رغم أن طول غالبية العناكب لا يتجاوز بضعة سنتيمترات، فإن بعضا من الأنواع المنتمية لجنس العناكب ينمو لأكبر من ذلك بكثير. ربما تحسب أن بوسعك ملاحظة وجود كائن بثمانية أرجل يصل حجمه إلى حجم أحد الصحون التي نتناول فيها وجبة رئيسية كوجبة العشاء. ولكن في واقع الأمر، فإن من اليسير ألا يلحظ المرء العديد من العناكب الأكبر حجما في العالم. ففي أوروبا، لا يعيش عنكبوت "ديزرتاس الذئبي" سوى في وادٍ واحد بجزيرة ماديرا البرتغالية، وهو أحد أكبر العناكب الذئبية في العالم، إذ يصل طول بدنه إلى 1.6 بوصة (أربعة سنتيمترات) ولديه أرجل مميزة سوداء اللون، تتناثر عليها نقاط بيضاء في شكل مصفوفات متكررة. وتستدعي مفردة "الذئبي"، الموجودة في اسم هذا العنكبوت، إلى الذهن شراسة وضراوة افتراس الحيوانات المأخوذ هذا الاسم عنها في الأصل، ألا وهي الذئاب. وهو إيحاء في محله بالمناسبة. فإطلاق ذاك الاسم على تلك العناكب يعود لنمطها النشط في اصطياد فرائسها. فبدلا من أن تصطادها بواسطة أحد بيوت العنكبوت المعروفة، فإنها تنقض عليها. رغم ذلك، ثمة فوارق بينها وبين الذئاب؛ فتلك العناكب تُقْدِم على الصيد منفردة لا مجتمعة، وهو ما يعني أنها تكمن لفرائسها أو تطاردها عبر مسافات قصيرة. كما أنها تصطاد الديدان وليس الثدييات. أما أكثر سمة مُميِزة للعناكب الذئبية على الإطلاق، فهي تصميم عيونها؛ إذ أن لدى كلٍ منها صفاً يتألف من أربع عيون صغيرة، تعلوها عينان كبيرتان، ثم يعلو ذلك عينان أخريان أصغر حجما قليلا، وهو ما يقوي قدراتها على الافتراس. وبفضل حدة إبصارها الشديدة، يتسنى لعناكب ديزرتاس الذئبية مطاردة الخنافس سريعة الحركة وحتى السحالي الصغيرة. لكن نشطاء حماية الحيوان والحفاظ على البيئة يرقبون الآن عن كثب ذلك العنكبوت الأكبر حجما في أوروبا، فقد صُنِّفَ على أنه "مهدد بالانقراض بشدة" نظرا لأن موئله الفريد من نوعه، بات مُهددا بما يُعرف بـ"الأعشاب الغازية"، التي تنمو حوله بإفراط وتوشك على أن تكسوه، بما يغير طبيعته. وتشكل بقعة أخرى نائية بدورها موطنا لأحد أكبر العناكب حجما في آسيا، وهي العناكب الصيادة العملاقة. فطول رجل العنكبوت المنتمي لهذه الفصيلة يصل إلى 30 سنتيمترا (أي قدم واحد)، وهو ما يجعلها الأكبر من نوعها في العالم. وتعيش تلك العناكب في الكهوف؛ مثلها مثل أي عناكب أسطورية تحترم نفسها. وفي عام 2001، اكتشف خبير العناكب الألماني بيتر غيغر هذا النوع خلال دراسته لمجموعة من العناكب الموجودة في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي بالعاصمة الفرنسية باريس، وذلك قبل أن يتوجه إلى لاوس لتفقد الموئل المنعزل لتلك المخلوقات. ولا يزال الغموض يكتنف العوامل التي أدت لبلوغ العناكب من هذا النوع ذاك الحجم الكبير. ويقول غيغر إن من العسير إيجاد تفسير مباشر ودقيق لذلك. ولكنه يشير إلى أنه يتوقع أن يكون من ضمن هذه الأسباب بالقطع اعتياد العناكب الصيادة العيش في الكهوف. ويوضح بالقول: "الافتراس نادر (في داخل الكهف) أكثر منه خارجه (وهو ما يعني) أن النمو يمضي بوتيرة بطيئة، وربما ينجم عن ذلك بلوغ حجم أكبر". لكن التركيز الإعلامي على العناكب الصيادة العملاقة، كان له للأسف الشديد عواقب سلبية. فقد رصد غيغر تراجع أعدادها بفعل الطلب غير المشروع عليها من قبل المتعاملين في تجارة الحيوانات الأليفة. كما أن هناك عناكب صيادة أخرى كبيرة الحجم تعيش في استراليا. ورغم أنها عادة ما تختبئ تحت لحاء الأشجار الرخو، فإنها رُصدت أيضا بأرجلها الطويلة تلك، وراء ساعات الحائط، والأغطية الواقية من أشعة الشمس التي تُوضع على زجاج السيارات. ورغم أنه يُفترض أن تكون العناكب من هذا النوع موضع ترحيب نظرا لأنها تتغذى على حشرات مثل الذباب، فإنها قد تصبح كذلك مثيرة للقلق، في ضوء مظهرها الشبيه بسرطان البحر، وطول أرجلها الذي يصل إلى ست بوصات (16 سنتيمترا) وقدرتها على اللدغ بشكل بغيض ومؤذٍ، حينما تتعرض للاستفزاز. وفي ضوء طول أرجلها، قد يكون لدى العناكب الصيادة الأوتاد الأفضل من نوعها، ولكن يظل لقب العنكبوت الأثقل وزنا، في واقع الأمر، من نصيب عناكب "الرتيلاء".
مشاركة :