساني والتقريب بين الثقافات، سعياً إلى تمتين أواصر الأخوة بين الشعوب، من دون تمييز على أساس عرقي أو حضاري. ويصف نصوص سالم الحتاوي بأنها نصوص مضافة إلى الأمل. ويعرّج الكتاب أيضا ًعلى ثيمة الإخراج وتجاربه في مسرح الإمارات حتى العام 2004، مورداً أمثلة وتطبيقات وقراءات في الأساليب والرؤى التنفيذية لمخرجين إماراتيين مميزين، مثل عبدالله المناعي، وحسن رجب، والدكتور حبيب غلوم، وجمال مطر، وناجي الحاي، وغيرهم.
مشاركة :