رغم استمرار الحرب فإنه لا بد من التفكير فيما بعد

  • 12/11/2023
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

كانت الشواهد تشير إلى أن الهدنة، التى نجحت الوساطة المصرية القطرية فى تحقيقها لمدة 4 أيام، ثم تجديدها لثلاثة أيام إضافية، ستكون مؤقتة، ولن تصمد طويلًا، فمنذ اللحظة الأولى كان نتنياهو يؤكد أنه بمجرد تبادل بعض الأسرى ستعود إسرائيل إلى حربها المدمرة والغاشمة، وفى الحقيقة لقد رصدت كثير من الكتابات الجادة أهداف ومكاسب إسرائيل وخسائرها من موافقتها على هذه الهدنة، وعلى رأسها حاجة نتنياهو لاحتواء الضغوط الداخلية الخاصة بالرهائن، وأعتقد جازمًا أن هذا الأمر لم يكن غائبًا عن الوسيط المصرى ولا عن الجانب الفلسطينى، الذى كان بحاجة لالتقاط الأنفاس وإدخال المساعدات وإعادة التموضع العسكرى، بعبارة أخرى كانت حاجة استراتيجية ضرورية للجانبين والجانب الفلسطينى خصوصًا. ولكن السؤال الأساسى فى هذا الصدد هو ما تصفه كتابات الصراع والتفاوض بأن هناك أزمة ما ناضجة لإمكانية التوصل إلى تسوية. الحقيقة أن هذا لم يتحقق بعد، ولم يحدث فى السابق، وبسبب رئيس هو أن إسرائيل لا تريد السلام، وتسيطر عليها أغلبية تؤمن بأفكار متشددة، وترفض الاعتراف بأى حقوق للشعب الفلسطينى، وأكثر من هذا أن إسرائيل لم تَخُضْ أى مفاوضات إلا تحت تأثير ضغوط وملابسات داخلية ودولية، وقد أشرت مرارًا إلى أن هذا التيار المتشدد هو النتيجة الطبيعية للفكرة الصهيونية العنصرية. رغم أن التوقعات السائدة متشائمة، فإن كل الاحتمالات كذلك واردة، ومن بينها فشل إسرائيل فى تحقيق أهدافها، وحتى الآن أميل شخصيًّا إلى هذا. هنا من المفيد استرجاع سوابق لظروف أجبرت إسرائيل على الدخول فى عملية تفاوض، وكيف نجحت فى احتواء كثير من الضغوط، إلا أنه يجب دومًا تذكر الدروس وفهم دلالاتها لكى يمكن معرفة ما يجب ألّا يتكرر. النموذج الأول الكبير هو عملية السلام المصرية الإسرائيلية نتيجة خوض مصر حربًا انتصرت فيها، وفهم ما حدث مهم نتيجة محاولة العقل الصهيونى مدعومًا بانحيازات غربية، وخاصة أمريكية، لتشويه هذا النصر، ودخول بعض العرب على هذا الخط، دون إدراك عميق لهذا عندما يتحدثون عن أنها فقط حرب تحريك للمواقف، فخلال الحرب دخلت الولايات المتحدة بقوة غير مسبوقة لتخفيف الهزيمة الإسرائيلية، إلى حد دفع الرئيس الراحل السادات إلى القول إن مصر تحارب أمريكا مباشرة، وهناك أدلة على أن الدعم الأمريكى لم يكن فقط هائلًا لتعويض خسائر السلاح، بل كان أيضًا بالأفراد، وخاصة الطيارين، وبالمعلومات، كما شاركت أطراف أخرى كالنظام العنصرى فى جنوب إفريقيا بطيارين مقاتلين، وبعد انتهاء الحرب بدأت التشويه المتواصل لنتائج الحرب، مدفوعة بأهداف عديدة، من أهمها مواصلة الادعاء أن إسرائيل لا تُقهر، وأيضًا أنها قبلت السلام لأنها تريد ذلك وليس لأنها مضطرة إلى ذلك، ولهذا كان من المفارقات الكبرى أن يكون مناحم بيجن شريكًا للسادات فى تلقى جائزة نوبل، أى أن يكون أحد أعتى المؤمنين بإسرائيل الكبرى وبنهج العنف وتصفية الشعب الفلسطينى وليس فقط قضيته رجل سلام، وينسى أنصار إسرائيل أن شدة اكتئاب الرجل لأنه قبل التنازل عن أرض ليست له دفعته لاحقًا إلى اعتزال الحياة السياسية والموت مكتئبًا بدلًا من الموت فخورًا بما حققه لبلاده. النموذج الثانى أوسلو- وهى اتفاقية مليئة بالثغرات التى أنتجت العيوب المعروفة- هنا لدينا مصدران من الضغوط، الأول الانتفاضة الفلسطينية السلمية، التى أنتجت تعاطفًا كبيرًا حول العالم، بما فى ذلك يهود أمريكا، الذين كانت بعض قياداتهم لا تزال تؤمن بأن السلام قد يحقق مصالح إسرائيل ويهود العالم، أما المصدر الثانى فهو ما أنتجه غزو العراق للكويت من وعود أمريكية للعالم العربى بأن واشنطن ستتخذ إجراءات أكثر جدية للضغط من أجل تحقيق سلام شامل وعادل للقضية الفلسطينية، وفى تقديرى، وخاصة لمَن عاشوا فى المجتمع الأمريكى زمن الانتفاضة، أنه كانت هناك ضغوط وتحولات حقيقية فى المجتمع اليهودى الأمريكى كان من الصعب ألا تتجاوب معها إسرائيل، ولكن الدرس الحقيقى هو كيف كان هذا التجاوب الإسرائيلى من وجود ضغوط خارجية ورأى عام دولى متحفظ بدرجات ضد إسرائيل، وحتى قوى داخلية على قدر من الحضور راغبة فى العيش فى سلام، وبعضها كان يدفع بالفعل لصالح مصالح اقتصادية والتطبيع مع العالم العربى، ومن ثَمَّ تجاوبت إسرائيل مع هذه الضغوط باستراتيجية متعددة المستويات، الأولى الاستجابة وإنتاج اتفاقية مليئة بالثغرات، وتعكس مهارة الجانب الإسرائيلى واستغلاله خطأ استراتيجيًّا فلسطينيًّا عندما فاوض سرًّا دون دعم عربى، والأهم استراتيجية متوسطة وبعيدة الأجل لإفراغ هذه الاتفاقية من نتائجها وإضعاف الجانب الفلسطينى، والأهم العمل الحثيث على تشجيع تيارات التطرف والتشدد الدينى فى أوساط اليهود الغربيين ومطاردة أصحاب المواقف الحرة سواء من اليهود أو حتى غيرهم لضمان بيئة مواتية لإسرائيل، ومن ثَمَّ رأينا حالة المبالغة الغربية والأمريكية الشديدة فى بداية هذه الأحداث، والتى وصلت إلى مستويات غير مسبوقة. والحقيقة أن ضغوطًا حقيقية ومتواصلة وإخفاقًا إسرائيليًّا فى تحقيق أهداف هذه الحرب قد تشكل فرصة أخرى، ولكن يجب استحضار كل الدروس السابقة، وعدم تكرار الأخطاء، ويظل أن المهم الآن التركيز على الرأى العام الدولى والغربى، الذى بدأ فى التيقظ، ولكن مهمة مخاطبته ستطول.

مشاركة :