في خضم التطورات المذهلة التي تشهدها المملكة العربية السعودية في شتى المجالات على المستويين المحلي والعالمي، وبالنظر إلى المناسبات العالمية التي ستشهدها بلادنا في السنوات القادمة، كان لا بد من الحديث عن واقع تخصص اللغات والترجمة بصفته تخصصا أساسيا لنجاح رؤية المملكة 2030، ليدعم المسيرة العالمية ويصل بها عنان السماء. يعد تخصص اللغات والترجمة من التخصصات الإنسانية المهمة التي تحتاج إلى الدعم والتطوير المستمر حتى تواكب متطلبات سوق العمل وتتوافق معها وتلبي بذلك رؤية قادة هذه البلاد المباركة. وفي هذه المقال سأصحبكم في رحلة مختصرة لواقع تدريس اللغات والترجمة في بعض الجامعات، وكيف يمكن تحسين الوضع الحالي بذكر بعض التوصيات. يبدأ الأمر قبل أن يلتحق الطالب بالكلية، فالأبواب مفتوحة للجميع حتى لو لم يكن لديهم القدرات التي تؤهلهم لتعلم اللغة والاستمرار في ممارستها، وحتى لو لم يكن تعلم اللغات هو رغبتهم الفعلية. قد يفهم البعض أنني أعترض على إتاحة الفرصة للجميع لتعلم اللغات، ولكن الواقع الذي عايشناه خلال عدة سنوات من التدريس في الجامعة أن بعض الطلاب لا يتمتعون بالاستعداد اللغوي الذي يؤهلهم لتعلم اللغة؛ وعلى هذا فإن قبولهم في هذا التخصص ظلم لهم، وضياع لسنوات طويلة من أعمارهم، وكان الأولى توجيههم إلى تخصصات تناسب قدراتهم وصفاتهم الشخصية. لابد إذا من إجراء اختبارات للقبول في هذا التخصص، حيث يخضع الطالب لتقييم يتعلق بجوانب الاستعداد اللغوي وقابليته لتعلم اللغات من جوانب مختلفة. الأمر يتعلق إذا بجودة المدخلات، فالتخصصات الإنسانية لها خصوصيتها، ولطلابها قدراتهم الخاصة التي يجب أن يتمتعوا بها ويطوروها. الإشكالية الأخرى بعد القبول هي طريقة تدريس اللغات وفاعلية الخطط الدراسية للبرامج المختلفة. وهنا يجب التوضيح أن تعليم اللغات لا يكون في كليات بنظام المقررات المتفرقة، وإنما في معاهد ذات مستويات لغوية حسب ما هو متعارف عليه. والواقع أن الطالب يدرس مقررات لمهارات لغوية متفرقة، ثم إذا تعثر في بعضها أصبح يدرس مهارات من مستويات مختلفة (مبتدئ في الكتابة والقواعد - متوسط في المحادثة - متقدم في الاستماع). والصحيح أن يدرس مهارات من مستوى واحد ثم ينتقل للمهارات التي في المستوى التالي وهكذا، وهذا الأمر من أبجديات تعليم اللغات التي أهملتها بعض الجامعات. ينتقل الطالب بعد ذلك إلى التخصص، لكن بعضهم لا ينتقل فعليا؛ لأنهم مازالوا يدرسون بعض المهارات اللغوية؛ فهو لا يحسن الاستيعاب الكتابي مثلا لكنه يدرس الترجمة التحريرية. وربما لم يتقن مهارات الاستماع والحديث ويطلب منه ممارسة الترجمة الفورية. ومن المؤسف ألا يكون لمقررات الترجمة التحريرية والشفهية نصيب كبير من الخطط الدراسية بعد أن زاحمتها مقررات اللغويات. وفي سوق العمل نبحث عن مترجمين أكفاء فلا نجد إلا القليل، أولئك الذين عرفوا مواطن الخلل واعتمدوا على أنفسهم. وكان الأولى فصل تدريس اللغات عن تدريس الترجمة التحريرية والشفهية، فبعد أن ينتهي الطالب من دراسة المهارات اللغوية ويكون متميزا نتيح له دراسة الترجمة التحريرية أو الترجمة الشفهية والعلاقات الدولية بنظام التجسير أو بطرح دبلومات تخصصية مكثفة. أضف إلى ذلك الطرق التي تدرس بها الترجمة وخاصة الشفهية، ومن يدرسها وأين يدرسها. هل تتمتع جميع كليات اللغات في المملكة بالبنية التحتية التي تساعدها على تأهيل الطلاب تأهيلا مناسبا يساعد الطلاب على معايشة واقع سوق العمل وإكسابهم خبرات تعلم مفيدة ويسهم بذلك في تحسين جودة المخرجات؟ ومع أن بعض أقسام اللغات توجهت توجها إيجابيا بطرح برامج نوعية من برامج دراسات عليا في تخصصات معينة مثل السياحة والقانون والإعلام والسياسة، إلا أن الأساس مازال هشا ويحتاج إلى إعادة بناء. ومن هذا المنطلق أرى أن هناك أمورا مهمة، ستساعد بإذن الله تعالى إلى الوصول إلى مستوى مقبول في هذا التخصص المهم: 1 - إعادة الاعتبار لمهنة المترجم والتسويق لها من الجامعات والقطاعات الخاصة، عبر الاهتمام بالمترجم ورفع شأنه، ليكون مثالا يقتدي به النشء ويسعون برغبتهم لدخول هذا المجال الحيوي والتخصص المهم. 2 - تطوير البرامج الأكاديمية من خلال: وضع معايير واختبارات قبول تقيس الاستعداد اللغوي عند المتقدمين. تدريس اللغات في معاهد بطريقة المستويات. فصل تدريس اللغات عن التخصص (لغويات - ترجمة). 3 - إنشاء مدارس عليا للترجمة الشفهية والتحريرية وترجمة المؤتمرات والعلاقات الدولية، وتكون قائمة على أعلى المعايير والمقاييس الدولية. سواء كانت تابعة للجامعات أو مستقلة عنها. 4 - تأهيل مدرسين متخصصين للتدريب على الترجمة التحريرية والشفهية بأنواعه المختلفة. 5 - إقامة المؤتمرات والندوات العلمية ودعم بحوث دراسات الترجمة النظرية والتطبيقية. هذه مقترحات واجتهادات مبنية على خبرة لسنوات في مجال تدريس اللغات والترجمة، أردت أن تظهر للملأ لعلها تغير واقعنا وتزدهر بمستقبلنا.
مشاركة :