كيف يزعزع دعم الولايات المتحدة لإسرائيل استقرار الشرق الأوسط؟

  • 12/9/2023
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لم يكن قرار حكومة بنيامين نتنياهو الأكثر يمينية في اسرائيل ذكيا عندما شنت حملة عسكرية لا سقف انسانيا ولا اخلاقيا لها على غزة، ولم تكن إدارة جو بايدن افضل حالا عندما قررت تقديم الدعم الكامل لإبادة الشعب الفلسطيني، وتجاوز كل القوانين والمعاهدات الدولية على مرأى ومسمع العالم، فما حدث بعثر الاحلام الاميركية في الشرق الاوسط. اذ لم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن استكمال مشروعها الشرق اوسطي على اكمل وجه ممكن. فقطار التطبيع بين اسرائيل وعدد من الدول العربية سار بقوة في الايام الاخيرة التي سبقت الطوفان، والتفاهمات حول مشروع الممر الهندي الأوروبي في مواجهة واحتواء النفوذ الصيني وصل الى اعلى درجاته، والمستوطنات الاسرائيلية تتوسع في الضفة الغربية دون وجود رادع. وقبل ذلك اشيع جو من الارتياح الاميركي جراء انخفاض التوتر مع جمهورية ايران الاسلامية، ودخول الاخيرة في تفاهمات مع الولايات المتحدة حول مديات البرنامج النووي الايراني، وتحرير 6 مليارات دولار من أموالها المجمدة، وهو ما قرأته الادارة الاميركية بوصفه اشارات ايجابية ان الامور في الشرق الأوسط تسير على ما يرام. ولكن لم يكتمل الحلم الاميركي، فقد تبخر بعد أيام قليلة من شن الحرب العدوانية على غزة برعاية أميركية كاملة، الامر الذي ساهم في اعادة انبعاث القضية الفلسطينية من جديد الى دائرة الاهتمام العالمي، باعتبارها القضية المحورية التي تجتمع عليها جميع شعوب المنطقة، بل وشعوب العالم الحر. ولم يعد من السهل ان تتجاوز حكومات الدول العربية الحق الفلسطيني حتى وان حملت في جعبتها موقفا مناهضا لحماس. فالحق الفلسطيني لا يحتاج الى شرح واطناب، وحجم الجرائم تدك الضمير الانساني بشدة، وتكشف عوار النظام الدولي، وزخم التعاطف والتفاعل الشعبي يُجبر الحكومات على اعادة حساباتها من جديد. خلال الاسابيع الفائتة تبلورت مواقف المحاور الرئيسية في الاقليم بشكل كامل. فالمحور العربي اثبت انه عاجز عن اتخاذ اي خطوات عملية في رسم مستقبل الصراع السياسي للمنطقة، وانه بصورة عامة خارج منظومة الفعل وردة الفعل المتناسبة مع حجم الحدث، وباستثناء بعض الادوار التفاوضية والانسانية، فان هذا المحور ظل يحوم حول دائرة التنديد والاستنكار. اما المحور الثاني فهو المحور الغربي وتحديدا اسرائيل وحلفائها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، فقد وقع هذا المحور في المحذور حيث كشفت سياسات الابادة الجماعية في غزة انهم اليد الخفية التي نقف خلف كل جماعات العنف والتطرف التي انتشرت في المنطقة خلال الاعوام الاخيرة، وتحديدا تشابه جرائم الحرب في غزة مع جرائم داعش والجماعات المتطرفة. كما تتماثل سياسة الابادة للطفولة والانسانية التي ترتكبها اسرائيل مع سياسة القتل الجماعي التي كانت تقوم بها داعش، وكلا الطرفين تجاهلا مجموعة القواعد الدولية التي تحكم النزاع المسلح، ولم يردعهما قانون دولي ولا اخلاقي ولا انساني، بما يثبت ان اليد التي تحركهما واحدة، او ان منبع جريمة الابادة واحد. اما المحور الثالث فهو محور المقاومة والذي تمثله جمهورية ايران وحماس وحزب الله، بالإضافة الى فصائل المقاومة في العراق واليمن، ويبدو لي ان هذا المحور نجح الى حد ما في التماهي مع الضمير العربي والاسلامي المتعاطف مع غزة، واصبحت السياسة الايرانية في الشأن الفلسطيني جزءا لا يتجزأ من السياسة الإقليمية. فحتى الذين يخالفون سياسات ايران يجدون انفسهم في النهاية معها على نفس السياق السياسي والامن الاقليمي. فقد تسارعت الاتصالات واللقاءات بين الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان للمرة الأولى منذ اعادة العلاقات بين البلدين العام الماضي. وما فعلته هذه اللقاءات كان مهما للغاية، وابرزها تهميش فكرة المحور العربي الإسرائيلي الذي سعت الولايات المتحدة الى تحقيقه خلال السنوات الاخيرة، واستبدل بالحديث عن ضرورة ايجاد محاور جديدة اكثر امنا لدول المنطقة. سياسيا، لم يكن ما يعرف بمحور المقاومة اكثر انتصارا مما هو عليه اليوم. فالمشروع الغربي في المنطقة لم يعد بقوته المعهودة، وتجاوزات اسرائيل للقوانين الدولية والانسانية دون رادع، وضعت الولايات المتحدة في موقف سيئ للغاية، وربما ينتهي ذلك لاحقا الى تغير قناعات قادة المنطقة بجدوى ارتباطهم باتفاقات امنية مع دولة عاجزة عن ضبط حليفها الاستراتيجي. لم يعد التحالف مع الولايات المتحدة جاذبا لدول المنطقة بالقدر الكافي، لاسيما وانها اصبحت مصدرا لخلق الازمات والفشل في ادارتها. ويبدو لي أنه حان الوقت أن تفكر هذه الدول جديا في البحث عن شراكة امنية وسياسية استراتيجية جديدة تزيح كل المشاريع السياسية، والمغامرات العسكرية الفاشلة التي جثمت على صدر المنطقة.

مشاركة :