تقف الصناعات الدوائية والتقنية الحيوية المبتكرة على حافة كل من «الابتكار» و«الربحية»، حيث تعمل براءات الاختراع كدرع ونقطة ضعف لها في آن واحد. تحمي هذه الأدوات القانونية الاستثمارات الضخمة في تطوير هذه الصناعات، واكتشاف وتطوير أدوية جديدة، غالبا ما يكون نتيجة لمليارات الدولارات وسنوات من البحث والتطوير، مربحا بشكل كبير جدا لفترة من الوقت فقط. فترة براءة الاختراع حرجة؛ إذ تعد النافذة التي يجب على الشركة خلالها ليس فقط استرداد استثماراتها في البحث والتطوير والابتكار، ولكن أيضا تمويل الأبحاث المستقبلية وتعويض ما تم إنفاقه سابقا في مشاريع لتطوير أدوية لم تنجح. دون هذا النظام، سيقل الحافز للاستثمار في أدوية جديدة مبتكرة والتي قد تنقذ حياة الملايين من البشر، تاركة العديد من الاحتياجات الطبية دون تلبية. «هاوية براءات الاختراع» هو مصطلح للانخفاض الحاد في إيرادات الأدوية المبتكرة وذلك عندما تفقد حماية براءات الاختراع. ويحدث هذا بالتبعية عند دخول أدوية جنيسة أخرى مماثلة للدواء المبتكر الأصلي، حيث تكون نسخا كيميائية أو حيوية متطابقة أو متشابهة من الأدوية المبتكرة، وتقوم بتقديم نفس الفوائد العلاجية بتكلفة أقل. تمثل «هاوية براءات الاختراع» للشركة المبتكرة انخفاضا شديدا في تدفق إيرادات الدواء المبتكر. تختفي الحصرية التي كانت توفرها فترة حماية براءة الاختراع. حيث يمكن للشركة المبتكرة أن ترى إيراداتها من هذا الدواء تتقلص بأكثر من 50% إلى 80% في السنة الأولى من انتهاء براءته. بالنسبة لعمالقة شركات الأدوية، فإن هاوية «براءات الاختراع» تمثل تهديدا مستمرا ولا مفر منه. حيث إن الاعتماد على عدد قليل من الأدوية المبتكرة الناجحة «تحت فترة حماية براءة الاختراع» للحصول على غالبية الإيرادات هي استراتيجية محفوفة بالمخاطر. عند انتهاء فترة حماية هذه البراءات، يكون التأثير السلبي هائلا. غالبا ما تلجأ الشركات إلى استراتيجيات دفاعية مثل طلب تمديد براءات اختراع أو العمل على براء اختراع جديدة على تركيبات طفيفة أو استخدامات علاجية جديدة للدواء. تحقق صعود «الأدوية الجنيسة» بعد «هاوية براءات الاختراع» قوة تحولية في سوق الرعاية الصحية، حيث تخفض التكاليف وتوسع الوصول إلى الأدوية. ومع ذلك، فإن كل دولار يتم توفيره من قبل نظام الرعاية الصحية يمثل خسارة مقابلة في إيرادات الشركة المبتكرة. تزدهر صناعة الأدوية الجنيسة على هذه الهاوية، لكنها تواجه أيضا تحدياتها الخاصة، مثل عمليات الموافقة الصارمة والمنافسة الشديدة في الأسعار، حيث يتمدد هذا التأثير على نظام الشركة البيئي بأكمله. قد يتم تقليص ميزانيات البحث والتطوير والابتكار استجابة لانخفاض الإيرادات، مما يؤدي إلى انخفاض عدد الأدوية المبتكرة المستقبلية والتي هي الآن تحت التطوير، وأيضا قد تتغير استراتيجيات التسويق بشكل جذري، حيث تشتد الجهود للاحتفاظ بحصة السوق في مواجهة مد «الأدوية الجنيسة» الأخرى. كما يمكن أن يتأثر التوظيف داخل الشركة، حيث غالبا ما ينظر إلى تسريح عدد من الموظفين لتقليل النفقات والذي قد يكون «شر لا بد منه» في هذه المرحلة. هنالك الكثير من الحالات التاريخية المستمرة والتي هي «صور قاتمة» لتأثير «هاوية براءات الاختراع» وعلى سبيل المثال عندما «انتهت براءة اختراع» دواء «ليبيتور» «Lipitor» الشهير للكوليسترول في عام 2011، شهدت شركته شركة فايزر تراجع مبيعات هذا الدواء من 5 مليارات دولار إلى 2 مليار دولار أمريكي في غضون عام واحد فقط. مثال آخر دواء «المضاد للاكتئاب» الشهير «ليكسابرو» «Lexapro» لشركة «مختبرات الغابة» الأمريكية فقد انتهت حماية براءة الاختراع لهذا الدواء في عام 2012، مما أدى إلى انخفاض مبيعاته بنسبة 70% خلال سنة واحدة فقط. أخيرا عزيزي القارئ، لا يزال نظام «براءات الاختراع» سيفا ذا حدين بالنسبة للصناعات الدوائية ومحركا أساسيا للابتكار. مستقبل هذه الصناعات ودليل استمرارية هذه الشركات وديمومتها يعتمد بشكل كبير على مقدرتها في التنقل عبر «هاويات براءات الاختراع» بشكل مستمر ومستقر دون تأثر كبير وذلك من خلال الحفاظ على التزامها بتطوير أدوية جديدة مبتكرة. nabilalhakamy@
مشاركة :