البر بالوالدين سمة المؤمنين | عبدالله فراج الشريف

  • 3/26/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كل عام يثور جدلٌ حول ما سُمي يوم الأم أو عيدها، وكلُ ما أعلمه عن هذا اليوم أن من اقترحه هو الأستاذ مصطفى أمين الصحفي المصري الذي أنشأ مع أخيه علي أمين الأديب والمؤرخ جريدة «الأخبار» في مصر، وكان دافعه لذلك أن شكت إليه أم عقوق ابنها، فكأنه أراد أن يكون للأمهات يومٌ في العام يتذكرهن فيه أبناؤهن، فيشكرونهن بكلمة طيبة، وبهدية يقدمونها للأم، وقد حنت لهم صغارًا وربتهم حتى كبروا، فرأى الناس في مصر في هذا خيرًا كثيرًا، وأصبح هذا لهم عادة، والأمر دنيوي لا ديني، فتحديد يوم يجتمع فيه الأبناء بأمهم يهدونها فيه الهدايا ويظهرون حبهم لها، فليس هذا مما يحرم أو ترد عليه شبهة، والله عز وجل أمرنا بالإحسان إلى الوالدين، وقرن هذا الإحسان في آية واحدة مع عبادته فقال عز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا إمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، وهي هداية قرآنية لمن أراد الفلاح في الدنيا والآخرة، فإن الوفاء للأبوين من أهم سمات الإنسان الذي يسعى إلى الكمال، لأنه إن لم يفِ لهما، فهو أكثر عذرًا بغيرهما من العباد أخوة له أو أقارب أو أصدقاء، والناس بطبعهم ينفرون ممن يعقّ والديه، والآيتان الكريمتان تحضّان على إحسانٍ دون قيود، وتأمر الأبناء ألا تستثقلوا شيئًا يأمرانكم به أو يطلبانه منكم، بل حتى لا يغلظوا لهما القول وإن كان له سبب، بل بالإشارة لا يصح أن يوجه إليهم ذلك «التأفف»، وهذا البر له جزاء بمثله إذا كان للإنسان أولاد فبقدر رأفته بأبويه، وحرصه على رعايتهما، سيحرص عليه أبناؤه ويرأفون بحاله عند الكبر، فإن عقهما فجزاؤه أن يعقه أبناؤه ولذلك صور في الحياة غير مجهولة، يتناقل الأخبار بها الخلق على مر الأزمان، والأم أقربهما إلى الأولاد، لذا كانت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بها أكثر، ففي الحديث الذي رواه أبوهريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال: ثم من؟ قال أبوك»، وهما ولاشك الأحق بصحبته ففضلهما عليه كبير، وقدر إنسانيته إنما تقاس بقدر ما يحسن إليهما، وأن الرجل إذا تقدم إليه خاطب لابنته، فسأل عنه ليصرف النظر إن علم أنه ممن يعق أبويه أو أحدهما، فتعامله معهما هو المحك الذي يتعرف به على حسن أخلاقه، فمن لا خير فيه لأبويه فلا خير فيه لزوجته وأولاده، والأم أكثر الأبوين عناء في تربية الأولاد، فالله عزوجل يقول: (وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِى ذُرِّيَّتِي إنِّي تُبْتُ إلَيْكَ وَإنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ)، ففضل الأم عظيم والوفاء لها أمر من الله، وبه ينعم الله على العبد بالكثير، فإنا إذا دعونا أن يهتم بها الأبناء وأن يتذكروها في كل حين، فإنا نأمرهم بما أمرهم الله به، وكان خطباء مساجدنا في الماضي يكثرون المواعظ بالإحسان إلى الأبوين، وبصلة الرحم، وبحسن التعامل بين الناس، والالتزام بحسن الخلق، وجميع آداب الإسلام، ثم جاءنا عصر انشغلنا فيه بأشياء أخرى إنما تجلب العداوة والبغضاء بين الناس ولا خير فيها، فهلا عدنا لما كنا عليه من الخير، ودعونا الناس إلى الخير كله وأعظمه البر بالوالدين وخاصة الأم، وإن احتفل غيرنا بأمهاتهم يومًا في السنة فلنحتفل معهم، ثم لنحتفل كلما أشرقت علينا شمس يوم جديد، ذلك أن احتفالنا بها بر لها ليس له مثيل عند غيرنا، فهل نفعل؟! هو ما أرجو، والله ولي التوفيق. alshareef_a2005@yahoo.com

مشاركة :