في مثل هذا اليوم من العام الماضي (26 مارس 2015 م)، انطلقت بأمر من ملك الحزم والعزم الملك سلمان ابن عبدالعزيز «عاصفة الحزم»، لإنقاذ اليمن من الضياع وللقضاء على مشروع الهيمنة الخارجية والتدخل الإيراني، وإفشال المشروع الفارسي الذي كان يهدد اليمن والمنطقة برمتها، فكانت استجابة لنداء الحق والواجب تجاه بلد شقيق وجار لاستعادة شرعيته التي انقلبت عليها فئة ضالة، طغت وتجبرت وأرادت أن تستبدل المشروع الحضاري والدولة الاتحادية التي كان عنوانها المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد، وكل مفردات الدولة المدنية الحديثة التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني الذي شاركت فيه كل القوى السياسية بمن فيهم الانقلابيون أنفسهم، وكانت محل إجماع وطني، لتستبدل بمشروع صفوي طائفي مستورد من طهران وفق أجندت وأهواء ومطامع الفرس. عاصفة الحزم.. عملية عسكرية انطلقت في وقت لم يتوقعه أحد انطلاقها لا في اليمن ولا في المنطقة ولا في العالم، فمثلت صحوة للضمير الإنساني والإسلامي والقومية العربية، فكانت شعاع الأمل الذي أضاء دروب العالمين العربي والإسلامي، فوحدة الصف ولملمة شتات الأمة وإعادة رمزية قوتها في وحدتها، انطلقت عاصفة الحزم لتحيي ضمير الأمة مجدداً وتعيد الحق إلى أصحابة وتنقذ الأمة من الضياع، أتت فأحبطت مخططات ومشاريع الأعداء. عاصفة الحزم انطلقت بقيادة المملكة العربية السعودية صاحبت الرصيد الزاخر بالمواقف الإنسانية والوطنية والإسلامية، وشاركت فيه عشر دول عربية بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء سلطنة عمان، وبمباركة وتأييد دولي واسع بما فيه الأمم المتحدة والجامعة العربية، فكانت النواة الحقيقة لانطلاق مشروع عربي وإسلامي عنوانه الوحدة والمصير المشترك. ولم تكن عاصفة الحزم تدخلاً في الشأن اليمني كما وصفها الانقلابيون، لكنها أتت بناء على طلب تقدم به الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لإيقاف الحوثيين الذين انقلبوا على الشرعية وبدؤوا هجوماً واسعاً على المحافظات الجنوبية، وأصبحوا على وشك الاستيلاء على مدينة عدن، التي انتقل إليها الرئيس هادي بعد انقلابهم على السلطة وفرضهم الإقامة الجبرية عليه وعلى الحكومة الشرعية في 2014 ليتمكن بعدها من الفرار إلى عدن والاستنجاد بالأشقاء الذين فزعوا لنداء الحق اليمني. لقد استغلت الميليشيا الانقلابية ظروف ومعاناة اليمنيين وتحت غطاء إسقاط الجرعة - الزيادة السعرية في قيمة مشتقات النفط التي فرضتها الحكومة كحل اضطراري لتجاوز الأزمة الاقتصادية التي تواجه البلد - لتسيطر بقوة السلاح على صنعاء في 21 سبتمبر 2014 بمساعدة من قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة اليمنية المرتبطة بالمخلوع علي عبد الله صالح، وبعد فشل كل محاولات الرئيس هادي في تحقيق شراكة حقيقية والخروج باليمن من المأزق الذي تمر به ورفضه الانصياع لأهواء ورغبات ومطالب الميليشيات الحوثية غير منطقية، هاجمت الميليشيا منزل الرئيس هادي في 19 يناير 2015 بعد اشتباكات مع الحرس الرئاسي وحاصروا القصر الجمهوري الذي يقيم فيه رئيس الوزراء، واقتحموا معسكرات للجيش ومجمع دار الرئاسة، ومعسكرات الصواريخ، واقتحموا كل المؤسسات الحكومية وسيطروا عليها وأحكموا سلطتهم على وسائل الإعلام الحكومية وسخروها لتحقيق أهدافهم الخاصة، حينها قدم الرئيس هادي ورئيس الوزراء بحاح استقالاتهم في 22 يناير، وأعلن الحوثيون بياناً أسموه بالـ»إعلان الدستوري» في 6 فبراير، وقاموا بإعلان حل البرلمان وتمكين «اللجنة الثورية» لقيادة البلاد. وظل الرئيس المستقيل هادي ورئيس الوزراء قيد الإقامة الجبرية التي فرضتها عليهم الميليشيا الانقلابية، واستطاع هادي الفرار من الإقامة الجبرية، واتجه إلى عدن في 21 فبراير، ومنها تراجع عن استقالته في رسالة وجهها للبرلمان الذي لم يكن قد انعقد في الأساس للنظر في طلب الاستقالة، لتندلع في عدن اشتباكات عسكرية بين قوات أمنية مرتبطة بالمخلوع علي عبد الله صالح مدعومة بميشيات الحوثي وأخرى مؤيدة لشرعية الرئيس هادي، ليتجه الحوثيون مدعومين بقوات تابعة للحرس الجمهوري المنحل التابع للمخلوع علي عبد الله صالح صوب محافظة عدن وسيطروا على قاعدة العند الجوية التي تبعد 60 كيلومتراً عن مدينة عدن، ووجهوا طائراتهم الحربية التي استولوا عليها لقصف مواقع وجود الرئيس هادي في محل إقامته بالمعاشيق بعدن، حينها قدم وزير الخارجية لمجلس التعاون الخليجي رسالة من الرئيس هادي يطلب فيها تدخلها لصد الحوثيين من التقدم نحو عدن وإنقاذ اليمن من شر الانقلابيين واستعادة الشرعية الدستورية. ومنذ أول انطلاقها ركزت عاصفة الحزم في عملياتها خلال الساعة الأولى في السيطرة على أجواء اليمن وتدمير الدفاعات الجوية ونظم الاتصالات العسكرية للانقلابيين، حيث أعلن التحالف العربي الذي تقوده السعودية بأن الأجواء اليمنية منطقة محظورة، وحذرت من الاقتراب من الموانئ اليمنية، لتتجه العاصفة بعدها صوب معسكرات ومخازن الأسلحة ومكامن القوة التي يعتمد عليها الحوثيون والمخلوع صالح، فشرعت في تدميرها. وقد نجحت غارات التحالف في قصف العديد من المواقع العسكرية وأماكن تخزين السلاح وتدمير المنظومة العسكرية والدفاعية للميليشيا الانقلابية. عاصفة الحزم وعلى مدى عام ومن خلال عملياتها العسكرية الجوية والبحرية والبرية وما صاحبها من عمل إنساني وأعمال إغاثية وإعادة أعمار وجهود تنموية حققت نجاحات عدة، بدأت باستعادة الشرعية في اليمن وتحرير العديد من المحافظات من سلطة الميليشيا وتطهير ما يقرب عن 90 % من الأراضي اليمنية من الانقلابيين، وإعادة تشكيل وتأهيل قوات الجيش اليمني ودمج المقاومة الشعبية في صفوف القوات الشرعية وتدريبها وتأهيلها، والمحافظة على السلطة الشرعية وتأمينها، وتهيئة البيئة المناسبة لممارسة مهامها، وإعادة الحياة مجدداً لعدد من المحافظات والمناطق المحررة، وإعادة أعمار ما خلفته الحرب، وتقديم المساعدات الإغاثية للمتضررين، وتوفير كل السبل لحماية المدنيين ومساعدة النازحين، وصولاً إلى كبح جماح التمدد الفارسي في المنطقة وإفشال مخططه التوسعي في الهيمنة على المنطقة والتدخل في شؤونها، مروراً بتدمير المنظومة العسكرية والدفاعية للانقلابيين وتحييد معظم القدرات العسكرية التي استولوا عليها وكانت تشكل تهديداً لليمن وللدول المجاورة والمنطقة، وتمكين دول التحالف من السيطرة على الأجواء والمياه الإقليمية لمنع تهريب ووصول الأسلحة للميليشيا الانقلابية، وقبل كل ذلك نجت عاصفة الحزم في إعادة هيبة الدولة اليمنية وسلطتها الشرعية والقضاء على كل آمال وأحلام المشاريع الصغيرة التي تبنى بأسلحة وهيمنة الميليشيا في التدخل بشؤون الدولة وتوجيه مسارات الإدارة والحكم وإقامة دولة داخل دولة وسيطرة على مفاصل الدولة ومقدرات الشعب. إن ما حققته عاصفة الحزم من أهداف رامية إلى حفظ الأمن الخليجي واليمني، وإعادة الاستقرار إلى المنطقة وكبح جماح الشر وإفشال المشروع الفارسي في المنطقة، قد دفع بالتحالف العربي إلى وقف عمليات عاصفة الحزم والبدء بعمليات إعادة الأمل التي انطلقت في اليمن في 21 أبريل 2015 لتستكمل ما بدأته عاصفة الحزم ولتتواصل العمليات العسكرية إلى جانب العمل الدبلوماسي والسياسي والعمليات الإغاثية وإعادة الأعمار وتقديم المساعدات للشعب اليمني وإعادة الأمل لليمن أرضاً وإنساناً. اليوم ومع مرور عام على انطلاق عاصفة الحزم التي تحولت فيما بعد إلى عملية إعادة الأمل هي اليوم بعد أن حققت أهدافها العسكرية تتجه نحو المسار السياسي كحل لليمنيين أنفسهم ليعودوا لبناء بلدهم ويرسموا ملامح مستقبلها وفق مخرجات الحوار الوطني ومشروع الدولة الاتحادية الذي أجمع عليه كل اليمنيين بعيداً عن التدخل الخارجي والمشروع الفارسي، هي بداية الطريق ليلتقي فيه اليمنيون دون وصاية أو تأثير أو توجيه من أعداء الأمة ليرسموا لأنفسهم مشروع بناء دولتهم تحت سلطة الشرعية الدستورية بعيداً عن حكم العصابات وسيطرة الميليشيا واستجابة لنداء الحق في استعادة الدولة وفرض نفوذها وتطبيق القرار الدولي 2216 لتعود الحكمة اليمنية إلى الواجهة مغلبة مصلحة الوطن العليا وتحكم العقل والمنطق وتنهي معاناة الشعب اليمني. لقد مثلت عاصفة الحزم وعمليات إعادة الأمل ملحمة بطولية امتزجت فيها دماء الأشقاء العطرة مجسدة أروع البطولات والتضحيات من أجل استعادة كرامة الإنسان وحقوقه المسلوبة ورفع الظلم عنه.. فتحية إجلال وتقدير كل يمني وعربي ومسلم ولكل الشهداء والجرحى من دول التحالف العربي والجيش اليمني والمقاومة الشعبية الذين سطروا أروع البطولات وأنصعها، ولما قدموه من تضحيات في سبيل استعادة الحق والانتصار له، ومن أجل حاضر ومستقبل اليمن والمنطقة.
مشاركة :