القدس - تتعمق عزلة إسرائيل الدبلوماسية في حربها على حركة حماس، في وقت يكثف فيه حلفاء تل أبيب ضغوطهم عليها من أجل وقف إطلاق النار في قطاع غزة كما حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من تلاشي الدعم الدولي بسبب القصف العشوائي للمدنيين. ومع قتال عنيف يدور في شمال وجنوب القطاع في وقت واحد أعلنت القوات الإسرائيلية اليوم الأربعاء تكبدها أكبر خسائر في أكثر من شهر بما شمل مقتل ضابط برتبة كولونيل وهو العسكري الأعلى رتبة الذي يلقى حتفه في العمليات البرية. وقصفت طائرات مجددا قطاع غزة وقال مسؤولون في وكالات إغاثة إن حلول الطقس الشتوي الممطر يزيد من تدهور الوضع الذي تعانيه مئات الآلاف من الأسر بينما تنام في خيام بدائية. والأغلبية العظمى من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة باتوا مشردين. ومنذ انهيار الهدنة التي استمرت أسبوعا في أول ديسمبر/كانون الأول وسعت القوات الإسرائيلية حملتها البرية من شمال قطاع غزة إلى الجنوب باقتحام مدينة خان يونس الجنوبية الرئيسية. وأعلنت إسرائيل أن عشرة من جنودها قُتلوا في الساعات الأربع والعشرين الماضية من بينهم ضابط برتبة كولونيل في لواء جولاني للمشاة ولفتنانت كولونيل قاد كتيبة في اللواء. وتلك هي أكبر خسائر في صفوف القوات الإسرائيلية في يوم واحد منذ مقتل 15 في 31 أكتوبر/تشرين الأول. وذكر راديو الجيش الإسرائيلي أن أغلب القتلى سقطوا في حي الشجاعية بمدينة غزة شمال القطاع حيث دخلت وحدة مشاة تطارد مسلحين من حماس لبناية وفقدت الاتصال بالقاعدة. ولدى إرسال وحدة أخرى لدعمها تم تفجير قنابل في البناية وفتح مسلحون النار. وقالت حماس إن "إعلان جيش الاحتلال الصهيوني عن مقتل عشرة أغلبهم من الضباط في الشجاعية شرق غزة وتزايد أعداد قتلاهم في مختلف محاور القتال يؤكد حجم الخسارة والفشل لقادة الكيان وجيشه في مواجهة بأس المقاومة وكتائب عزالدين القسام الذين يوفون بوعدهم بجعل غزة مقبرة للغزاة". وتابعت الحركة في بيان "نقول للصهاينة بأن قيادتكم الفاشلة لا تلقي أي اعتبار لحياة جنودكم الذين يقتلون ويصابون يوميا بالعشرات ولا خيار لكم سوى الانسحاب من غزة، فكلما زادت مدة تواجدكم فيها كلما زادت فاتورة قتلاكم وخسائركم، وستخرجون منها تجرون ذيل الخيبة والخسران بإذن الله". وقال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين اليوم إن بلاده ستواصل الحرب على غزة "بدعم دولي أو دونه"، مضيفا "وقف إطلاق النار في المرحلة الحالية هو هدية لمنظمة حماس وسيسمح لها بالعودة وتهديد سكان إسرائيل". وفي شمال قطاع غزة أيضا دار قتال عنيف في حي جباليا حيث قال مسؤولون في قطاع الصحة إن القوات الإسرائيلية حاصرت مستشفى واقتحمته واعتقلت أفرادا من الطواقم الطبية وأساءت معاملتهم. وفي جنوب القطاع تقدمت قوات إسرائيلية اقتحمت خان يونس في الأيام القليلة الماضية صوب قلب المدينة. ويقول سكان إن قتالا عنيفا يدور دون محاولات أخرى للتقدم في الساعات الأربع والعشرين الماضية. وقال أبوعبد الله وهو أب لخمسة يعيش على بعد كيلومترين "الدبابات الإسرائيلية لم تتحرك أكثر من مركز المدينة. تواجه مقاومة شرسة ونسمع تبادل إطلاق النار وانفجارات أيضا". وأضاف أن إسرائيل جاءت بجرافات ودمرت الطريق قرب منزل زعيم حماس يحيى السنوار في خان يونس وتابع قائلا "لا يأتون إلا بالدمار والموت في أي مكان يحلون فيه على حساب المدنيين الأبرياء العزل". والمستشفيات في شمال القطاع توقفت عن العمل إلى حد كبير وفي الجنوب تكتظ بما يفوق طاقتها بالجثث والمصابين الذين يصلون بالعشرات ليل نهار. وقال الدكتور كريس هوك وهو طبيب بريطاني أرسلته منظمة أطباء بلا حدود لمستشفى ناصر في خان يونس "الأطباء وأنا منهم يخطون فوق جثث أطفال لمعالجة أطفال معرضون للموت". وتقول وكالات دولية إن المساعدات المحدودة التي تصل لقطاع غزة لا توزع إلا في مناطق برفح قرب الحدود المصرية. وحتى هناك بات الوضع أكثر صعوبة هذا الأسبوع مع احتماء مئات الآلاف في المنطقة. ومن رفح، قالت جيما كونيل التي تقود فريق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في رسالة "الأمطار الغزيرة والرياح خلال الليل. أمر مريع لكل هؤلاء في الملاجئ المؤقتة". وتقول إسرائيل إنها تشجع دخول المزيد من المساعدات للقطاع عبر الحدود المصرية وتعلن يوميا فترات توقف لأربع ساعات في العمليات قرب رفح لمساعدة المدنيين على الوصول للمساعدات. وتقول الأمم المتحدة إن دخول المساعدات يتأثر إلى حد كبير بعمليات التفتيش المرهقة وانعدام الأمن. وليس لتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يطالب بوقف إطلاق النار أي قوة قانونية إلزامية لكنه أقوى مؤشر حتى الآن على تراجع الدعم الدولي لأفعال إسرائيل. وأيدت ثلاثة أرباع الدول الأعضاء وعددها 193 القرار ولم تنضم سوى ثماني دول للولايات المتحدة وإسرائيل في رفضه ورحبت السلطة الفلسطينية بالقرار وحثت الدول على الضغط على إسرائيل للامتثال له. وكرر القيادي في حماس عزت الرشق ما ورد في بيان السلطة الفلسطينية وقال عبر تطبيق تيليغرام إن على إسرائيل "وقف عدوانها والإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد شعبنا". وقبل صدور القرار، قال بايدن إن إسرائيل تحظى الآن بدعم "معظم دول العالم" بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في حربها ضد حركة حماس وأضاف خلال فعالية لجمع تبرعات في واشنطن "لكنهم بدأوا يفقدون هذا الدعم بسبب القصف العشوائي الذي يحدث". وقال زعماء كندا واستراليا ونيوزيلندا في بيان مشترك يدعو إلى وقف إطلاق النار منفصل عن دعوة الأمم المتحدة في القرار "من غير الممكن أن يكون ثمن هزيمة حماس استمرار معاناة جميع المدنيين الفلسطينيين". بدوره دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اليوم الأربعاء الأمم المتحدة إلى الدعوة إلى مؤتمر دولي لتسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، معتبرا ذلك السبيل الوحيد الممكن لحل الأزمة "إلى الأبد". وصرح لافروف للصحافيين بعد كلمة أمام أعضاء مجلس الاتحاد الروسي أن "الطريقة الوحيدة الممكنة لحل هذه المشكلة إلى الأبد وتسويتها بشكل عادل هي تنظيم مؤتمر دولي بمشاركة إلزامية من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي"، مضيفا يجب أن تلعب الأمم المتحدة "الدور الرئيسي" فيه. وقال لافروف "أنطلق من مبدأ أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قادر على القيام بمبادرة من هذا النوع"، مكررا الموقف الروسي الذي يدعم إنشاء دولة فلسطينية "وُعد بها رسميا" في 1948، مشددا على أن "استمرار الظلم ضد الشعب الفلسطيني يغذي مشاعر إرهابية ومتطرفة قوية" في المنطقة. وبعد الفرار من منازلهم في شمال القطاع ثم من ملاجئهم في خان يونس، انتقل عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى رفح الواقعة في أقصى جنوب القطاع عند الحدود مع مصر وتحوّلت إلى مخيم ضخم للنازحين حيث نصبت مئات الخيام باستخدام أخشاب وأغطية بلاستيكية. وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) إن عشرات آلاف النازحين الذين وصلوا إلى رفح "يواجهون ظروفا كارثية في أماكن مكتظة بالسكان داخل الملاجئ وخارجها كما أن غياب المراحيض يزيد من خطر انتشار الأمراض" خصوصا عندما تسبب الأمطار فيضانات. وقال الشاب الفلسطيني إيهاب أبوجوف (23 عاما) "غمرت المياه كل الخيم. لا نعرف ماذا نفعل. أقسم بالله أن الظروف هنا صعبة جدا". ورغم وجود هؤلاء النازحين في المكان، يواصل الجيش الإسرائيلي استهداف رفح حيث أسفر قصفان على منزلين عن مقتل 24 شخصا الثلاثاء، وفق وزارة الصحة التابعة لحركة حماس. وقال توفيق أبوبريق، أحد الناجين بين الأنقاض "الجيش الإسرائيلي قال إن الجنوب آمن، رفح آمنة. أين الأمن في رفح؟ كل يوم هناك قصف على رفح". وبحسب "أوتشا"، دخلت إلى قطاع غزة مئة شاحنة محملة بالمساعدات عبر معبر رفح منذ مساء الاثنين، بالإضافة إلى 120 ألف لتر من الوقود، وهي مساعدات تبقى بحسب المكتب أقل بكثير من الحاجات. وفي إطار الحصار التي تفرضه على غزة، تتحكّم إسرائيل في دخول المساعدات الدولية إلى القطاع عبر معبر رفح. وبسبب القتال، يصعب نقل هذه المساعدات إلى ما بعد رفح. وقد أعادت الحرب إشعال الجبهة مع حزب الله اللبناني على الحدود الشمالية لإسرائيل وتسببت في اندلاع أعمال عنف في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967 حيث قتلت القوات الإسرائيلية ستة فلسطينيين الثلاثاء بحسب السلطة الفلسطينية. وفي هذا السياق، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين الأربعاء إنها "تؤيد" فرض عقوبات على "المتطرفين" من المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة، مندّدة أمام البرلمان الأوروبي بـ"تصاعد" أعمال العنف التي يمارسونها والتي اعتبرت أنها تهدد استقرار المنطقة.
مشاركة :